بقلم نورالدين المباركي،

صورة تونس في الخارج ( مُشرقة كانت أم عكسها) من يرسمها ؟ هل ترسمها الحكومات ؟ أم الشعوب؟ أم يرسمها الإعلام من خلال القضايا والملفات التي ينشرها ؟

أسئلة تطرح اليوم على خلفية تصريحات عدد من الفاعلين السياسيين و المسؤولين الحكوميين ، تقول أن صورة تونس في الخارج أصبحت مهزوزة بسبب أداء الإعلام وما ينشره وتركيزه على ملفات الاعتصامات و الإضرابات و “الخطر السلفي” ، وغير ذلك من المسائل التي تعطل قدوم الاستثمارات الأجنبية وتثير الخوف لدى السياح ، و الحال أن البلاد اليوم في حاجة إلى رسائل طمأنة لكافة الجهات ، طمأنة المستثمرين و السياح و الشركاء الاقتصاديين.

أغلب الفاعلين السياسيين و الحقوقيين و الإعلاميين في تونس يدركون أن صورة تونس في الخارج كانت إحدى الواجهات التي “اشتغل” عليها النظام السابق ،وسخر من أجلها الإمكانات المادية والبشرية من أجل أن تكون تونس في عيون الآخرين “بلد الأمن و الاستقرار” و “بلد الانجازات والمكاسب”.

ويدركون أيضا الدور الذي كانت تقوم به الوكالة التونسية للاتصال الخارجي في هذا الاتجاه ، والضغوطات التي كانت تُمارس على المؤسسات الإعلامية والإعلاميين في تونس للتعتيم على الملفات و القضايا التي من شأنها أن “تسيء ” إلى صورة تونس في الخارج.ومع ذلك لم تنجح منظومة النظام السابق في رسم صورة مشرقة لتونس في الخارج ، لأن الوقائع الميدانية كانت دائما أقوى من إرادة التضليل و التعتيم.

لم تنجح منظومة النظام السابق لأنها استبعدت أداء حكومات بن علي من تفاصيل الصورة التي أرادت رسمها ، استبعدت الفساد و المحسوبية والرشوة والخلل في البرامج التنموية ، واعتقدت أن تقريرا صحفيا في إحدى الصحف الأجنبية أو الفضائيات من شأنه أن يغطي عن الحقائق الملموسة.

إن أفضل صورة لتونس في الخارج منذ الاستقلال تلك التي رسمها الشعب التونسي بكافة مكوناته من 17 ديسمبر 2010 إلى 14 جانفي 2011 ، صورة أصلية عكست إرادة الشعب التونسي في التغيير و التمسك بقيم الحرية و الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

برز في تلك الصورة أبناء الشعب التونسي ، برز محمد البوعزيزي الذي أضرم النار في جسده ليمهد الطريق أمام ثورة أسقطت مؤسسات حكمت 23 سنة ،وبرزت صورة أبناء سيدي بوزيد و القصرين وتالة و الشمال الغربي و الأحياء الفقيرة ينتفضون ضد الحيف الاجتماعي ، وبرزت صورة الحناجر تهتف يوم 14 جانفي “ديقاج”.

هذه الصورة الأصلية التي رسمها الشعب التونسي أسقطت أيضا الصورة المركبة التي حاول النظام السابق رسمها من خلال شراء التقارير الصحفية في وسائل الإعلام الأجنبية وفرض الوصاية على الإعلام المحلي ، وإبراز “المكاسب و الانجازات” والتقليل من حدة المشاكل السياسية و الاقتصادية والاجتماعية.

في المحصلة أثبتت ثورة 14 جانفي أن الصورة الأصلية وحدها القادرة على الإشعاع، أما الصورة المركبة فإنها غير قادرة على الصمود طويلا.