إنحدار قيمة العمل و تدنيّ إنتاجيّة العامل التّونسيّ صارت مسلّمة بها لدينا. جولة سريعة على المواقع الإجتماعيّة تبرز تناولا هزليّا لواقع العمل الأليم من قبيل المقابلة بين كسل التّونسيّ مقابل إجتهاد اليابانيّ. و لا أرى أنّ تشخيص هذه الحالة من التّخاذل الجماعيّ يختلف حولها إثنان بلغى من السّنين ما يستوجب منهما مثلا، الغوص في غياهب إدارة مشلولة شيمتها الكسل و المماطلة و لا تقضى فيها الحاجة إلّا بعد شقّ الأنفس. كيف بنا، إن كان ذلك حال إستخراج شهادة رسميّة بسيطة، أن نجرؤ و نحلم بالنّهوض و تترائى لنا ناطحات السّحاب والجسور و الخير يعمّ تونس؟
كثيرة هي مشاكل تونس العصيّة عن الحلول السّرّيعة. فلا داعي للتّذكير بأنّنا دخلنا عصور الإنحطاط دهرا و من ثمّ التّبعيّة للإحتلال و أخيرا أمضينا عقود ما سمّي بالإستقلال في براثن الدّكتاتوريّة إلّا سنتين هما عمر الثّورة. و حالنا حظاريّا كحال الغائب عن الوعي دهرا لمّا يستفيق على حين غرّة، و لازلنا سكارى من سباتنا التّاريخيّ و بترياق “الإنعتاق” الذّي تجرّعناه دفعة واحدة. ولكن “تركة المخلوع” و “صعوبة إصلاح ما أفسده دهر” ليست مفاهيم مطلقة و مشاكلنا ليست نهائيّة لا نملك لها دفعا. إنّ مشاكلنا المركّبة تستوجب منّا جهادها بمقاربات لا- تقليديّة و جديدة هي الأخرى. و أؤمن حقّا، حتّى و إن وصمت بالسّذاجة، أنّه بأيدنا حلّ جلّ مشاكلنا بل و تبوّئ الصّدارة حظاريّا خلال جيلي هذا. وسأقترح على القارئ مقاربة أراها تعالج أحد أمّهات المشاكل، ألا واهي تفكّك قيمة العمل للتّونسيّ، خلال المستقبل المنظور و بنتائج مؤكّدة إن شاء اللّه و قومي أن ترى هذه المقاربة النّور بشكل من الأشكال!
أشرنا إلى المشكل. أمّا عن المسبّبات فهي تتنزّل من مستوى الإهتراء القيمّي العام (طالع مقالي، تونس: أخلاقنا إلى أين؟) إلى الفرد نفسه. فالوازع نحو الإتقان و الصبّر و التّفاني في العمل هو وازع شخصيّ لا محالة. و لكن، و كما ناقشت في المقال المذكور، شهدت منظومة القيم التّي تنشئ هذا الوازع الشّخصيّ حربا بلا هوادة سنامها فترة حكم الدّكتاتور الثّاني. فالوعض الدّينيّ بقيمة العمل و فضل المجتهد على الكسول إنحسر بانحسار الإسلام عموما. كما أنّ رؤية الأخيار يعاقبون و الأشرار يحكّمون ولّدت صورة مرضيّة للمثال أو “البطل” لدى المجتمع كغشّاش قادر على “الفصعة” بدون أن بحمّله أحد عواقب ذلك. و حتّى لا يبقى الكلام نظريّا، أسوق مثالا شخصيّ، أثناء دراستي في تونس لم يفوّت أحد فرصة للفصعة و أحسننا في هذه الممارسة كان إمّا “معلّما” لأفضل السّبل، أو أقلّه مثّل صورة الشّاب “الكول” cool لدى أقرانه. و تتدحرج الممارسة ككرة الثّلج لتعمّ الجميع فيرمي لك أستاذ الرّياضة الكرة آمرا إيّاك باللّعب عوض أن يقوم بدوره، و يشرب معك عمّك الموضّف القهوة عوض القيام بواجبه في إدارة ما أنيط به. كيف بنا إذا، أن نغيّر من شأن ممارسة جماعيّة تنخر كافّة المجالات؟ أمّا التوعية و الوعض الديّنيّ و المناهج التّعليميّة إلخ… فهي لازمة و لا مناص منها لإعادة خلق الوازع الشّخصيّ و لكنّها بعيدة المدي و لا نملك تفعيلها بعمّال أغلبهم كسالى؟ ألا نملك إجابة إستعجاليّة؟ بلى!
يمكن لنا بداية أن نثوّر المفهوم القانونيّ للإختلاس كجريمة حتّى تصبح كلّ دقيقة مستوجبة لا ينفقها عامل في عمله إختلاسا. مثلا، كلّ موضّف يتأخّر على مقرّ عمله ثلاثا يخصم من راتبه يوم، و كلّ موضّف يتغيّب على عمله يوما بدون مبرّر قانونيّ يخصم منه مقدار ثلاث أيّام و هلمّ جرّا. يجب أن يصبخ القانون صارما و لا مبرّر للّين مع الكسل و الإختلاس.
إنطلاقا من هذا الطّرح، يجب تغيير دور الأجهزة الرّقابيّة الإداريّة حتّى تستجيب للتّحوير الآنف. و هنا أقترح دمج جلّ أجهزة الرّقابة الإداريّة المختلفة المعنيّة بهذا الجانب، لتكوين جسم متعدّد الأقسام و ذي صلاحيّات و إعتمادات تمكّنه من المراقبة الفعّالة. و يجب تنفيذ هكذا قوانين بطرق جديدة و شاملة إلى أقصى حدّ. فيستطلع مراقب ما عمل القسم البريديّ، مثلا، من خلال تجربة الحصول على مختلف الخدمات كمواطن عاديّ. و يراقب آخر سرعة إستجابة قسم الشّرطة من خلال قياس ردّة فعلهم على واقعة محليّة حقيقيّة إلخ… لقد بلغ السّيل الزّبى إخواني و لا يسعنا التّأخرّ دهرا آخر و لا مناص من أن يكون كلّ أستاذ و موضّف و حارس بناية و شرطيّ تحت طائلة المراقبة السريّة و الفجئيّة في كلّ وقت. كما أّنّ كلّ متخاذل يجب أن يعاقب بشدّة لمّا يصبح الغشّ هو القاعدة.
في مقابل التّشديد في القانون و تعميم المراقبة، يجب على الدّولة أن تغيّر من فلسفة العمل في السّلك العموميّ. فالأقدميّة تعتبر اليوم المعيار الأهم للإرتقاء الوضيفيّ، في حين أنّ الكفاءة و مقدار التّفاني و البذل يمكن أن تحلّ محلّ ذلك و على الدّولة أن تكافي العمّال المتفانين ماديّا بسخاء كما هي تعاقبهم بشدّة إن أخطؤوا. أيضا كثيرة هي الأمثلة على أعمال تمثّل نهاية شبه تامّة لتطوّر الموضّف مهنيّا. فالمعلّم مثلا، يتدرّج في سلك التّعليم ليصبح معلّم تطبيق أوّل و لكن نادرة هي الفرص أمامه حتّى يتدرّب و يدرس و يتدرّج في السلّم الإجتماعيّ و يصبح أستاذا أو خبيرا في تعليم الأطفال مثلا. فأغلب الموضّفين يقضون جلّ حياتهم المهنيّة في مكان واحد ممّا يقتل الإبداع و الأمل و يفاقم مشكلة التّكاسل المرضيّ. يجب إذا حثّ و مساعدة الموضّف العموميّ على الإرتقاء و التدرّب من خلال إقامة الدّورات و تسهيلات في التنقّل والقبول في الجامعات و ليونة أيّام العمل و حتّى الإعفاء من بعضها في حال كان الدّاعي يصبّ في هذا الإطار.
يلاحظ القارئ أنّني تناولت فقط مجالات العمل في السّلك العموميّ. فالقطاع الخاصّ يخضع مباشرة لقيد الرّبح و الخسارة و من مصلحة كلّ صاحب عمل أن يضمن حسن عمل موضّفيه و تحمّل هذه التّكاليف التّنظيميّة من صلب تكاليف العمل الحرّ. و أجهزة الدّولة تسيّر و تقود مسيرة النّهوض و تشكّل قاطرة القطاع الخاص إلى جانب تضخّمها إقتصاديّا في تونس.
إنّ قيمة العمل و معدّل الإنتاجيّة في مجتمع ما تتمثّل مباشرة في معدّلات النموّ و انحسار الفقر و البطالة. نعم عانى التّونسيّيون ويلات الدّكتاتوريّة دهرا ولكن علينا أن نصارح أنفسنا بحقيقة إنغراس التّكاسل و “الفصعة” فينا إنغراسا. و كما تشعّب الدّاء و نخر فينا فعلينا إجتثاث جذعه بنحو ما أشرت من أفكار بينما نعمل التّربية و إعادة البناء الأخلاقيّ و الوعض في جذوره. أيضا أدعو كلّ قارئ أعجبه الطّرح، وبحرارة، أن ينشر و يعلّق و يساهم في إطّلاع أصدقائه عليه.
و أختم بأحلى الكلام: “الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ” الملك2
محمّد فراس العرفاوي
Vous êtes parti de l’image de l’étudiant qui brille socialement par son attitude de cancre pour cristalliser la culture de la médiocrité, et, tout naturellement, la réponse que vous avez apporté est celle de, permettez-moi de continuer l’analogie, de mettre des surveillants et un système de sanctions positives/négatives.
Bon. Dans le contexte socio-politique tunisien, il est vrai que le système de la rémunération du mérite est défaillant. Ou plus rigoureusement, les critères du mérite se sont inversés, passant de “Ceux qui rendent un service à la société” à “Ceux retranchent un service de la société”. Et, bien évidemment, il faut rétablir le système qui fortifie la société dans son ensemble et, par effet de cascade, l’ensemble des citoyens qui la composent, en lieu et place d’un système qui renforce les individus de manière exclusive, au dépends de la société, et qui du coup demeurent de petites frappes devant le fameux Japonais.
Cela dit, je pense cela n’est pas suffisant. Car, si l’on reprend l’archétype de l’étudiant “cool”, gruger et se payer la tête du surveillant, ce sera son sport favori et son faire-valoir. Il est fort possible alors que ces organes de surveillance n’auront pas l’effet escompté. On dissertera sur leur faiblesses, leur petitesse de moyens et d’outils et on se mettra à les renforcer, à multiplier leur potentiel d’action et les mesures répressives (notez le mot) et, petit à petit, l’on se retrouvera avec une structure policière renforcée. Pour peu que l’on arrive à se la mettre dans la poche, moyennant corruption (il devient en effet plus facile de corrompre un système lorsque celui-ci devient complexe) et autres petits sabotages et ça devient l’instrument du pouvoir.
Tout ça parce l’attitude de départ s’est réduite à regarder l’étudiant “cool” comme un jeune turbulent et la société comme un “père sévère”. Même s’il est vraisemblable que la mentalité tunisienne au regard de la modernité est immature quoiqu’éveillée, le modèle d’éducation paternaliste est non seulement en conflit avec la notion même d’individu libre et donc intellectuellement autonome, mais c’est ce modèle-là qui a abouti à la dictature et, surtout, au consentement à la dictature.
A la mentalité du père fouettard, je préfère un modèle social axé sur le leadership. Plutôt d’injonctions à prendre la voie du salut collectif, prendre la tête de la marche sur cette voie est autrement beaucoup plus efficace. Aux Etats-Unis par exemple, le concept de ‘Role Model’ est très ancré dans la société, et l’on voit beaucoup d’Américains bouger en fonction des engagements de leurs idoles. Aussi, il n’est pas étonnant qu’un Georges Clooney ou une Angelina Jolie arrive à sensibiliser les Américains à des causes comme la famine en Afrique ou l’Environnement mieux qu’une loi ou une taxe qui se heurterait d’abord à la contestation de la plupart. Le leadership c’est une initiative à laquelle plus personne ne croit que quelqu’un consent à endosser et, contre vents et marées, il la fait réussir.
Et c’est là où le bât blesse en Tunisie. Vous allez rigoler, mais :
1- Vous rendez-vous compte que, dans quelques années, l’on évoquera Bahri Jelassi, Adel Almi et autres Rikoba dans les livres d’histoire ? …
2- Quel modèle de “réussite” montrent-ils à la face de la Tunisie ?
3- Que savez-vous sur les actions des diverses et multiples hommes et femmes engagés pour le pays ?
… Prenez votre leadership.