هل أنجزنا ما يستحق الإحتفال به؟ هذا هو السؤال الذي طغى على كل نقاشات أهالي سيدي بوزيد أيّاما كاملة قبل ذكرى اندلاع الثورة. 17 ديسمبر يوم للتاريخ و تاريخ يريد له أبناء سيدي بوزيد يوما للتخليد.
بين الإحياء و الإحتفال اختلف الرأي ممّا أثار جدلا واسعا. انقسامات الصف التونسي و التجاذبات التي تشهدها الساحة السياسية ألقت بظلالها على شارع شعلة الثورة، شارع محمد البوعزيزي. توتّر و تدافع انتهى بعنف استهدف منصّة رئيس الجمهورية و رئيس المجلس التأسيسي.
التحضيرات : وقت للإستعداد و وقت للجدال
16 ديسمبر 2012 كان يوما نشيطا جدا في سيدي بوزيد حيث شهدت المدينة تسارع التحضيرات للدورة الثانية للمهرجان الدولي لثورة 17 ديسمبر. تسارع نسق الإستعدادات رافقه تصاعد التوتّر حول مشروعية الإحتفال نفسه. الجدال احتدم بين من يعتبر 17 ديسمبر يوما لإحياء ذكرى و ليس يوما للإحتفال و بين من يستنكر احياء ذكرى أولى لحظة لمسار فاشل و مخيّب للآمال.
قسم هام من أبناء المدينة يعتبر أن الوضع العام للبلاد و المنحى الذي اتّخذته الثورة يفقد يوم 17 ديسمبر كل معنى و يجعل الإحتفال به مسرحية سخيفة.
هي فقط ذكرى للإحياء. ليس لدينا أي سبب للإحتفال. الشيء الوحيد الذي يمكنني أن أشارك فيه هو موكب عزاء في الثورة
أحمد – موظّف
الجبهة الشعبية بسيدي بوزيد كانت بدورها قد دعت للتظاهر و جعل يوم 17 ديسمبر يوم احتجاج و حداد وليس يوم احتفال. أنصار الجبهة نصبوا عشية 16 ديسمبر خياما بساحة الشهيد محمد البوعزيزي و حملوا شعارات احتجاجية تذكّر بمطالب الثورة.
ليلة 16 ديسمبر شهدت بداية الفعاليات بعرض كبير للشماريخ إلا أن الساحة شهدت أيضا أعمال عنف استهدفت خيام الجبهة الشعبيّة حيث مزّق عدد من لافتات الجبهة و أتلفت بعض الخيام. أنصار الجبهة لم يترددّوا في توجيه أصابع الإتهام لأنصار النهضة.
الأحزاب السياسية تتموقع في الساحة و في الفعاليات
الجبهة الشعبية:
فعاليات 17 ديسمبر 2012 عرفت حظورا كبيرا للجبهة الشعبية التي و إن لم ترفع أعلامها جهرا إلّا أن شعاراتها و لافتاتها كانت في كل مكان. و كانت البداية بمشاركة أنصار الجبهة في مسيرة خلال الإفتتاح رفعت خلالها شعارات احتجاجية متعدّدة تذكيرا بمطالب الثورة و تنديدا بأداء الحكومة. حراك الجبهة أعتبره العديدين أعادة تموقع في الجهة و سط مواقف متباينة منها و ان لم تصل أكثرها سلبيّة لحد الرفض.
لست من أنصار الجبهة و لست شيوعيا و لكن أكن لهم كل الإحترام و أقدّر فيهم ثباتهم على مواقفهم
م.ت – صاحب مقهى
حزب التحرير:
رايات التوحيد السود المميزة لحزب التحرير كانت حاظرة و بكثافة. مناضلي الحزب جاؤوا من ولايات عدّة و نصبوا في الساحة خيمة حوار ضلّت نشيطة طيلة الفعاليات و اليوم السابق لها. و جود حزب التحرير بشكل رسمي في فعاليات 17 ديسمبر 2012 بسيدي بوزيد أثار اهتمام الأهالي و نال نصيبا من تعليقاتهم و نقاشاتهم. أغلب من تحدّثنا معهم يتراوح موقفهم بين مرحّب و بين محايد ليس له موقف محدّد من الحزب.
حركة النهضة:
حضور حركة النهضة كان محتشما مع غياب تام لأي شعار أو راية للحزب بالرغم من تواجد المكتب المحلي في لجنة التنظيم، إلا أن نشاطه توقف عند ذلك الحد. عدد ممّن تحدّثنا معهم عبّروا عن أن حالة من الرفض التام لحركة النهضة تميز موقف جزء هام من أبناء سيدي بوزيد. العديد أكّدوا أنّهم لا يصدّقون ذريعة تغيب الوزير الأول السيد حمّادي الجبالي و اعتبروا أن تخلّفه هو هروب من المواجهة.
الجبالي لم يحضر لأنه جبان و لأن خزّان مببراته قد نفذ. و لكن الحمد لله أنّه تغيب و الا كنّا سنشهد يوما أسودا في سيدي بوزيد
م – عامل بمقهى
حضور الأحزاب و ان أقتصر على بعضها لم يرق للعديدين الذين أعتبروا يوم 17 ديسمبر يوما وطنيا لإحياء ذكرى انطلاق حراك شعبي غير مسيّس.
التسييس حرب باردة أصبحت مزعجة جدا
أنيس – مصوّر
أحداث حفل الافتتاح: الخيبة درجات، الغضب أيضا
مراسيم حفل الإفتتاح تنقّل لها عدد من الشخصيات على رأسها كل من رئيس الجمهورية الدكتور المنصف المرزوقي و السيد مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي. الحفل بدأ بمراسيم عسكريّة تمثّلت في اطلاق 17 طلقة و تحيّة العلم تلتها خطابات للشخصيات الحاضرة. و إن لاقى العرض العسكري استحسانا واسعا فان مهرجان الخطابات انتهى بالإعتداء على المنصّة الشرفيّة بالحجارة مما أدّى الى قطع الفعاليات على مستوى خطاب السيد مصطفى بن جعفر.
البداية كانت بخطاب المرزوقي الذي قوبل بالتصفير و بالصرخات، إلا أن الرئيس المرزوقي حافظ على هدوئه و وجّه خطابا بنبرة “الإعتراف بالذنب” ممّا ساهم في تهدئة المحتجّين الذين استمعوا له إلى للنهاية. العديد ممن حاورناهم عبّروا عن خيبتهم من أداء الرئيس و لكنهم يؤكدون على محافظتهم على قدر من الإحترام له.
نفهم الظرفية و صعوبة معالجة تركة بن علي. نحن لا نطلب الكثير, فقط القليل من الصدق و الإحترام
علي – شاب عاطل عن العمل
صيحات الإحتجاج تزايدت و تصاعد التوتّر عندما بدأ السيد مصطفى بن جعفر خطابه. رئيس المجلس التأسيسي عجز عن احتواء الناس، توتّره ساهم في تعقيد الموقف لينتهي به الأمر لقطع خطابه مع بداية رشق المنصّة الشرفية بالقوارير و بالحجارة ممّا اضطر الأمن الرئاسي الى اجلاء الجميع لداخل مبنى الولاية قبل أن يغادر الموكب بسرعة متوجّها الى مهبط الطائرة الرئاسية التي أقلّت الوفد قبل أن يغادر الجميع سيدي بوزيد منهين بذلك فعاليات الإحتفال (أو احياء الذكرى).
أحداث المنصّة تسبّبت في الغاء عدد من الفقرات التي كانت مبرمجة خلال اليوم و تركت ردود فعل متباينة في الشارع.
أسباب الغضب موجودة و لكن هذه الأساليب آن الأوان لتجاوزها.
نعيم – عامل بمحل خدمات اعلامية
بعض الأطراف أتهمت أنصار حزب التحرير بالضلوع في العنف الذي شهدته مراسيم الإفتتاح. اتهامات لم نرى أو نسمع طيلة اليوم أي مؤيدات لها. كل شهود العيان الذين تحدّثنا معهم أجمعوا على عدم تورّط أنصار حزب التحرير أو السلفيين في أحداث اليوم. الجبهة الشعبيّة التي كانت قد دعت الى مقاطعة الإحتفال و جعل يوم 17 ديسمبر لهذه السنة يوما إحتجاجيا لا توجد شهادات مؤكّدة بيرز تورّط أنصارها في ما حصل من أعمال العنف. المؤكّد هو أن أحداث المنصّة لم تكن مفاجئة للجميع حيث وصلتنا و منذ اليوم السابق للإحتفالات معلومات تؤكّد حالة الاحتقان العامة و عبّر لنا عديد الشباب الغير متحزّب عن رغبته في بعث رسالة واضحة للحكومة. العديد في سيدي بوزيد يؤكّدون أنّه قد تم تفادي ما هو أخطر.
ماذا بعد؟
17 ديسمبر 2012 بدأ بجدال حول الإحتفال أو الإحياء لينتهي بجدال حول من يتحمّل مسؤولية ما حصل.. لكن الأكيد و الذي يتفق عليه الجميع هو أن أهداف الثورة التي اطلقتها أولى شعارات الثورة في مثل هذا اليوم في مدينة سيدي بوزيد مازالت بعيدة المنال. المؤكّد أن حل جدليّة تاريخ 17 ديسمبر ى عبر رمزية تسمية شارع محمد بوعزيزي أو 14 جانفي بدل شارع الحبيب بورقيبة لن يغيّر شيئا من واقع المنسيّين و المهمشين على قارعة الشارعين، فلكل شارع تاريخه و يومه و كلاهما، ككل شوارع البلاد، تعرف البؤس نفسه.
iThere are no comments
Add yours