يتطلع التونسيون بعد مرور سنة على الثورة إلى قطف ثمرات جهدهم و إلى التغيير الفعلي في حياتهم. ربما كانت أولى الثمرات، انتخابات ديمقراطية لم تشهدها تونس في تاريخها أفرزت مجلسا تأسيسيا و رئيس جمهورية و حكومة، لكن الرهان الأصعب اليوم هو الخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد،إذ يشهد الاقتصاد التونسي نكسة كبيرة نتيجة توقف عديد المؤسسات الحيوية عن العمل و قطع الطرقات بعديد المناطق هذا بالإضافةإلىإعتصامات فوضوية و غير مسؤولة أدت بدورها إلى غلق عديد المؤسسات و خاصة منها الأجنبية و تحويل نشاطها نحو بلدان مجاورة، و انفلات امني لا يشجع بتاتا على الاستثمار…

أدى كل هذا إلى ضرب كل مقومات التشغيل في البلاد و بالتالي ارتفاع معدلات البطالة بنسب قياسية إذ فقد ما يقارب 137 ألف موطن شغل على الأقل. آخر الأرقام التي صرح بها المعهد الوطني للإحصاء تفيد بان عدد العاطلين عن العمل في تونس وصل إلى حدود 704 ألف عاطل عن العمل في ماي 2011 مقابل 491 ألف في ماي 2010 أي بزيادة 213 ألف عاطل عن العمل هذا و قد وصلت نسبة البطالة إلى 18 بالمائة مقابل 13 بالمائة في السنة الماضية.

تتفاوت نسب البطالة بين جهات الجمهورية، فنلاحظ أن النسب ترتفع في المناطق الداخلية إذ تصل في الوسط الغربي إلى
نسبة 28,6 بالمائة و هي الأعلى على المستوى الوطني، يليها إقليم الجنوب الغربي بنسبة بطالة تصل إلى 26,9 بالمائة ثم الجنوب الشرقي بنسبة 24,8 بالمائة و لا تتعدى في المناطق الأخرى 11,1 بالمائة
.

قبلي هي ولاية تابعة لإقليم الجنوب الغربي عانت هي الأخرى من عقود التهميش و الحرمان، اثر ذلك بصفة مباشرة على اقتصاد الجهة، الذي من بدوره أدى إلى محدودية في خلق مواطن الشغل. يصل عدد العاطلين عن العمل بالولاية إلى حدود 14 ألف عاطل عن العمل بينهم 9 ألاف حامل لشهادة عليا.

تصنف ولاية قبلي في المرتبة الثانية وطنيا من حيث نسبة البطالة لتصل إلى حدود 43 بالمائة و في المرتبة الأولى وطنيا من حيث نسبة بطالة حملة الشهادات العليا من جملة العاطلين عن العمل بالجهة اذ تمثل نسبة 65 بالمائة. و تمثل الإناث نسبة 70 بالمائة من جملة العاطلين عن العمل بالجهة، كما أن معدل الانتظار للحصول على فرصة عمل بالجهة هي 7 سنوات

نسبة البطالة بالجهة بعيدة كل البعد عن المعدل الوطني للبطالة، اذ ان معدل نسبة البطالة للبلاد هو 18 بالمائة بينما بهذه الجهة هو 43 بالمائة، كما أنها بطالة لأصحاب شهائد عليا..

تدخل الدولة لم يكن بالنجاعة المطلوبة فقد كان بمثابة المسكن إذ اقتصر الأمر في الغالب على آليات وقتية للانتظار و ليس حلا جذريا للحد من البطالة عن طريق ضخ أموال في مشاريع تضمن مواطن شغل دائمة أو في بنية تحتية تشجع المستثمرين على الانتصاب بالجهة، فالولاية غير مرتبطة بشبكة للسكك الحديدية كما أنها لا تحتوي مطارا، و اقرب مطار و الكائن بتوزر يبعد مسافة 75 كلم كما أنها بعيدة عن اقرب ميناء مسافة 115 كلم و الكائن بولاية قابس و هي أيضا غير مرتبطة بطريق سيارة.

أما عن طبيعة تدخل الدولة الذي انطلق منذ بداية سنة 2011 إلي حدود جوان 2011، فقد كان على النحو التالي، انتفع قرابة 7690 عاطل عن العمل بالولاية بمختلف آليات التشغيل منهم 6035 صاحب شهادة عليا. و قد توزعت آليات التشغيل على النحو التالي، انتفع 3937 حامل لشهادة عليا بمنظومة أمل، و 821 بتربصات الإعداد للحياة المهنية، كما انخرط 1422 حامل شهادة عليا في برنامج الخدمة المدنية التطوعية، أما بالنسبة للانتدابات فكانت محتشمة للغاية.

في ما يتعلق بالمبادرة الخاصة و عبر المعطيات المقدمة من الإدارة الجهوية لديوان تنمية الجنوب، وقع إحداث خلال 5 اشهر الأولى لسنة 2011، 371 مشروعا باستثمارات جملية تقدر بحوالي 10,5 مليون دينار منذ جانفي 2011، هذه المشاريع مكنت من إحداث 572 موطن شغل.

و قد اتجهت جل المشاريع نحو القطاع الفلاحي، نظرا للطابع الفلاحي الذي تتسم به الجهة و قد مكنت من إحداث 299 موطن شغل، و بصورة ضعيفة جدا وقع إحداث مشروع سياحي وحيد يوفر 10 فرص شغل رغم ما تعانيه المنطقة من نقص كبير في دعم قطاع السياحة الذي تضرر كثيرا بعد الثورة في تونس و في جهة قبلي خاصة، فحسب معطيات قدمتها إدارة الدراسات بالديوان الوطني للسياحة، فقد تراجعت نسبة الليالي المقضاة في قبلي بنسبة 46 بالمائة مقارنة بالسنة الماضية، هي نتيجة طبيعية إذا ما أخذنا بعين الاعتبار سلبيات الثورة أي الانفلات الأمني… وأيضا ففي معتمدية سوق الأحد من ولاية قبلي وقع حرق و تخريب نزل كثبان الرمال من قبل الثوار الغاضبين لان صاحب هذا النزل هو احد أصهار الرئيس المخلوع.

بالنسبة لأهالي الجهة يعتبرون انه قد وقع تحويل عديد المشاريع على حساب جهة قبلي، فعلى سبيل المثال مصانع لتحويل و تعليب التمور موجودة في جهة الساحل، و التي من المفروض أن ينتفع بها أبناء الجهة كونها المنتج لهذه المادة و تكون عنصر نهضة و للحد من تفشي البطالة بالجهة.

هي بطالة أرقت أبناء الجهة و خاصة منهم حاملي الشهادات العليا الذين يمثلون الغالبية العظمى من العاطلين على العمل. توجهنا بالسؤال إلى سليم و هو شاب متحصل على شهادة الأستاذية في التاريخ والجغرافيا منذ سنة 2001 عن رأيه في الإجرات الجديدة المتبعة في نظام المناظرات للانتدابات فأجاب أن مجموع النقاط التي حصلها لم تمكنه بعد من فرصة عمل، فسألناه عن السبب فأجاب بأنه لم ينتفع بالعدد الكافي من آليات التشغيل التي تعتمد في حساب مجموع النقاط هذا بالإضافة إلى ما يشاع من انتقاء على مستوى الانتدابات. و عندما سألناه حول بعث مشروع خاص، كانت إجابته بان الآليات المتبعة تفرض 25 بالمائة على اقل تقدير كتمويل ذاتي من التكلفة الجملية للمشروع و انه غير قادر على توفير المبلغ الكافي. و قد أشار في هذا إلى القانون عدد 93-120 و الصادر بتاريخ 27 ديسمبر 1993 و المتعلق بالتشجيع على الانتصاب للحساب الخاص، و الذي يجب مراجعته على الأقل في ما يتعلق بأبناء العائلات المحدودة الدخل و الحاملين لشهادة عليا.

انتقلنا بالحوار إلى شاب آخر هو محمد، متحصل على شهادة الإجازة في التجارة الالكترونية السنة الفارطة، سألناه عن حظوظ التشغيل بالجهة فكانت اجابته ساخرة مفادها انه على يقين بأنه سينتظر طويلا قبل أن تتوفر له فرصة عمل، نظرا لان معدل الانتظار قبل الحصول على شغل قار هو 7 سنوات. سألناه بعد ذلك عن نظرته إلى مستقبل الجهة و بالتالي في توافر فرص عمل، كانت إجابته متفائلة قائلا أن التونسي الذي أطاح بالدكتاتورية قادر على التأسيس لعدالة اجتماعية تكفل حق الشغل لكل مواطن و تعيد الاعتبار للمناطق المنسية.

قبلي هي ولاية تونسية، حظوظ فرص الاستثمار فيها عديدة ففي القطاع الفلاحي يمكن العمل على مزيد العناية بالواحات الجديدة التي توفر منتوجا اكبر و جودة رفيعة هذا بالإضافة إلى تشييد مخازن لتبريد التمور، أيضا ايلاء أهمية اكبر بالفلاحة البيولوجية لما تلقاه منتوجاتها من رواج في الأسواق الخارجية خاصة… في القطاع الصناعي العمل على تركيز وحدات لتحويل التمور إلى التمور و مشتقاتها كالكحول المستخرجة من التمور على سبيل المثال… يمكن أيضا بعث مشاريع خدمية في النقل أو مكاتب الدراسات… و أخيرا في قطاع السياحة و الصناعات التقليدية، فهذه الجهة تتميز بثراء تراثها و تفرده بطابعه الصحراوي الذي يمثل جذبا للسياح الأجانب خاصة، فيمكن إحداث مشاريع سياحية تتمثل في فنادق صحراوية و استراحات… يمكن كذلك العمل على دفع الابتكار في الصناعات التقليدية و بالتالي ترويج المنتوجات التقليدية بالخارج.