إلا أن الأنكى هو أن يبرّر حزب النهضة ومن حالفه هذا العمل الذي لا يختزل في شيء روح الثورة التونسية، بل ويناقضها، بأنه يمثل الإسلام وبأنه متجذر في الهوية العربية الإسلامية، بينما هو يدير لها ظهر المجن، بل ويطمسها في الصورة المشرقة التي تقمصتها في الذات التونسية، فلم تبعد عن الإبداع.
ولعل ما يندى له الجبين خاصة هو أن نرى من زعم النضال لأجل الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان يمجّد مثل هذا العمل المتواضع في القليل الجديد الذي أتى به، فينسى أو يتناسى الكثير الخطير في ما تحتويه فصوله.
فكيف يسمح السيد رئيس المجلس التأسيسي لنفسه وصف هذا الدستور بأنه من أفضل ما أفرزه الذهن البشري في العالم؟ وكيف يصمت رئيس الجمهورية ومباديء الدستور البينة ونياته الخفية تنقض ما ناضل من أجله في حياته، علاوة على تقزيم دور الرئاسة في البلاد بتقليص صلاحياتها بعيدا عن كل توازن بين السلط كما يدعو إليه؟
نعم، للأول وللثاني حق القول بأن وزنهما الانتخابي لم يمكنهما من أكثر مما كان، ولكنهما يخطئان مثنى؛ وذلك لأن حاجة النهضة إليهما اليوم أكثر من حاجتهما إليها، ولأن واجبهما اليوم العمل على الدفع لتحسين هذا المشروع وإلا رفضه؛ ودورهما سيكون عظيما في الوقت الحاسم.
فلا مجال لتمرير مثل هذا الدستور على حالته وذلك حتى باسم الإسلام! وسنبين ذلك في ما يلي.
لنقل أولا أن مشروع الدستور يتحدث عن الإسلام بوصفه دين الدولة (الفصل 136) بعد أو وصفه بأنه دين تونس (الفصل 1) التي هي دولة مدنية (الفصل 2). إن مثل هذا التناقض لا يُفسّر إلا برغبة المشرّع عدم اعتبار أن يوجد بهذه البلاد أي دين آخر، حتى لأقلية من مواطنيه، أو إمكانية الإلحاد به أو الخروج من الإسلام لمن شاء وأراد ذلك.
إلا أنه، رغم أنف من يرى هذا الرأي المتزمت، لا مجال لجعل الدين الإسلامي الدين الأوحد لتونس ولا لرفض حق كل مسلم في الإلحاد أو الخروج من الإسلام، لا لشيء إلا لأن الإسلام نفسه يقضي بذلك ويُوجبه.
فالإسلام، أولا، دين الحرية، وهو يقرّ بأن لا إكراه في الدين! وثانيا لا تحريم للردة في الإسلام الحقيقي، وسأبيّنه بالأدلة القطعية في مقال لي هنا عن قريب في نطاق الحلقة الثالثة من سلسلة تجديد العروة الوثقى الإسلامية.
نعم، لقد عشنا في التاريخ الإسلامي فترات رأينا فيها الردة تُحرّم والإلحاد يُجرّم. ولكنها كانت فترات ظلماء من تاريخ الإسلام لم يحترم فيه الفقهاء القرآن ولم يفهموا السنة على حقيقتها، إذ صرفوا فهمهما حسب النظرة الطاغية في ذلك الزمان، وكانت أساسا متأتية من التقاليد اليهودية والمسيحية، أو ما سُمّي في ذلك العهد بالإسرائيليات، وقد تفشّت عندها وطغت.
فكما نرى اليوم العديد من مفكرينا يقلدون الغرب وما يرونه فيه، معتبرينه أفضل ما كان ويكون، فقد قلّد فقهاؤنا في ذلك الزمان غربهم الذي كان متواجدا في الجزيرة العربية عبر تقاليد ديانتي موسى وعيسى، متجاهلين كل ما جاء به من طرافة وتجديد ديننا الحنيف الذي أتى — ولكنهم نسوه، كما ينسى دينهم اليوم المتغربون منا — مصححا لما حرّفته الكتب السالفة وتقاليدها.
لذا، فباسم الإسلام واحتراما لمبادئه الأصيلة، من الضروري أن نذكر بالفصل الأول من دستورنا أن الإسلام هو دين أغلبية الشعب في هذه البلاد، وبذلك لا نقول إلا الحقيقة كما يُلزمنا على قول الحق إسلامنا.
ثم وجب أيضا أن نتغاضى عن ذكر الإسلام في الفصل 136 فنحذف الفقرة الأولى منه، لأن مكانة الدين السامية في النفس قبل أن تكون بالمظاهر. فكم من دين رفضته الدول فنما وعاش إلى أن قبر تلك الدول؛ وكم من مذهب نما وترعرع بفضل مساندة الدول، فذهبت وذهب معها في ذلك التدوال الذي لا محالة منه كسنة الله في هذه الأرض. فهل نريد لديننا أن تُطبّق عليه هذه السنة التي لا مفر للدول منها، فنربط مصيره بمصيرها؟ معاذ الله !
فبما أن الإجابة لا ينتطح فيها عنزان، وجب علينا أيضا إفراغ كل ما في الفصل الخامس مما يشينه، وذلك باحترام قداسة الدين بأن نترك مجاله في الأنفس وحدها، فلا نخلطه بصخب حياة البشر وأوساخ دنياهم.
لذا، علينا الاكتفاء بالقول في ذلك الفصل بأن الدولة راعية للحريات فقط، فلا مجال للتفصيل الذي ليس من شأنه إلا تقليص هذه الحريات. ذلك لأن المعتقد والشعائر الدينية من الحريات، كما أن المقدسات لا شأن للدولة فيها؛ فإما احترامها يكون في حدود الحريات المسموح بها في دولة القانون، وذلك بعدم تجاوز حريات الغير؛ وإما فالقانون يمنعها منها باتا كما يمنع باقي التجاوزات.
وتبقى هنا قضية ضمان حياد دور العبادة عن التوظيف السياسي. ونحن نرى أن التنصيص على ذلك من باب ذر الرماد في الأعين، إذ لا مجال في ديننا لقطع الصلة بين السياسة والدين. وبالتالي، من الممكن أيضا طرح هذا من الفصل، لأن كل ما يهم أمور الناس يهم المساجد، فكل شيء سياسة اليوم في حياة المجتمعات ما دامت قواعد تعاطي الحريات تتم حسب مقتضيات دولة القانون الضامنة لها حسب المعايير العالمية.
ومن الفصول التي تناقض روح الإسلام وروحه، مع أنها تدّعي الالتزام بهما، موضوع منع عقوبة الإعدام التي لا تناقض بتاتا ديننا؛ بل إنه من الممكن القول، كما بيّنت ذلك في مقال لي، أن الإسلام يحث على رفع عقوبة الإعدام لأنه ليس هناك إلا الله لقبض الأوراح (1).
لذا يقع الدستور في هذا التناقض الصارخ الذي نجده بالفصل 22 إذ يقرّ به أن الحق في الحياة مقدّس لا يجوز المساس به، ثم نراه يتراجع في نفس الفصل بأن يحدّد ذلك بالحالات التي يضبطها القانون. فباسم الإسلام إذا، وجب تبديل هذا الفصل كما يلي : الحق في الحياة مقدس، لذا تمنع عقوبة الإعدام إذ لا يقبض الأرواح إلا الله.
ولعله لا مجال هنا للحديث عن طول التوطئة واللغط الذي تمتاز به وقد تعرّضت لذلك في تعليق لي (2). ولكن لا بد من الإشارة إلى أنه ليس بالضروري التوقف مع قضية من شأنها أن تلقى حلا، خاصة وأن ذلك يكون الباب المفتوح للتذكير بأسوأ ما في تاريخنا من رفضنا الصارخ للشرعية العالمية الذي نقاسي منه الأمرّين اليوم. كما من شأن ذلك أن يدلّل على رفض الآخر رفضا متهورا من طرف العديد منا الذين يدّعون في نفس الوقت التعامل معه موضوعيا، مما يجعل منا الظلمة وممن ظلمناه المظلوم في عرف الناس وفي نـظر القانون الدولي.
فلا بد أن نطرح من التوطئة كل ما فيها من تفاصيل لا طائل منها طالما وضح المبدأ، وذلك خاصة في ما يتعلق بفلسطين. فيكفينا هنا الوقوف عند نصرتنا لحركات التحرر العادلة، ولا داعي للتفصيل بذكر دعمنا لحركة التحرر الفلسطيني وكأننا نشك في ذلك أو أن هدفنا الأوحد الأخذ بفعل من سبقنا في العهد البائد في استغلال مثل هذا التذكير سياسيا! ولا مجال لذلك لا أخلاقيا ولا منطقيا في دفة دستور نتمنى له الصمود على مر الأزمان.
وكذلك الشأن بالنسبة لمناهضة كل أشكال التمييز والعنصرية والمعادية للإنسانية، فلا داعي لذكر الصهيونية إذ لا شك أنها مقصودة بكلامنا. فلقد حان الوقت إلى أن نفيق إلى رشدنا، فلا نعمل كالغبي الذي يتكلم بلا هوادة ولا وعي، فينقض ويناقض ما تأخر من كلامه بدايته. ثم إنه معلوم أن ذكر المبدأ لوحده كاف ليطال كل ما ينضوي تحت هذا المبدأ؛ فلا مجال لتفاصيل من شأنها لا أن تدعم مقالنا بل أن تضعفه فيبتذل محتواه.
ويبقي أن نشير بعجالة إلى أن النظام المختار ليس بالمتوازن بتاتا، إذ من شأنه أن يعرقل سير دواليب الدولة، ولا مناص هنا من دعوة المختصين في القانون الدستوري للمساعدة على تزكية هذه الفصول؛ ولا شك أن تونس لا تعدم مثل هذه الكفاءات. فمن الظلم للبلاد وشعبها عدم الاستفادة بأنوارهم باسم التزمت، وهو يعادي ديننا الذي لا نفتأ نتكلم تحت رايته، إذ رايته هي العلم.
والقول نفسه في الحال التي أقرّها هذا المشروع للسلطات الجهوية بخصوص الصلاحيات في نطاق الديمقراطية المباشرة، إذ لا يوجد حقيقة ما يكفي للعمل على نشر مثل هذا التوجه ببلادنا حيث بقيت سطلة الإدارة المركزية قائمة الذات بل ومهيمنة حسب النص الحالي.
هذا وأذكّر هنا أني قدّمت بعض الحلول في هذا الصدد في تعليقي الآنف الذكر على مسوّدة الدستور، فليراجع (3). وعلى كل، لا مجال هنا أيضا إلا للعودة إلى المختصين في هذا الباب إذا أردنا حقا ترسيخ ديمقراطية مباشرة أو لا مركزية ببلادنا.
خلاصة القول أنه يتوجّب علينا، إذا حسنت حقا نيتنا، أن نخرج مهمة إنهاء كتابة دستورنا من بين أيدي المجلس التأسيسي إلى كل مختص كفء من شأنه إثراءه حقا دون الإخلال بالمباديء المتفق عليها بكل الديمقراطيات في العالم.
فلا حل آخر للمجلس التأسيسي إلا دعوة مثل هؤلا ء المختصين، لا فقط لتحسين تحريره، بل وبالتفويض لهم كل الصلاحيات لإنهاء كتابة الدستور حتى يكون حقا من أفضل دساتير العالم الديمقراطي.
ثم يبقى للمجلس أن يخصص سائر وقته للانتهاء سريعا من إرساء آليات الديمقراطية التي لا بد منها من هيئات مستقلة حتى لا تتأخر الإنتخابات أكثر، فنسعى حقا إلى نشأة الديمقراطية في تونس الجمهورية الجديدة.
الهوامش :
(1) هل يقبض الأرواح غير الله؟ منع عقوبة الإعدام بتونس من المنظور الإسلامي.
http://tunisienouvellerepublique.blogspot.fr/2012/05/nouvelle-modernite-politique-8.html#more
(2) تحية للشعب التونسي في ذكرى ثورته : التنقيحات الضرورية لمسوّدة الدستور
http://tunisienouvellerepublique.blogspot.fr/2012/12/un-enchantement-tunisien-3.html#more
(3) تحية للشعب التونسي في ذكرى ثورته : التنقيحات الضرورية لمسوّدة الدستور
فرحات عثمان
اقتباس:
فالإسلام، أولا، دين الحرية، وهو يقرّ بأن لا إكراه في الدين! وثانيا لا تحريم للردة في الإسلام الحقيقي، وسأبيّنه بالأدلة القطعية في مقال لي هنا عن قريب في نطاق الحلقة الثالثة من سلسلة تجديد العروة الوثقى الإسلامية.
قال تعالى: لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(256). البقرة.
قال تعالى: ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران:85]
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً) [النساء:47]
وقال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً) [المائدة: من الآية3]
اقتباس:
لذا يقع الدستور في هذا التناقض الصارخ الذي نجده بالفصل 22 إذ يقرّ به أن الحق في الحياة مقدّس لا يجوز المساس به، ثم نراه يتراجع في نفس الفصل بأن يحدّد ذلك بالحالات التي يضبطها القانون. فباسم الإسلام إذا، وجب تبديل هذا الفصل كما يلي : الحق في الحياة مقدس، لذا تمنع عقوبة الإعدام إذ لا يقبض الأرواح إلا الله.
قال تعالى: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45].
wach rak tahder ya el wahd 5ou, kifeh famma 7a9 el redda fi el islam. famma 7orriet edine w el mo3ta9ad leken mnin jebt 7a9 erredda. fi 3ahd abou bakr essedik 7areb el mortaddine bah tjib enta chari3a men 3andek? 7okm elmortad fi elslam howa el9atl w hadha 7okm rabi mouch el bachar. najem n9oullek ghir rabi yehdik
لم يقاتل أبا بكر من ارتدو بل قاتل من أرادو نشرة الفرقة بين المسلمين
و هناك فرق
سيدي الكريم انت لم تناقش مشروع الدستور المعروض لبيان سلبياته والهنات التي احتواها وتقديم الراي البديل وفق منهج علمي سياسي رصين يساهم في تكوين الراي العام المنشود راي عام يستطيع ان يميز بين غث الكلام وسمينه فتحول الحديث الى خزب النهضة وحصرت نفسك في زاوية تجعل القارئ يفهم انك ضد الاسلام وهذا خطا لاتنفرد به بل يشاركك فيه كثيرون عن غير ادراك منهم نتائجه المعلومة عند العامة هي اضهار هذا الحزب هو المدافع الاوحد عن الدين ودفع الناس للارتماء في احضانهم او الخوف منهم والابتعاد الى الطرف الاخر ، وفي الحالتين تعميق الانقسام دون مبرر من دين اوعلم والحقيقة برايي ان الاسلام دين عقل وعلم وحرية ومدنية وديموقراطية والعلمانيون ليسوا في تناقض مع ذلك فهم في غالبيتهم مسلمون يحبون الاسلام وقيمه ويحبون الله ورسوله ويؤمنون بما انزل اليه وما انزل من قبله و يحبون الحرية ومدنية الدولة .المشكلة هذا الاصطفاف البغيض وعدم القدرة على التحليل والنتيجة الضهور بموقف الضد وما هو بضد .
سيدي الكريم،
شكرا جزيلا على الملاحظلات. أنا لم أناقش المشرورع لأنه سبق لي أن فعلت ذلك وقد ألمحت له بالهامش. أما العودة لما سبق أن قيل مع الإضافة فهذا يتطلب الوقت والمقالة المطولة. وذلك ما أفعل أيضا عند الضرورة. أما في هذه المناسبة، فلا مجال للتأخير لخطورة الوضع وضرورة الرد السريع.
فما دامت النهضة تتلكأ وتناور وتستغل أقل ضعف في رد الفعل لتمرير نظرتها المتزمتة للدين، وجب التصدي لمثل هذا التصرف بتصرف يكشف الحقائق ولو أنه لا يحاول استيفاء التدليل عليها، وذلك لغاية إصابة الهدف. وطبعا يبقى التحليل ضروريا ولكنه يُؤخر إلى مقام آخر.
أما قولك أن الكلام تحول للحديث عن حزب النهضة والظهور بمظهر مضاد للإسلام، فبالعكس، أنا أبين أن من يتصرف كما تفعل النهضة هو الذي يقوض صرح الإسلام عن غير دراية. وطبعا الغاية هي عكس ما تقول، أي إظهار النهضة كأنه المدافع الوحيد عن الإسلام، فالهدف هو العكس تماما.
لقد آملت طويلا أن تكون النهضة في سياستها سمحة سماحة ديننا؛ إلا أن من يفكر هكذا بداخلها قلة قليلة صوتها لا يسمع، لذا كان من الضروري التبيين أن ليس هناك إلا النهضة للكلام عن الإسلام وأن الكلام عن الإسلام الأصيل يتوجب سماعه من غير النهضة.
وأما ما تقول من أن الاسلام هو دين عقل وعلم وحرية ومدنية وديموقراطية، فهذه عين الحقيقة، وما تجدني أردد في مقالاتي دون هوادة.
وفي ما يخص العلمانيين وأنهم في غالبيتهم من المسلمين الغيورين على الاسلام، فليس هذا بالصحيح إجمالا، فهناك من هو على هذه الحال لا محالة، ولكن هناك البعض الآخر أيضا المتزمت تزمت من رفض رؤياه من الصف المقابل.
ثم أنت تختم بما تسميه اصطفافا بغيضا، وذلك ما لم لم أحبذه وما سعيت إليه، بل النهضة هي التي تفعل ذلك بانتهاجها أسلوب اللغة المزدوجة. لذا وجب التصدي لمثل هذه السياسة التي لا تأتي بجديد إذ كل من سبق النهضة في الحكم فعل ذلك.
ويكون هذا بالتصدي السريع حتى بالمقالات التي لا تستوفي ضرورة المنهج العلمي بحيثياته ولكن دون مجانبة الحقيقة. وطبعا لا شك أن مثل هذه المقالات لا تكفي وحدها إذ تكمل بالتحاليل العلمية الكاملة الأوصاف من الزواية المنهجية؛ ولعلك لا تنكر أني أفعل ذلك أيضا.
وخلاصة القول أن لكل مقام مقال؛ ومقالة النضال للحريات لا تكون دوما ضرورة في ثقل التحليل العلمي، بل هي أحيانا في خفة الشعار السياسي حتي تتناسب مع الهجمة المضادة على الحريات.
مع الشكر ودمتم لنا مطالعين.