المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة
Forgotten television - by autowitch - Flickr
بقلم زكيّة الحديجي *،

شهران مرّا على ثورة الكرامة .. شهران بدآ بالحلم والأمل وانتهيا بالغضب وخيبة الأمل.

طرقت أبواب الرّؤساء والمديرين الجدد بمؤسّستي الإذاعة والتّلفزة التّونسيّة مرّات ومرّات وطالبت بحقّي في العودة إلى العمل بعد إقصائي و تهميشي منذ فيفري 2010 بأمر من السيّد شوقي العلوي المدير السّابق للإذاعات. ظننت أنّ المسؤولين الجدد سيقطعون مع أساليب أسلافهم الذين تقنّنوا في تكميم فمي وطمري داخل بيتي لمدّة سنوات ليفتحوا لي المجال لممارسة مهنتي كصحافيّة ومعدّة برامج. ولكن بدلا عن ذلك، تناسوا أمري وقرّروا الاستغناء عن كفاءاتي المهنيّة التي يشهد بها المختصّون والمشاهدون والمستمعون.

لماذا لم أستطع إلى حدّ هذه السّاعة ممارسة مهنتي كصحافيّة بإذاعة تونس الدّوليّة وفقا للتّعريف المهنيّ الإداري الذي يوشّي صدر بطاقة التّعريف الوطنيّة و شارة الدّخول إلى مبنى مؤسّسة الإذاعة التّونسيّة؟

الوجه الأوّل للسّؤال

فمنذ أواخر جانفي وطوال فيفري 2011، توالت التّعيينات على رؤوس الإذاعات وتواترت معها الإقالات ما عدى رأس الهرم الإداري الجديد السيّد الحبيب بالعيد. اتّصلت به، مباشرة بعد تعيينه في منصبه الجديد، وقلت له كم أنا متحمّسة للعمل وكم أتمنّى أن أكون نافعة في هذه المرحلة الفاصلة بين الإعلام الرّسمي والإعلام العموميّ، الإعلام المنحاز والإعلام المستقلّ. فأنا ابنة الدّار وأتقاضى جراية شهريّة ككلّ موظّف في الإدارة التّونسيّة. أليس كذلك سي الحبيب؟ ألم تكن أيضا شاهد عيان على قرار إقصائي عن العمل في فيفري 2010 من برنامج “قنطرة” بتهمة أنّ شابّا من بين الذين استجوبتهم حول الهجرة السريّة “الحرقة ” قال لي، وهو الذي عاش تجربة “حرقة” أولى عبر الشّبكة الليبيّة، أنّه يعدّ العدّة ليعاود الكرّة حتّى وإن كلّفه ذلك حياته لأنّ ” العيشة في تونس ولاّت جحيم “. وكنت حينها تشغل خطّة مدير مساعد بالإذاعة الدّوليّة ؟

السّابقون في القطاع الإعلامي أذاقوني الأمرّين ثمّ وضعوني في “الفريقو” وأنت سي الحبيب تجاهلت إلحاحي على مزاولة عملي بل وتجرّأت على كتم شهادة والشّهادة من الدّين.

الشّاهد الأوّل

تسارعت الأحداث وذات يوم أحد من شهر فيفري 2011 ، خاطبتني سي الحبيب هاتفيّا بلهجة حازمة لتقول لي بأنّ مهمّنك الجديدة تستوجب منك “تطهير الإذاعات” والبتّ في ملفّات الأشخاص الذين يتقاضون مرتّبات ولا يشتغلون. لم أكد أصدّق ما قلت هل كنت تعنيني بكلامك؟ أيمكن” لصديق”، يعرف الكثير عن خفايا نكساتي المهنيّة ويعلم جيّدا حجم شوقي لممارسة فعليّة للعمل الصّحفيّ وكان شاهدا على إيقافي عن العمل وعلى إبعادي، أن لا يقول قولة حقّ؟ تمالكت نفسي وذكّرتك بالوقائع التي كنت طرفا فيها وجدّدت لك قولي بأنّني أريد أن أعمل.

وفي انتظار جواب لم يأت، نشرت صحافيّة بالإذاعة الوطنيّة الجمعة 11 مارس على موقع الفاس بوك خبرا يفيد بأنّ رئيس الإذاعات المؤقّت السيّد الحبيب بالعيد قرّر رسميّا حجب ومنع برنامج حول الفساد الماليّ والإداري بشركة نقل وطنيّة واتّهمته بالاعتداء على حريّة الإعلام فسألتها كتابيّا عن حجج السّنسرة. عندها اتّصلت بي سي الحبيب لتفسّر لي الحيثيّات وطلبت منّي بصريح العبارة أن أجيبها على لساني وأن أحاججها. وقبل أن تغلق الخطّ أعدت سؤالك للمرّة الثّالثة منذ تولّيك المنصب:” هل فكّرت في العمل؟” وكأنّك نسيت أنّ الحلّ والرّبط بين يديك. مرّة أخرى تمالكت نفسي وأجبتك بأنّي حضرت الاجتماع الذي التقى فيه مدير إذاعة تونس الدّوليّة الجديد السيّد عصام المرزوقي، يوم السّبت 5 مارس، بالعاملين في المحطّة وأنّي ذهبت إلى مكتبه يوم الاثنين 7 مارس وأعربت له عن حماسي للعمل. حاولت تدارك الموقف وقلت لي متلعثم اللسان ” راني حكيتلو عليك و على كلّ حال توّ نشوفو “. “شهرين كاملين سي الحبيب نقولك نحبّ نخدم في الآخر تحبّ تخدم بيّ؟”

سي عصام المرزوقي ألم تقل في اجتماع يوم 5 مارس أنّك لا تشتغل بالتّعليمات؟ لماذا إذا لم تحرّك ساكنا إلى حدّ الآن؟

الوجه الآخر للسّؤال

أيّاما معدودات بعد تعيين رئيس جديد للتّلفزة ، نشرت صحافيّة، تدعى كوثر الحكيري، مقالا تحت عنوان “الفساد المالي في التّلفزة التّونسيّة” ذكرتني فيه من بين من ذكرت بالاسم وسرّبت معلومات شخصيّة عن مبالغ ماليّة كنت أتقاضاها حين كنت أنتج وأقدّم برنامج نسمة صباح وهذا ما قالت:” وطال الفساد المالي أيضا برنامج “نسمة صباح” في نسخته الأولى ومقدمته “زكية الحديجي” المرسمة في الإذاعة- دون أن تمارس أي عمل فعلي طيلة سنوات – والتي كانت تتقاضى مبلغ 250 دينار يوميا على مدى سنة ونصف السنة، أي 1500 دينار أسبوعيا” .

سيّدتي أو آنستي كوثر الحكيري، كنت، في تسعينات القرن الماضي، تعرّضت لمحاولات تخويف ممّن يمارسون سقط الصّحافة بهتك الأعراض ونشر الأخبار الزّائفة. وبالرّغم من صغر سنّي ومحدوديّة تجربتي آنذاك، لم أتزعزع ولم أبع ذمّتي للشّيطان. فما بالك اليوم بعد كلّ الذي عرفت وجرّبت.

يا من تدّعين أنّك صحافيّة، هل يعقل أن لا تذكري مصادر أخبارك التي أقدمت على نشرها؟ لو كنت صحافيّة كما تدّعين لكنت اتّصلت بي كما يفترض ذلك العمل الصّحفي ولكنت أعطيتك تكملة ضروريّة لأخبارك المنقوصة ولكنت أعلمتك بأنّني لست عازمة على استرداد مستحقّاتي الماليّة المتخلدة بذمّة التّلفزة فقط وإنما عازمة على استرداد مستحقّاتي الأدبيّة لبرنامج نسمة صباح الذي افتكّ منّي غصبا وقهرا سنة 2001 . ولعلمك أنّني في الفترة التي قلت إنّني لم أمارس خلالها أيّ عمل فعليّ أنتجت وقدّمت 8 برامج إذاعيّة:

« Etoiles filantes »، « Couleur café »، « Tapis volant »، « Mon ramadhan à moi »، « Noir sur Blanc »، « Musiques spirituelles en terres d’Islam »، « AL-Quods »، « Quantara »

وبما أنّك لم تحترمي ظوابط العمل الصّحفيّ فإنّي رفعت ضدّك قضيّة عدليّة في الثّلب وفي نشر أخبار شخصيّة.

الشّاهد الثّاني

استجابة لنصائح أقربائي وأصدقائي والبعض من أهل المهنة، اتّصلت هاتفيّا بالرّئيس الجديد للتّلفزة التّونسيّة السيّد المختار الرصّاع الذي شغل منصب مدير للتّلفزات، زمن اقتراح “نسمة صباح “وبرمجتها وزمن سنسرة “معرض الصّحافة” الذي كنت أعدّه وأقدّمه في شبكة 2000 / 2001 ، فلم أتلقّ ردّا.

هذه المرّة لم تكن هي المرّة الأولى التي يستفزّني فيها الواجب للذّهاب إلى دار التّلفزة . في ثلاث مناسبات توجّهت على عين المكان وتحادثت، يومي 17 و 19جانفي، مع أعضاء اللجنة المشكّلة عن نقابه تقنيّي دار التّلفزة و التي كانت تسيّر البثّ التّلفزي آنذاك. وفي المرّة الثّالثة قابلت الرّئيس السّابق للمؤسّسة، وفي كلّ مرّة كنت أقول وأكرّر:” أريد أن أكون نافعة في هذه المرحلة الثّوريّة الحسّاسة، أريد أن أشتغل”.

سي المختار أنت والسيّد عبد الرّؤوف الباسطي أنتما أكثر من يعرف كم وكيف كنت أعمل في “نسمة صباح” وأنت تتذكّر كلّ التّضييقات التي مورست ضدّي لأنّي لم أنتهج الخطّ التّحريري لقناة تونس 7. لمن لا يتذكّر أذكّر :

وقع استنطاقي لمدّة ساعات طوال من قبل المسؤولين الآنف ذكرهما بخصوص معرض الصّحافة الذي كنت أعدّه وأقدّمه يوميّا لأنّي تحدّثت في نسخة يوم 18 ماي 2001 عن مقالين الأوّل حول أحمد بن صالح العائد إلى أرض الوطن والثّاني حول أسامة بن لادن الذي يعدّ لضربة كبرى في الولايات المتّحدة الأمريكيّة. وبالفعل وقعت سنسرة “صحافة اليوم” إلى الأبد و بالفعل ضرب بن لادن يوم 11 سبتمبر.

وضعتني الإدارة تحت ظغط لا يطاق بأساليبها التي يعرفها كلّ من خرج عن سرب المطبّلين، المزكّرين والمتاشدين. منعت عنّي استعمال وحدات التّصوير الخارجي وحبست عنّي حتّى أشرطة الخزينة السّمعيّة البصريّة. وكنت حينها أأمّن يوميّا ثلاث ساعات من البثّ الصّباحيّ المباشر.

سي المختار أنت كنت مديرا للتّلفزات وقتها وكنت شاهدا على إقصائي من تقديم “نسمة صباح” البرنامج الذي وضعت تصوّره وكان يستغرق منّي 16 ساعة عمل يوميّا على الأقلّ. أنت شاهد كيف أقصوني واستبدلوني بمنشّطتين واحدة منخرطة ناشطة بحزب التّجمّع الدّستوري الدّيموقراطي والثّانية كانت لا تمتلك القدرة حتّى على إتمام جملتها..

سي المختار استبدلوك بعد ذلك بالسيّد محمّد قنطارة الذي أبلغني في بداية أفريل 2002 بأنّه تقرّر تنحيتي عن “نسمة صباح” وتعيين السيّد بن محرز الذي كان يعمل بوكالة الاتّصال الخارجيّ. و لم يكفهم تجريدي من الملكيّة الأدبيّة للبرنامج وحرماني من مستحقّاتي الماليّة للفترة الممتدّة بين أكتوبر 2001 وأفريل 2002 بل ورموا بي في “الفريقو” زنزانة أصحاب الفكر المستقلّ والضّمير الحيّ.

ما ذكّرت به قليل من كثير. و الأدهى أن يتواصل تجاهلي وإقصائي عن ممارسة عملي كصحافيّة ومنتجة برامج في مشهد القطاع السّمعي البصريّ العموميّ الذي يفتقر إلى مهنيّين قادرين أن يكونوا في مستوى الأحداث التي تعيشها تونس في هذه الفترة البالغة الدقّة في تاريخها. والأدهى أن تتجدّد محاولات القدح في شخصي وأخلاقي من قبل قنّاصين يحاولون إلغاء المهنيّين المستقلّين الذين لا يأتمرون بغير أوامر أخلاقيّات المهنة .

يا سي الحبيب بالعيد ويا سي المختار الرصّاع لماذا لا أمارس مهنتي إلى حدّ الآن؟

ألعيب في قدراتي المهنيّة؟ إن كان الأمر كذلك أريد أن أذكّر سي الحبيب أنّنا تشاركنا في إنتاج وتقديم أكثر من برنامج إذاعيّ وأذكر على سبيل الذّكر لا الحصر برنامج”القدس”المتكوّن من ثلاثين حلقة.

وأريد أن أذكّر سي المختار بأنّه بلغني بأنه شهد بكفائتي المهنيّة لمن أعرف ولا أعرف وأحسن دليل على ذلك مبادرته بالاتّصال بي للمساهمة في الشّبكة التّلفزيّة 2000/2001 ،من قبل أن يعيّن بصفة رسميّة على رأس التّلفزات آنذاك. قبل ذلك التّاريخ أي ما بين 1996 و 2000 كنت أيضا في “فريقو” من نوع آخر ولا فائدة من إطالة الحديث.

وفيالختام، أريد أن أسوق هذه المعلومة :” لم أنتم قطّ إلى حزب سياسي أو جمعيّة أو مرصد أو مجلس أو مركز أو هيئة أو لوبّي وأعيش بمرّتّب صحافيّة لم يشملها التقدّم في الرّتب والدّرجات المهنيّة الإداريّة.

ويحقّ لي اليوم أكثر من أيّ وقت مضى أن أطرح أسئلتى وأطالب بأجوبة.

لماذا لا أمارس المهنة التي أشقتني وأسعدتني؟ التي أعطتني وحرمتني؟

لماذا لم تطل مبادئ الثّورة الإعلام العموميّ السّمعي البصري؟

فمن يا ترى هؤلاء الذين أحرجهم إلى حدّ لا يطيقون فيه لا مشاهدتي ولا سماع صوتي حتّى بعد الثّورة؟

أن أكون في” الفريقو” في أحلك فترة عاشتها الصّحافة في تونس فذلك أمر مفهوم

وأن أبقى في “الفريقو” غداة ثورة تونس على الظّلم والقهر والقمع فذلك أمر يدعو للتّفكير والتّساءل.

من يولّي وينصّب المسؤولين عن الإعلام؟ من؟ من؟ من؟

ولماذا لا أمارس مهنتي إلى حدّ الآن؟ لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟

كما كنت زمن الدّولة البوليسيّة صحافيّة مستقلّة مقموعة، سأكون اليوم صحافيّة مستقلّة ولكن سأتكلّم وأعبّر عن رأيي فيما تسنّى لي معاينته والتّثبّت منه .

كتبت اليوم ومازلت سأكتب.

* زكيّة الحديجي، صحافيّة من غير عمل