بقلم فرحات عثمان،
ما الذي يحدث حقا في تونس؟ بل ما الذي يحدث في عقول ساستنا؟ هل للعربدة وللتهريج الذي نشاهده اليوم انتخبهم الشعب؟
إنهم، بالتصرف الأخرق للبعض منهم الذي تجاوز كل الحدود، ليسيرون على نهج سابقيهم في الحكم، بما فيهم هؤلاء الذين يجنّدون القاصي والداني للعودة إلى الحكم والزج بالشعب من جديد في القفص الذي كان فيه.
إلا أن الجنّي التونسي الذي خرج طليقا بمفرده من محبسه وبإرادته العصية في الحياة لن يعود أبدا إلى القمقم الذي دفن فيه الماضي المقيت! فليتأكد من ذلك كل من شك فيه أو شاء تحدّي إرادة الشعب.
لقد تنامت لنا الأخبار من جنوب البلاد بتتبع البعض من شبابنا بتهم طالما استعملها النظام السابق وخلناها قُبرت معه؛ ولكن ها هو النظام الجديد، نظام الثورة مبدئيا، لا يتوانى في اللجوء إليها لقمع حرية التعبير ببلادنا!
فكل ما وجدت السلط بقابس لمنع الزواولة، شباب الفن الحي الذي يفخر به التونسي الحر، من التعبير بطلاقة عما يختلج في صدر كل تونسي، هو تتبعه عدليا بدعوى نشر معلومات خاطئة وللإضرار بالمنشئات العمومية، إضافة إلى المس بالأمن العام. فهل ما فعل هؤلاء هو حقا بمثل هذه الخطورة حتى يقع تتبعهم عدليا؟
فماذا كتب هؤلاء على الجدران؟ إنهم خطّوا ما لم نفتأ عن كتابته وترديده هنا وهناك. لقد ذكّروا فقط من نسى أو تناسى أن الثورة ليست ملكا لأحد، أنها ليست لا للإسلاميين ولا للعلمانيين، بل للشعب الذي هو كله من الزواولة، لأن الشعب بحق وفي معظمه زوالي.
فهل هذا مما يثير التتبع؟ هل يمثل هذا خطرا على أمن البلاد؟ وإن كان كذلك، فما نقول إذا في انعدام الأمن الأساسي، أي أمن الشغل والغذاء؟ وإن كان حقا كذلك، فعندها وجب تتبع كل من كتب ويكتب على المواقع الالكترونية!
لقد بلغ السيل الزبى وعلى السلط أن تفيق من غفوتها؛ إنها بتصرفات مثل هذه التي تتابعت مؤخرا، وهي خرقاء، قامعة للحريات، تقمع الشعب كله وكأن حمّى الديكتاتورية تفشت في عظم ساستنا فأصبحوا يعانون من مرض من سبقهم في الحكم.
فليتذكروا أن الشعب كله زوالي وأن قمع البعض منه هو قمع لكله. وليستحيوا من إضافة فقرهم المدقع في ميدان احترام الحريات إلى فقر البلاد، في حين أنهم لم يترددوا عن استغلال تواجدهم في الحكم للتمتع بالمراتب السنية والامتيازات السخية عوض الاكتفاء بالنزر القليل. فهم في خدمة الشعب، والشعب فقير؛ لذا تتطلب خدمته أن يكون الخادم في مستوي فقر مخدومه.
لتحرصوا، سادتي، إذا أردتم حقا تمثيل الشعب، على أن تكونوا زواولة مثله، لأن ذلك هو حال الشعب، ولتسقطوا عاجلا كل التتبعات ضد أبناء الشعب؛ وإلا أقصاكم غدا هؤلاء الزواولة عن الحكم لتماديكم في السير على خطى من سبقكم، ولعدم أهليتكم للمسؤولية التي كلفتم بها، ألا وهي إحياء الحريات، كل الحريات، بهذا البلاد وقد اندثرت تحت النظام السابق. ألستم، بما تفعلون، مجرد امتداد له؟
فلتتذكروا : إن مسؤوليتكم هي خدمة الزواولة بكل تقشف وباحترام تام لحرياته، كامل حرياته؛ بلا سفسطة ولا عنجهية.
ولتستغل السلط المعنية فرصة إصلاح هذا الخطأ الفادح للتدليل بكل وضوح وعمليا على قناعاتها الديمقراطية وذلك بأخذ التدابير اللازمة والعاجلة القاضية بتجميد كل القوانين القامعة للحريات من ترسانة الديكتاتورية، والتي بقيت على حالها.
فإنها إن لم تفعل، قاطعة حقا مع النظام السابق، سوف تعد حتما منه؛ فما يميّز هذا النظام عن سابقه إذا تمادى في الأخذ بمنظومته المنافية للحريات، مستقرا بدار لقمان وقد أبقاها على حالها؟
إن الشعب ينتظر !
iThere are no comments
Add yours