الجزء الثاني

بعد أن نشرنا الجزء الأول، نمدكم اليوم بالجزء الثاني لدراسة مطولة عن التطبيع بين تونس و المغرب من جهة، و بين إسرائيل من جهة أخرى، في ضوء المواقف الجديدة التي اتخذها الزعماء الإسلاميون الجدد في كل من تونس و المغرب من التطبيع مع إسرائيل ، في منتدى دافوس الأخير. بقلم توفيق المديني.

1-القضية الفلسطينية في وعي الأحزاب المغاربية

قبل تحليل التزام الدول المغاربية تطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني ، علينا أن نبحث في نشاط الحركة الصهيونية العالمية داخل البلدان المغاربية التي تعيش بين ظهرانيها جاليات يهودية ، و في وعي القضية الفلسطينية في العقل الجماعي المغاربي .
على صعيد تونس ، انتقل عدد اليهود في هذا البلد العربي من نحو 50 ألف نسمة أواخر القرن الماضي إلى أكثر بقليل من 100 الف نسمة مطلع الخمسينيات من القرن العشرين . و ينقسم اليهود في تونس الى طائفتين : الأولى ” الغرانة ” و يعود أصلها الى مدينة ” الغرنة ” الإيطالية ( )، بحيث يحمل يهود هذه الطائفة الجنسية الإيطالية ، أما الثانية فهي طائفة ” التوانسة ” التي ينتسب أعضاؤها إلى سلالة قديمة سكنت البلاد منذ القدم أو وفدت إليها من بلدان إسلامية أخرى ، و يحمل اليهود ” التوانسة ” الجنسية التونسية .

و كان نشاط الحركة الصهيونية العالمية في تونس ملموسا ً ، و يكشف عن ذلك العدد الكبير للجرائد التي أصدرها القياديون الصهاينة مثل الفرد فالنزي او فيليكس علوش او ريني كوهين في الفترة الممتدة من مؤتمر بال 1897 حتى اوائل الخمسينيات ، و هو عدد يفوق الثلاثين جريدة ، و معظمها ناطقة باللغة الفرنسية .

لقد تقلصت ” جماهيرية ” الحركة الصهيونية في تونس أواخر الثلاثينيات . و يرجع ذلك إلى سببين أساسيين : الانتفاضة العربية الكبرى في فلسطين . و وصول ” الجبهة الشعبية ” إلى السلطة السياسية في فرنسا . و قد انقسم من جراء وصول اليساريين الفرنسيين إلى الحكم عدد كبير من الصهاينة إلى فريقين : فريق ضرب بقناعته الصهيونية عرض الحائط و انتهج سبيل الاشتراكية : و فريق انكفأ عن صهيونيته باليمينية واختار ” أهون الشرين ” أي ” الصهيونية الاشتراكية ” ناسجا ً بذلك على منوال اليهودي الصهيوني ليون بلوم زعيم ” الجبهة الشعبية ” الفرنسية و العضو في ” الوكالة اليهودية العالمية”.

في مواجهة النشاط و التغلغل الصهيونيين ، لم يكن للأحزاب الشيوعية المغاربية عامة ، و الحزب الشيوعي التونسي خاصة ، تحليلات نظرية معمقة حول طبيعة الحركة الصهيونية العالمية و مشروعها لإقامة الكيان الصهيوني ، و ارتباطها العضوي بالمراكز الرأسمالية المتقدمة في الغرب ، على الرغم من رفعها شعارات صحيحة مثل عروبة فلسطين اعتبار الصهيونية أداة في أيدي الامبريالية البريطانية ، و انتفاء الطابع القومي عن الحركة الصهيونية . و لهذا السبب ، و بحكم نشأة الأحزاب الشيوعية المغاربية التي اضطلع فيها اليهود بدور رئيس ، و تبعيتها المطلقة للاتحاد السوفييتي ، أيد الشيوعيون في منطقة المغرب العربي قرار تقسيم فلسطين ، و بالتالي اعترفوا بشرعية اغتصاب فلسطين من جانب الكيان الصهيوني وتشريد شعبها . و قد اعتبر الحزب الشيوعي التونسي قرار التقسيم ضربة قاصمة للامبريالية البريطانية و حلفائها العرب المنضوين تحت لواء منظمة ” الجامعة العربية “. و يقول في تبريره لهذا لموقف : ” … إن الامبريالية الانغلو- سكسونية لم تنجح في السيطرة على فلسطين وفي إجهاض انعتاقها التام إلا التفرقة بين العرب و اليهود في فلسطين “( ). إن الحزب الشيوعي ، و بعد أن كان ينفي نفيا ً قاطعا ً ” أمة يهودية ” مجاراة لموقف ماركس و لينين في هذه المسألة ، أصبح يرى في المجموعات التراكمية من المستوطنين الصهاينة الذين يحملون صفات بلدانهم الأصلية و ميزانها ، ” قومية يهودية في طريق النشوء و التطور “( ). و هذا الموقف يعكس إلى حد كبير مواقف الحزبين الشيوعيين في كل من الجزائر و المغرب .

و انطلاقا ً من قاعدة الاعتراف بقرارات الشرعية الدولية التي أملاها النظام الدولي الثنائي القطبية ( الولايات المتحدة الأميركية و الاتحاد السوفييتي سابقا ) عقب نهاية الحرب العالمية الثانية ، كان موقف الأحزاب الشيوعية المغاربية من القضية الفلسطينية يتطابق كليا مع موقف القيادة المتنفذة داخل منظمة التحرير الفلسطينية ، باعتبارها المرجعية الفلسطينية المعترف بها في العواصم المغاربية ، و إن كانت هذه المرجعية لا تتجاوز حركة ” فتح ” و النهج السياسي الذي يكرسه ياسر عرفات في داخلها و على مستوى المنظمة ككل .

و كان مبدأ ” القبول بما يقبله الفلسطينيون ” هو التبرير الذي تسوقه الأحزاب الشيوعية المغاربية و غيرها من الأحزاب الأخرى الحاكمة و غير الحاكمة في المغرب العربي لمباركتها اتفاق أوسلو الذي أبرم في 13 ايلول / سبتمبر1993 بين الحكومة الصهيونية السابقة برئاسة اسحق رابين و قيادة عرفات ، و بالتالي لتأييدها ” التطبيع ” بين الكيان الصهيوني والأنظمة المغاربية . و قد أصدر الحزب الشيوعي التونسي بيانا مطلع سنة 1996ساند فيه موقف الحكومة التونسية الخاص بإقامة علاقات دبلوماسية بين تونس و الكيان الصهيوني .

أما موقف الحزب الحاكم سابقاً في تونس من القضية الفلسطينية ، فيمكن النظر إليه من زاوية الأيديولوجيا التي حكمت مسيرة هذا الحزب منذ تأسيسه عام 1934 إثر الانشقاق الذي حصل في الدستوري ( القديم )، و حتى قيادته للحركة الوطنية التونسية من الثلاثينيات و حتى حصول تونس على الاستقلال السياسي (1955-1956 ) . فالحزب الحر الدستوري الجديد بزعامة الحبيب بورقيبة كان يدافع عن فكرة ” الأمة التونسية “نظرا ً لعدائه الشديد لفكرة الأمة العربية ، و لم يكن ينطلق في تعامله مع ما يجري في فلسطين من القانون العام الذي يقرر أن مصير تونس ارتبط منذالقرن السابع للميلاد بمصير الأمة العربية ككل ، و انطلاقا ً من إيمانه أن ما تتميز به تونس من خصوصية في الإطار العربي هو دليل على وجود ” أمة تونسية ” قائمة بذاتها، فإنه يعتبر القضية الفلسطينية و قضايا العروبة إجمالا ً قضايا غير رئيسة ( )، و لذلك فإن مساندة الحزب للقضية الفلسطينية كانت من باب التضامن و ليس من باب الانتماء إلى أمة عربية واحدة . و هو يعتبر أن القضية الفلسطينية هي قضية الشعب الفلسطيني أساسا ً ، و بصفة ثانوية قضية بقية العرب . و هو يرى أن عرب المشرق ، أي عرب دول المواجهة مع الكيان الصهيوني ، مطالبون أكثر من غيرهم من العرب بالوقوف إلى جانب الفلسطينيين .

و كان التطبيع التونسي – الصهيوني يعود إلى بواكير الخمسينيات ، عندما دشن الحبيب بورقيبة والهادي نويرة ومحمد المصمودي وقياديون آخرون في “الحزب الحر الدستوري الجديد” اتصالات مع الدولة الصهيونية من خلال سفرائها في باريس. وحاول التونسيون إقناع الكيان الصهيوني والحركة الصهيونية بدعم معركتهم من أجل الاستقلال، إلا أن الصهاينة كانوا يدركون أن مصالحهم مع فرنسا لا يمكن التضحية بها من أجل كسب ود الحكام المقبلين في تونس.

و بنت الدولة التونسية موقفها من القضية الفلسطينية على أساس قرار تقسيم فلسطين الصادر عن الأمم المتحدة و المعروف بالقرار الرقم 181 . و انتهج الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة سياسة خارجية معادية للقومية العربية و العروبة ، بحكم الخلاف المستحكم بينه و بين الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر ، حتى أن الرئيس التونسي أعلن في خطاب له في أريحا عام 1965 اعترافه بقرار التقسيم و طالب الفلسطينيين بالاعتراف بالأمر الواقع والقبول بـ” دولة فلسطينية ” في الضفة الغربية و قطاع غزة ضمن سياسة ” خذ و طالب “.

و قد اتهم بورقيبة في حينه من قبل الأنظمة الوطنية و التقدمية و الأحزاب اليسارية والقومية العربية بـ” خيانة ” قضايا الأمة العربية ، خصوصا ً عندما أكد مقولته الشهيرة ” إننا مع ما يختاره الفلسطينيون لأنفسهم ” في إشارة واضحة إلى رفع وصاية الأنظمة العربية على الفلسطينيين ، و هي المقولة التي طورتها قيادة عرفات لاحقا في إطار استغلال التناقضات العربية الرسمية ، و أطلقت عليها مصطلح ” القرار الفلسطيني المستقل “.

و يمكن أن نجد في مؤتمر المغرب العربي الذي انعقد في القاهرة في شباط/ فبراير 1947 ، و في الوثائق التي أعدتها الأحزاب المغاربية لمؤتمر الاشتراكيين العرب في الجزائر عام 1967 ، و في مواقف العاهل المغربي الملك محمد الخامس و من بعده الملك الحسن الثاني ، توجهات سياسية بشأن الاعتراف بالقرار الرقم 181 ، و بالتالي إيجاد تسوية للصراع العربي-الصهيوني وفق قرارات الشرعية الدولية .

2-المغرب و التطبيع مع الكيان الصهيوني

منذ أن بدأ العمل على إسقاط الحاجز النفسي و السياسي بين العرب و الكيان الصهيوني ، أدى العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني كعادته دورا ً فاعلا ً في المبادرة باتجاه “اسرائيل” على الصعيد العربي . و نظرا للعلاقات التاريخية المتميزة ، علاقات ” الحماية والولاء” المتبادلة بين العرش المغربي و اليهود ، و التي ظلت قائمة منذ سقوط الأندلس و حتى اليوم ، إذ يوجد 700 ألف “إسرائيلي” من أصل مغربي و يحتفظون بجنسيتهم المغربية و يكنون للملك الحسن الثاني المحبة و الاحترام ، فإن العرش المغربي يشكل ربما مباشرة بعد الخزانة الأميركية ، اللوبي الانتخابي الأكثر تأثيرا داخل الكيان الصهيوني .

و قد استغل الحسن الثاني هذا ” المخزون التاريخي ” المشترك بين العرش المغربي و اليهود ، لإقامة علاقات وثيقة بين المغرب و “إسرائيل” منذ الستينيات ، و هو كلف جهاز الاستخبارات الصهيونية ” الموساد ” بإعادة بناء جهاز الاستخبارات المغربية . كما اضطلع “الموساد ” بدور مهم في عملية اختطاف المهدي بن بركة من باريس عام 1965 . وتعود قنوات الاتصال المباشرة بين الملك الحسن الثاني والدولة العبرية إلى ما قبل اعتلائه العرش، إذ أقنعه الصهاينة بكونهم كشفوا مؤامرة ضده بوصفه وليا ً للعهد في كانون الأول/ديسمبر 1959، وهذا ما يفسر إقباله على تطوير التعاون معهم بعد توليه مقاليد الحكم عام 1961، خاصة في المجال الأمني، أسوة بالعلاقات التي كانت تقيمها إسرائيل آنذاك مع شاه إيران.

واعتبر محللون أن المكتب الذي افتتحه “الموساد” في المغرب منذ تلك الفترة شكّـل تمهيدا لمكتب التمثيل الدبلوماسي الذي فُتح في أواسط التسعينيات، علما أنه كان يدير أيضا ً مكتباً سريا ًفي تونس في الفترة نفسها لتنظيم تهجير اليهود التونسيين إلى فلسطين.

وكلف الملك الراحل المخابرات الصهيونية “الموساد”بتكوين كوادر استخباراته، لا سيماحراسه الشخصيين، وكان ضابطا الاتصال مع “الموساد” هما الجنرال محمد أوفقير، الذي تولى لاحقا منصب وزير الداخلية قبل أن “يعدمه” الملك في أعقاب محاولة انقلابية فاشلة، والجنرال أحمد الدليمي، قائد المنطقة العسكرية الجنوبية لاحقا ً والذي قضى أيضا ً في حادث غامض.

وتمثلت أهم حلقة للتعاون بين الجانبين في ترتيب اختطاف المعارض المغربي البارز مهدي بن بركة من باريس يوم 29 تشرين الأول/أكتوبر 1965 واغتياله بتنسيق مباشر بين الملك الراحل ورئيس الحكومة الصهيونية آنذاك ليفي أشكول، وبواسطة خلية ضمّـت كلا من أوفقير والدليمي (اللذين نفذا العملية) مع رئيس “الموساد” مائير أميت.لم يكن هذا التعاون سريا ً، إذ أماطت صحيفة “بول” الصهيونية اللثام عن تورط “الموساد” في اغتيال بن بركة في عددها الصادر في 11 كانون الأول /ديسمبر 1966 (مع أنها متخصصة في الصور الخليعة)، لكنها تحفظت عن إعطاء التفاصيل متعللة بأن “هناك تحقيقا ً جاريا ً في الموضوع، يمكن أن يؤدي إلى إسقاط حكومة أشكول”.واللافت أن ثلاثين ألف نسخة من العدد جُمعت من الأسواق باتفاق بين الموساد والحكومة، وأحيل كاتبا المقال على المحكمة بتهمة إفشاء أسرار الدولة، فقضت بسجنهما سنة واحدة، مما برهن على شدة ضيق الرسميين الصهاينة من إفشاء سر بذلك الحجم.

غير أن الأهم من التعاون الإستخباراتي الذي كُشفت تفاصيله في الأيام الأخيرة، هي الموافقة الرسمية المغربية على التعاون في مسألة الهجرة، إذ كان الهدف الرئيس للصهاينة هو تهجير 250 ألف يهودي مغربي إلى فلسطين للسيطرة على الأراضي المنتزعة من سكان البلد، وانطلقت الهجرة بوتيرة كثيفة اعتبارا ً من سنة 1948، واستمرت إلى 1975، لكنها كانت سرية في المرحلة الأولى قبل أن تصبح علنية ورسمية لاحقا ً.

ولعبت الاتصالات بين الحكومة المغربية والمؤتمر اليهودي العالمي دورا ً أساسيا ً في تنظيم تلك الهجرة، لكنها اتخذت بُـعدا ً سياسيا ً أكبر مع الدور الذي لعبه الملك الحسن الثاني في الصراع العربي-الصهيوني من خلال التقريب بين أنور السادات وميناحيم بيغن، ثم من خلال إقناع الدول العربية بالاعتراف بالكيان الصهيوني في مؤتمري فاس الأول والثاني (1981 و1982) من خلال القبول بتسوية على قاعدة القرار الأممي رقم 242.

وفي المغرب، كما في تونس، لعب رموز الطائفة اليهودية دور الجسر بين الحكومتين بواسطة الصداقات المتينة التي حافظوا عليها في الكيان الصهيوني .

وفي هذا السياق، تبنى الملك الحسن الثاني ومن بعده الملك محمد السادس، الأمين العام لمجلس الجماعات اليهودية في المغرب سيرج بيرديغو، الذي تولى منصب وزير السياحة (1993-1995)، وأندري أزولاي الذي كان مستشارا ً خاصا ً للملك الحسن، والذي يحتفظ بعلاقات حميمة مع كبار الزعماء الإسرائيليين، وقد استقبل في مناسبات عدة مجموعات من رجال الأعمال الإسرائيليين في المغرب ممن وُجهت لهم الدعوات بصفتهم تلك.

و كان الملك المغربي من أكثر الحكام العرب إلحاحا ً على التطبيع العربي-الصهيوني ، و لذلك عمل النظام المغربي على إقناع قيادة منظمة التحرير بلعب الورقة الفلسطينية منفردة ، وسهل تنظيم لقاءات أميركية-فلسطينية ، و فلسطينية –صهيونية ، بحيث استخدمت قيادة عرفات ” السنترال ” المغربي في اتصالاتها بالقيادات” الإسرائيلية” .

كذلك كان ملك المغرب “عراب” الاتصالات التي سبقت زيارة الرئيس انور السادات ، و كان في صلب اتفاقيتي كمب ديفيد مهيئا ً و متصلا ً و مؤيدا ً . و حفل تاريخ الملك الحسن الثاني باللقاءات مع زعماء الصهيونية العالمية و الكيان الصهيوني ، ألم يستقبل رئيس الوزراء الصهيوني اسحق رابين في المغرب (1986 ) ، و وزير الخارجية السابق موشي دايان (1968)و زعيم حزب العمل شمعون
بيريز في 1979 و 1981 ؟ ألم يستضف المؤتمر اليهودي الذي حضره الكثير من الصهاينة ” الاسرائيليين ” عام 1984 ؟

و استفاد حزب العمل “الاسرائيلي” من علاقاته الوطيدة بالملك الحسن الثاني لاستخدام الورقة المغربية للتخفيف من تأثير الناخبين اليهود من أصل مغربي الذين يصوتون لمصلحة تكتل “ليكود”.
و قد أعلن في الأول من أيلول / سبتمبر 1994 عن فتح مكتب اتصال في تل أبيب وغزة (سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية ) و في الرباط ,في محاولة مدروسة و متفق عليها بين الحسن الثاني و سلطة عرفات لجر المزيد من الأنظمة العربية الى انتهاج سياسة ” التطبيع “مع الكيان الصهيوني .

وكان الملك محمد السادس تبنى يهودا من معسكر آخر، أبرزهم المعارض السابق أبراهام سرفاتي الذي اختاره مستشارا له بعدما أمضى سنوات طويلة في سجون والده.

هذه الرسائل الموجهة إلى الكيان الصهيوني تدعمها رسائل خطية نقلها في مناسبات عدة وزير الخارجية محمد بن عيسى في لقاءاته المتكررة مع نظرائه الصهاينة . وأثمرت تلك الاتصالات الدائمة تكثيفا ً للعلاقات الرسمية على جميع الصعد، التجارية والسياحية والأكاديمية، وصولا ً إلى مجالات صغيرة ودقيقة مثل الزيارات المنتظمة التي يقوم بها عناصر من اليهود السلفيين المتشددين المنتمين إلى حركة “لوبافيتش” إلى الميناء الصغير في مدينة “أسفي” على المحيط الأطلسي جنوب الدار البيضاء، للتأكد من مدى مطابقة المنشآت المعدة لحفظ السمك “الكاشير” للتعاليم التلمودية، قبل تصديره للجاليات اليهودية في أمريكا.والأرجح أن شالوم لن يزور المغرب للسياحة، وإنما ستكون محادثاته، على ما أكدت مصادر مغربية، لبنة أساسية في استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الحكومتين.”

العلاقة مع إسرائيل ستستمر” والظاهر، أن العلاقات الموريتانية – الإسرائيلية تُعتبر لدى الجانب الإسرائيلي نموذجا ً للمستوى الذي ينبغي أن يصل إليه التطبيع مع العواصم المغاربية الأخرى. وعلى الرغم أن المغرب أغلق مكتب الاتصال “الإسرائيلي” في الرباط في 23 تشرين الأول /أكتوبر عام 2000، والمكتب المغربي في تل أبيب عقب إندلاع الإنتفاضة الفلسطينية الثانية ، تطبيقا لأحد قرارات القمة العربية التي عقدت في القاهرة ، إلا أن الإتصالات لم تنقطع بين البلدين. فقد التقى وزير الخارجية الصهيوني سيلفان شالوم في الدار البيضاء في 2 أيلول /سبتمبر 2003 نظيره المغربي محمد بن عيسى ،إذ قال شالوم للصحفيين:”إ ن المغرب يمكن أن يشكل جسرا ً بين الإسرائيليين و الفلسطينيين … و إنني على ثقة بأن المغرب على إستعداد للقيام بدور مركزي في عملية السلام و أن الجانبين سيقبلان ذلك”. و اعتبر شالوم أنّ ” الوقت قدحان لأن يقيم المغرب و إسرائيل علاقات أوثق”.

و كانت أطراف سياسية مغربية ربطت بين التقارب الأخير بين المغرب الكيان الصهيوني ، وبين المأزق السياسي، الذي وضعت فيه الولايات المتحدة الأمريكية المملكة المغربية في مجلس الأمن الدولي، فيما يخص قضية الصحراء الغربية؛ حيث تزامن ضغط الولايات المتحدة من داخل المجلس، للدفع باتجاه إرغام المغرب على قبول مخطط التسوية، الذي اقترحه جيمس بيكر، والذي يرفضه المغرب، لأنه يبذر بذور انفصال الأقاليم الصحراوية، وبين الإغراءات بتطوير العلاقات المغربية “الإسرائيلية”، مقابل تليين الموقف الأمريكي من موضوع الصحراء. ويرى مراقبون وناشطون سياسيون مغاربة أن التزامن بين التوتر المغربي الأمريكي، على خلفية موقف واشنطن في مجلس الأمن الدولي من قضية الصحراء، والحركة الدبلوماسية بين الرباط وتل أبيب، في الفترة الأخيرة، ليس تزامنا ًعرضيا ً، وأنه يأتي في سياق استغلال الطرفين المغربي و”الإسرائيلي “لما حدث كل بما يخدم مصالحه الخاصة.

وفي هذا الظرف السياسي العصيب، التقى وزير الخارجية المغربي محمد بن عيسى، بنظيره “الإسرائيلي” سيلفان شالوم، في لندن في بداية آب 2004 ، في إقامة سفير المغرب بالمملكة المتحدة. وفي حين لم تسلط وسائل الإعلام والمواقف الرسمية المغربية الكثير من الضوء على هذا اللقاء، إلا أنه يعكس في حد ذاته وجود ضغوط تمارس على المغرب، للدفع بعلاقته أكثر في اتجاه الدولة العبرية. وقد تجلى ذلك من خلال استقبال العاهل المغربي محمد السادس للحاخام الأكبر لليهود الشرقيين ذي الأصول المغربية على هامش احتفالات عيد العرش.

وأشار الحاخام “الإسرائيلي” في تصريح له للقناة المغربية الأولى إلى أن عنوان لقائه بالعاهل المغربي كان تقوية العلاقات بين المغرب و”إسرائيل”.
وأمام الصمت المغربي الرسمي يترقب الرأي العام خطوات عملية، تدعم هذه المؤشرات في الشهور المقبلة؛ وما سيكون لها من تأثير على ملف الصحراء الغربية، وعلى المواقف الأمريكية المستقبلية؛ خصوصا ً وأن الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك مفاتيح الصحراء، وتبدي تقاربا ًكبيرا ً مع الجار الجزائري، الذي يعتبر الخصم الحقيقي للمغرب في هذه القضية الشائكة، التي رهنت المنطقة طيلة العقود الماضية، وقوضت حلم إنشاء وتفعيل وتقوية مشروع المغرب العربي الموحد.

(2)- الهادي التيمومي –دور القضية الفلسطينية في تعميق الوعي القومي العربي في المغرب العربي: مثال تونس – بحث منشور في كتاب تطور الوعي القومي في المغرب العربي لمجموعة من الباحثين ، صادر عن مركزدراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى نيسان /أبريل 1986.
(3)- L avenir de la Tunisie-13decembre1947
(4)-L avenir de la Tunisie-14Aout 1948