و بينما يتحدّث زعيم النهضة بلغة الكناية فيسمّي الأشخاص بغير أسمائهم لغايات بلاغيّة خطابيّة، يحتلّ أعداء الثورة مواقع متقدّمة في صراعهم من أجل البقاء و العودة إلى الساحة، و يهاجمون أعداء الأمس و اليوم بشكل مباشر كما وقع في برنامج المشهد التونسي على القناة الوطنيّة الأولى، حيث فتح الباب على مصراعيه لاستقبال الوجوه التجمّعيّة بامتياز فتوقفت لغة الحوار و اقتربت من تبادل العنف المادّي بعد أن وصلت إلى العنف اللفظيّ ما دفع بالنائب عن حركة النهضة وليد البناني إلى الوقوف محتجّا على عياض اللومي المدير التنفيذي للتآلف الجمهوري الذي قال “إنّ حركة النهضة فاشيّة اجتثاثيّة” لأنّها لا تريد السماح للتجمعيين بالعودة إلى الساحة السياسيّة. انتفض البنّاني غاضبا و قال لمخاطبه أنت هو الفاشيّ المجرم قبل أن ينسحب من البرنامج تعبيرا عن احتجاجه على ما قيل في حق حزبه. و كان حضور عبير موسى أشدّ الأمور استفزازا و قد ألقت قولها الساحر على الحاضرين و المشاهدين فجاءت بإفك عظيم و هي تزعم أنّ التجمّعيّين كانوا أقرب ما يكون للشعب التونسيّ، و أنّ إقصاءهم من الحياة السياسيّة يتعارض و مبادئ حقوق الإنسان. وفي اليوم التالي احتجّت نقابة الصحفيّين و أشهرت عصاها لتلقف ما يأفك التلفزيون التونسي بدعوته لنائبة الأمين العام للتجمع المنحلّ للمشاركة في برنامج حواريّ باعتبارها “ناشطة حقوقية” كما كتب في المانشيت و في ذلك ” استفزاز فاضح للشعب التونسي وارتداد على أهداف ثورته وتشويه لها”.
وتبدو عبارة الاستفزاز قاصرة في التعبير عن خطورة الوضع الذي وصلنا إليه فانسحاب ممثّل النهضة مقابل بقاء ممثّلي التجمّع في ذلك البرنامج يدلّ دلالة رمزيّة على تقهقر بعض القوى التي جاءت بشرعيّة الصناديق لصالح أعداء الثورة الذين ظلّوا يرتعون دون عقاب. و حرمان المرزوقي من التوقيع على قرار تسليم البغدادي المحمودي إلى ليبيا أوقع المزيد من الارتباك في جسم الترويكا الحاكمة ، حتّى قال عماد الدايمي مستشار الرئيس و بلغة حربيّة: “إنّ تسليم البغدادي دون موافقة الرئيس طعنة لنا في الظهر”. و يفهم من قوله أنّ لغة السياسة لم تعد واحدة بين طرفين متحالفين في الحكم. و لكنّ القشة التي قد تقسم ظهر البعير تمثّلها استقالة الوزير محمّد عبّو احتجاجا على الصلاحيات التي لم يتمتع بها لتطهير الإدارة من الفساد. و هذه الاستقالة ستغري دون شكّ أعداء الثورة بتركيز المزيد من الهجمات لافتكاك ما أخذ منهم تحت مسمّيات تردّدت منذ فترة على أسماعنا في وسائل إعلامنا المتحالفة معها. و أبرز تلك المسمّيات: الحوار و الوفاق و الحكم معا لمصلحة البلاد. كلمات “جميلة” و لكنّها نذير شؤم على الثورة، و نحن نرى في كلّ يوم وجوها تختفي بعد أن انتخبها الشعب و وجوها تعود بعد أن سقط الشهداء لتطهير البلاد من بطشها و فسادها.
Votre seule tôrt c’est d’avoir cru que s’était une révolution,est ce qu’elle va le devenir?non le peuple tunisien a encore faim dans son ventre et il n’est pas encore arriver a penser au vrai valeur démocratique qui le pousse a faire une vrai révolution en plus un peuple prisonnier de la religion et très manipulable ce n’est demain qu’il comprendra le vrai sens la révolution .
النهضة، الفلول… والطريق الثالث : المرزوقي والمؤتمر
لنفهم ما يحدث الآن، لابد أن ننتبه لما يحدث منذ مدة. لقد اجتمعت كل بقايا منظومة الفساد والاستبداد المسيطرة إلى اليوم على وسائل الإعلام الموروثة عن المخلوع، على النفخ في مبادرة السبسي المعروفة بنداء التجمع، لإقناع القاصي والداني، الداخل والخارج، أن المعركة الانتخابية القادمة ستكون لامحالة على شاكلة السيناريو المصري : الإخوان ضد الفلول… ثم إن تقدم المداولات داخل اللجان الدستورية للمجلس الوطني التأسيسي يظهر أن المفاوضات الجارية وموازين القوى الحالية سوف تفضي إلى التوافق حول نظام مختلط رئاسي برلماني وليس برلماني صرف كما كانت تريده النهضة، أي أن الرئيس القادم سينتخب مباشرة من الشعب وسيكون ذو صلاحيات محترمة.
ولكن هيهات، لقد أثبتت لهم كل استطلاعات الرأي التي يصنعونها بأنفسهم، المنشورة منها والمخفية، أن المعادلة ليست بالسهولة التي يتصورونها، بما أن المعادلة ليست ثنائية الأبعاد بل ثلاثية الأبعاد والبعد الثالث، أحبّتي، هو الدكتور المرزوقي وحزب المؤتمر.
كل الاستطلاعات الأخيرة التي فاجأتهم وأرعبتهم تجتمع على الاستنتاجات التالية:
*رغم كل الانتقادات الجارحة والشتم والسباب، يبقى الدكتور المنصف المرزوقي هو الشخصية الأكثر شعبية واحتراما في البلاد،
*رغم الانقسامات والأخطاء وحملات التشكيك المغرضة والمتواصلة يبقى المؤتمر الحزب الثاني في البلاد بعد النهضة،
*حظوظ المرزوقي ليكون الرئيس القادم للبلاد وافرة جدا… حتى ولو لم يكن مرشح النهضة،
*لو ترشح حركة النهضة الدكتور مصطفى بن جعفر للانتخابات الرئاسية المقبلة، لن يكون في الدور الثاني، بما أن جزء ا كبيرا من قواعد النهضة ستصوت للدكتور المرزوقي الذي يحظى باحترام كبير لدى الأوساط الإسلامية قد يفوق فيها الكثير من قيادات الحركة الإسلامية ذاتها.
ثم جاءت الزيارة الأخيرة للرئيس إلى مدن وأرياف الحوض المنجمي مهد الثورة حيث يستحيل على العديد من سياسيينا وخاصة منهم الفلول و ثوريي الساعة 25 أن تطأها أقدامهم لتثبت بما لا يدع مجالا للشك مدى شعبية المرزوقي خاصة في الجهات المحرومة والأوساط الشعبية، مهما علا تهكمهم المرضي على البرنس أو المظلة.
هل جاءت “الطعنة في الظهر” في قضية البغدادي المحمودي لتؤشر على تحولات مقبلة في التحالفات الاستراتيجية لحركة النهضة وإعلان خفي على ترشح الجبالي للانتخابات الرئاسية المقبلة؟
على كل حال، كل ما يحدث الآن (قضية البغدادي، قضية إعفاء محافظ البنك المركزي، قانون إقصاء التجمعيين وقانون تطهير القضاء المقترحان من طرف كتلة المؤتمر، استقالة الوزير عبو لعدم احترام الوعود حول صلاحياته) هو لصالح المؤتمر ويعطي الدليل القاطع أن المؤتمر ليس تابعا للنهضة واستعاد زمام المبادرة بعد أن أعاد تنظيم صفوفه في مجسله الوطني بتطاوين، وأن من لم ينحني يوما للدكتاتورية لاينحني أبدا لأحد غير المصلحة الوطنية ومبادئه التي ناضل من أجلها سنوات الجمر.
على كل حال، أبناء المؤتمر لابد أن يلتفوا حول الحزب والرئيس كرجل واحد وأن يرصوا صفوفهم ويواصلوا نضالهم من أجل تحقيق أهداف الثورة بعيدا على المصالح الشخصية الضيقة والخلافات الهامشية واثقون أكثر من أي وقت مضى بالدور التاريخي الذي سيلعبه حزبهم في قادم الأيام كرقم صعب قد يكون الأهم في المواعيد والمعادلات الآتية.
مؤتمري حتى النخاع
الثّورة التونسية لم تقم من أجل تغيير المثال المجتمعي، وإنما قامت من أجل الحرية وإصلاح الحياة السياسية.
والحرية نقيض للفوضى، فهي ممارسة مؤسساتية في الدولة العادلة، تقوم على اشتراك الجميع كل من موقعه في خدمة الوطن وفي تقاسم خيراته .الحرية هي حرب على الفقر لان الفقر في الوطن غربة . الحرية حرب على الأمية حتى لا تبقى التنمية عرجاء ……
الحرية هي اشتراك الجميع في محبّة حقيقية للوطن ولعلم الدولة ولهوية الشعب. محبّة تتطلب اليوم وعيا خاصا بأهمية وحقيقة المرحلة التأسيسية التي نعيشها وما تتطلبه من دواعي الحذر والحنكة لإبعاد البلاد عن البلبلة السياسية ومشاكل الاستقطاب…. .
السّاسة اليوم يذكّروننا بالأخطار التي تهدّد الثورة وبأنهم يحتاجون إلى مزيد الصّلاحيات لحمايتنا، ولا عجب أنّ عامّة الشّعب مستعدّون لإعطاء الصلاحيات للحكومة وفي نفس الوقت مستعدون لمنح المعارضة صلاحية مراقبتها . وبدل أن تجعل هذه الوضعية الناس أكثر أمانا يحدث العكس، فيتفاقم الإستيا ء الشعبي، استياء، يُستغلٌ لاكتساب مزيد من النفوذ السياسي… وهكذا يزيد الشعور بالخوف بين الناس، طالما لم يوجد دليل على أن أيا من الحكام أو من المعارضة قادر أن يجعلنا أكثر أمانا، وطالما ضل كل طرف يدافع عن الحالة الجديدة وعن الأخطاء المحدقة بالثورة على أساس افتراضات لا أساس لها من الصحة وملاحظات مغلوطة و مخاطبة التوجهات الديماغوجيية التي تسببها حالة الخوف الجماعية والتي ستكون نتيجتها تآكل الحريات المدنية و تعطيل التنمية وانعدام الثقة في الحكومة وفي الأحزاب وفي منضمات المجتمع وطغيان الخوف بين الحاكم والمحكوم وهو أمر يعزّز من وهن الدولة بدل تقويتها ويساهم في انخفاض الحرية بدل تعزيزها ويدفع إلى العنف بدل الاستقرار
الجميع يعلم انه على مدار 54 عاما تقاسم بورقيبة وبن علي الهيمنة على الحياة السياسية لذلك يحاكمهما التاريخ اليوم من اجل ذلك ومن اجل إفسادهما لها أما بقية الأسماء التي رافقتهما طوال هذه الحقبة فالتاريخ يكاد لا يذكرها إلا لماما ، على خلاف المرحلة الانتقالية الحالية التي تعج بأسماء كثيرة …. الاستاذة والسّادة ،،،،،،،،،،الخ ومحمد عبو احدهم. القائمة طويلة … أسماء لاتجوز مقارنة بعضهم ببعض ،لانّ مسالة التقدير تبقى نسبية ، ولكن للبعض منهم إشعاع يفيض خارج أحزابهم وأنصارهم ومن واجبهم الوطني توظيف ذلك لخدمة الجميع، حتى أولائك الذين يخالفونهم الرأي ،فتونس للجميع وهي أمانة في الأعناق . لذلك فالتاريخ يراقب الأسماء المذكورة ، لكونها شخصيات فاعلة اختارت عن روية الاضطلاع بمهام المرحلة الانتقالية الشرعية، وهي شخصيات تتحمل المسؤولية في مواقعها في الحكومة أو في المعارضة أوفي المجتمع ، وهي الأكثر نفوذا وتأثيرا في الأحداث ، بدرجات متفاوتة ، لذلك لن يستثنيها التاريخ ‘غدا’ من حكمه ، أمّا لصالحها ، لكونها أصلحت الحياة السياسية ، وهدمت الظلم ،وأقامت العدل، وأبطلت الباطل، وأحقت الحق ، فاكتملت بذلك ثورة الشعب . وأما عليها، لكونها أهدرت الوقت، وأدخلت البلاد في بلبلة سياسية وفي مشا كل استقطاب وأوهنت الدولة، وفوتت على الشعب فرصته في اكتمال ثورته… ذلك هو التاريخ وأحكامه. و “إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكنّ النّاس أنفسهم يظلمون”. تونس لم تعد أي بلد في العالم بل هي بلد أول ثورة سلمية معطرة بدماء شهداء أبرار، وعليها أن تنجز تغييرا حقيقيا يعطي الثقة للتونسيين ويحرّك مشاريع البناء . لذلك فإن واجب رئيس الدولة و قادة الحكومة ورؤساء الأحزاب وقيادات المنضمات الوطنية والجمعيات ،خلال المرحلة الانتقالية الحالية –بل وحتى خلال فترة ال5 سنوات الأولى بعد وضع الدستور الدائم-هو تجميع وتوحيد كل المواطنين من أجل عمل وجهد موحد لمجابهة التحديات التي تنتظر تونس . فبلادنا تواجه بطالة عالية وكريهة ،الصناعة مهملة ومهمشة منذ فترة ، الفلاح لاستطيع العيش من عمله ،العلاج والسكن و النقل والغاز والكهرباء ، المدرسة والمستشفى .الموظفون يعانون الخصاصة …..العدالة تفقد دورها وإمكانياتها ..شبابنا مهمّش ومقصى ويستغل أبشع استغلال وعليه أن ينهض ويأخذ مكانته ودوره…المحيط يتدهور من يوم إلى آخر ..العائلة مكبلة بالديون ..المتقاعدون يرزحون تحت المرض وقلة الإمكانيات كل شيء في حالة سيئة أو دون المتوسط ..نعم ففي كل المجالات هناك حاجة ماسّة للإصلاح والتطوير وهذا واجبهم .
إن انعدام الثقة (-بين السلطة والمعارضة- وداخل السلطة -وداخل المعارضة-) في تجربة الانتقال الديمقراطي الحالية يسقط الجميع في فخ التربص بعضهم ببعض وفي ممارسة لعبة العبث المدمر للوطن ومستقبله ،هو في مضمونه وفي محصلته، تربص بماتبقى من هيبة الدولة وسلطاتها، وكل ذلك يُبقي الطريق إلى الحرّية وعرا . وعليه فانّه على المعارضة والحكومة ومكونات المجتمع المدني أن يهجروا جميعا خندق التربص وان يتصرفوا كتونسيين غيورين على هذا الوطن وان يكونوا صادقين في توحيد الصفوف لاجتياز ما نحن فيه من تراجع سياسي واقتصادي واجتماعي ، أن يتفّهمُوا بعضهم البعض وأن يتواصلوا فيما بينهم ليتمكنوا من إيجاد نقاط اتفاق مشتركة –وهي كثيرة جدّا- تمكّنهم من فهم و معالجة المرحلة التأسيسّية ومعالجة المشاكل التي تعيشها البلاد و وأن يتّكاتفوا من أجل إنجاح نموذج يحتذي به في بناء تجربة تونسية فريدة وذلك بتثبيت أركان الممارسة الديمقراطية وترسيخ قواعدها وتعزيز آليات استغلالها وبناء دولة المؤسسات والمجتمع الديمقراطي والإسراع بتعبيد الطريق لوضع دستور دائم للبلاد وتحويل تونس إلى ورشات تنموية كبرى و هذا الأمر لا يمكن للحكومة الشرعية أن تحققه بيسر في ظروف تسودها الإعتصامات العشوائية وقطع الطرقات وتعطيل الإنتاج وتعرضها الدائم للّّوم والنقد الاّموضوعي … كما لا يمكن للمعارضة الإسهام فيه في ظروف يسودها الجفاء و تعرضها الدائم بدورها للوم والنقد ألا موضوعي .لذلك فتونس لاتحتاج اليوم إلى سياسيين مدمنين على الانتقاد والمزايدات الطفولية واستغلاال الاخطاء كوقود يشعل فتن الحاضر ويجعل المستقبل في الطرف الأقصى للتنمية العادلة والشاملة . لذلك على السياسيين أن يكونوا أسوياء ، يكرسون النقد والنقد الذاتي للإسهام في بناء ديموقرطية شاملة – دمقرطة المجتمع والأحزاب والدولة أيضا – بما يضمن عدم تكرار الماضي وللإسهام كذلك في وضع الأسس لتنمية مستديمة تكون أهم هدية تنصف الشعب بأكمله ويجني فيها ثمار ما زرعه أبناؤه الأوفياء لقضاياه وتكون في الوقت نفسه صمام الأمان ضد النزاعات المتطرفة وإلا سنخطأ موعدنا مع التاريخ. وقتها لن يحق لأي كان أن يقول أنا بريء مما تمرّ به تونس ألآن من فوضى ولا أن يتذمّر مما سيناله من جرائها ، يستوي في ذلك السياسي والمواطن العادي لأنهما لم يبحثا بجدية عن مخرج آمن للمرحلة الانتقالية.
لذلك على النخب أن يكونوا ساسة أسوياء بان يبتعدوا عن جذب البلاد فى اتجاهات سير مختلفة عبر تضخيم السلبيات و إشاعة القنوط …لأنه انحدار للهاوية. على الجميع أن يؤجّل حملته الانتخابية لأنّ الانتخابات هي استحقاق لن ينطلق إلا بعد تعبيد الطريق لوضع الدستور الدائم ، وهو طريق ، محفوف بتحدّيين كبيرين ، الأوّل، يتمثل في كيفية التغلّب على الفصل ما بين الحاكم و الدّولة بمؤسساتها بشكل يخالف ما كان متّبعا و مجسّدا في نظام الحكم في تونس على مدار 54 سنة الماضية، والتي كان الحاكم الفرد، هو الدّستور والقانون و المؤسسات ،والتّحدّي الثّاني يتعلّق بالقوى السّياسية، وذلك بأن يضمن الدّستور الجديد المبادئ والإطار الذي يجعل قيم الدّولة، كمؤسّسات وككيان عام ،أعلى من إيديولوجيات هذه القوى السّياسيّة ،مهما كانت أغلبيتها في المجالس النيابية التي سيقع إقرارها في الدستور و التي ستكون بحكم طبيعتها، متغيرة بالانتخابات، وبالتالي حالة المنافسة فيما بينها على الحكم تكون من خلال هذا الإطار العام لشكل الدّولة ووفق ما سيضبطه دستورنا المرتقب، والّذي ، يستدعي أن نؤسّسه على مبادئ عامة مشتركة ودائمة هي:
أوّلا : لا سيادة لفرد أو مجموعة على الشّعب، الذي يضلّ دائما، هو المصدر الرّئيسي لكلّ السّلطات، يفوّضها، عبر انتخابات دورية، تكون فاعلة وحرّة ونزيهة.
ثانيا : المواطنة هي مصدر الحقوق و الواجبات.
ثالثا: سيطرة حكم القانون والمساواة أمامه، وأن يسود حكم القانون وليس مجرّد الحكم بالقانون.
رابعا: عدم الجمع بين السّلطات التنفيذية أو التّشريعية أو القضائية في يد شخص أو مؤسّسة واحدة والفصل بينها وفق قواعد تنظم ممارستها لنشاطها وللعلاقة بينها وحدود كل سلطة وفق مبدأ فصل السلطات والتوازن بينها.
خامسا: ضمان الحقوق والحرّيات العامّة دستوريّا وقضائيّا، من خلال ضمان فاعلية الأحزاب ونمو المجتمع المدني المستقل عن السلطة. ورفع يد السلطة والأحزاب ومراكز المال عن احتكار وسائل الإعلام وكافة وسائل التعبير وتأكيد حق الدفاع عن الحريات العامّة وبالأخص حريّة التعبير وحريّة التنظيم وضمان حقوق الأقليات والمعارضة في إطار الجماعة الوطنية.
سادسا: التّداول على، السلطة التنفيذية و التشريعية، سلميا، وفق آلية انتخابات حرّة ونزيهة وفعّالة، تحت إشراف قضاء مستقل، يضمن شفافية تَحِدُّ من الفساد والتَّضليل واستغلال النّفوذ في العمليّة الانتخابيّة.
سابعا: إ صلاح المؤسسات العامة للدولة وإعادة هيكلتها وترشيد عملها والرفع من كفاءتها وفعاليتها ، في اتجاه احترام حقوق الإنسان والحرّيّات والمحافظة على سيادة القانون وتحقيق تنمية عادلة وشاملة، في المجال التعليمي وتكوين القدرات البشرية، وفي المجال الصناعي ،و في المجال ألفلاحي ،وفي المجال الثقافي، وفي غيرها من المجالات، بغاية تحقيق احتياجات المجتمع ومتطلبات جميع شرائحه ،عبر الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة وتنميتها .
ثامنا: بناء أمن جمهوري محترف و منضبط وكفؤ ومتخلّق ومحايد، هدفه حماية الأمن الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسّياسي و الدّيني، للدّولة، وللمؤسسات العامة والخاصة ، وللمواطنين .
تاسعا: إنشاء هيئة دستورية تتشكل من قضاة وفقهاء قانون وخبراء في الفقه الإسلامي تتولى ممارسة الرقابة على دستورية القوانين والمنازعات المتعلقة بها و يسمح للأشخاص الطعن مباشرة أمامها في دستورية التشريعات العادية التي تصدر عن السلطة التشريعية، أو التشريعات الفرعية التي تصدر عن السلطة التنفيذية.
غير أنه لا بد من القول أن المبادئ والقواعد الدستورية مع كل الضمانات القانونية لتطبيقها تحتاج إلى ضمانات واقعية -غير منضمة- تعزّز دور الضّمانات القانونيّة، التي قد تعجز أحيانا عن توفير الحماية اللازمة للدّستور ولاحترام حقوق الأفراد وحرّياتهم. وتتمثل هذه الضّمانات في رقابة الرّأي العام على أداء حكّامه و نخبه والتّدخل عند اللزوم لإجبارهم على احترام الدستور .وكلّما كانت هذه الرّقابة قويّة، كلما كان التقيّد بالدّستور قويا، وكلما كانت رقابة الرأي العام ضعيفة أو منعدمة كلما ضعف احترام الدستور، وعليه فان الرأي العام لن يستطيع التأثير على تصرفات الحكام ما لم يكن على درجة من النضج والاستنارة و التنظيم تؤهله للقيام بواجب الرقابة وعدم الخضوع لمصالح فئات معينة -سواء كانت من الحكام أو من المعارضة أو من المجتمع نفسه- تسعى لتسخير الإرادة الشعبية والرأي العام لتحقيق أهدافها ومصالحا الخاصة .ومما لاشك فيه أن مختلف الهيئات الشعبية ومؤسسات المجتمع والأحزاب ووسائل الإعلام والحكومة وكل الشخصيات العامة تشترك اليوم في تكوين الرأي العام وتدريبه ممّا يجعلها مسئولة بالضرورة- أدبيا وأخلاقيا -على مستوى النضج والاستنارة الذي سيبلغه غدا، بعد وضع الدستور الدائم ودخول البلاد مرحلة التداول السلمي على السلطة عبر الانتخابات الدورية ، الفاعلة والحرة والنزيهة ، وهي مرحلة ستحتاج فيها البلاد- حتما- إلى رأي عام قوي قادر على مراقبة حكامه ونخبه في إطار الشرعية الدستورية الدائمة . والأكيد أن ما نزرعه خلال هذه المرحلة الانتقالية هو ما سنجنيه، نحن وأبناؤنا، خلال الرحلة الدائمة.. إمّا رأي عام قويّ يشارك في الحياة العامة ويساهم فيها بوعي وإدراك وفاعلية قادر على منع كل محاولة لإعادة إنتاج الماضي بصيغ جديدة وإمّا رأي عام ضعيف تحركه الحسابات الانتخابية و المزايدات السياسية…../.
ليس من الضّروري أن يكون كلامي مقبولا ولكن من الضروري أن يكون كلامي صادقا.
وحفظ الله تونس وأهلها.
[…] نواة […]