parti-politique

 

بقلم محمد بن جماعة،

يختلف تعريف الانتماء لحزب سياسي من بلد لآخر. ففي بعض الدول، يعتبر الناخب عضوا في الحزب بمجرد إعلانه أنه من المصوتين له في الانتخابات. وفي بلدان أخرى، يجب أن يتخذ الشخص قرارا بالانضمام للحزب ودعمه ماديا من خلال دفع معلوم اشتراك دوري كي يصبح عضوا. وتوجد صور مختلفة للعضوية وبعضها غير مباشر، كأن ينضم الشخص لعضوية جمعية أو منظمة مشهورة بتبعيتها للحزب وكونها إحدى الجمعيات المنضوية تحت الإطار العام للحزب.

والأحزاب التي تمتلك عددا كبيرا من الأعضاء وتنظيما عاليا تحظى بعدة ميزات هامة في الحملات الانتخابية خصوصا فيما يتعلق بالدعاية وجمع المعطيات المفيدة بشكل تطوعي من أجل التأثير على اختيارات الناخبين.

وتوجد عموما نزعة واسعة لدى الأحزاب للحد من عدد أعضائها. ففي الديموقراطيات الحديثة، لا تتأسس الأحزاب على أساس مشاركة الأعضاء كما كان في السابق في أوروبا الغربية، بل أصبح التوجه أكثر نحو توظيف فرق محترفة في الحملات الانتخابية، والاعتماد على التمويل العمومي وهيمنة وسائل الإعلام في توجيه الرأي العام، يؤدي إلى اكتفاء الأحزاب بعدد صغير من الأعضاء.

ومن الملاحظ أيضا صعوبة تقدير عدد أعضاء أي حزب سياسي، ومقارنتها بالأحزاب الأخرى. فالأرقام الرسمية يمكن ألا تكون دقيقة، وبعض الأحزاب قد تنزع لتضخيم عدد أعضائها، كما يمكن تجنب الإدارة الدقيقة لسجلات العضوية، خصوصا في غياب قوانين واضحة تلزم الأحزاب السياسية ببيان ونشر سجلات العضوية.

ومن بين طرق تحليل دور الأعضاء في الحزب السياسي، أن نقارن بين أشكال التنظيم والهيكلة الحزبية من زاوية ما يتم إسناده من دور للأعضاء..

تصنيف هياكل الأحزاب السياسية:

يرى عدد من الباحثين أن تصنيف موريس دوفرجي (Maurice Duverger) الذي وضعه سنة 1956، يمثل أهم تصنيف علمي لهياكل الأحزاب السياسية. وهو يضع 3 أصناف للأحزاب، هي: أحزاب الإطارات، وأحزاب الميليشيات والأحزاب الجماهيرية.. وقد تم لاحقا إضافة صنف رابع من قبل أخصائيين آخرين هو: أحزاب “الكارتل” (Cartel) والنخبة الانتخابية.

1- أحزاب الإطارات:

يعتبر هذا الشكل من هيكلة الأحزاب، الشكلَ التقليدي والأقدمَ تاريخيا. وتتخذ هذه الأحزاب هيكلة غائمة نوعا مان تقوم على وضع القرار في يد عدد محصور من الأعضاء، في حين يكتفي بقية الأعضاء بدور بسيط في إطار هيكلة تنظيمية صورية. وتعتمد هذه الأحزاب أساسا على نخب سياسية وفرق مسئولين وقياديين في عدد من المستويات، أهمها فريق الكتلة النيابية.

2- أحزاب الميليشيات:

في هذا النوع من الأحزاب يتم منح العضوية لنطاق أوسع، ولكن الأعضاء لا يملكون أي تأثير على قرارات القيادة، ولا على السياسيات العامة للحزب، كما لا يملكون أي سلطة فعلية داخل الحزب، كأن يطالبوا مثلا بمحاسبة المسئولين في الحزب وعزلهم إن تطلب الأمر.

وتتخذ أحزاب الميليشيات شكل هرميا وهيكلة مبنية على الأوامر الفوقية ونمط رقابي قوي، ويتم انتداب الأعضاء بشكل صارم وشبه عسكري، ويحافظ الحزب على سلطته من خلال الرقابة التي يمارسها على الهياكل العسكرية والأمنية والبيروقراطية المدنية.

3- الأحزاب الجماهيرية:

في مقابل ذلك، تعتمد الأحزاب الجماهيرية على عدد كبير من الأعضاء، وبالتالي يتم منحهم أدوارا وصلاحيات أكثر أهمية. وتمثل الإيديولوجيا المشتركة والالتزام القوي بأهداف الحزب أهم الحوافز التي تشجع الأعضاء على المشاركة في أنشطة الحزب.

ويندرج تحت هذا النوع نوع أكثر خصوصية يمكن تسميته بأحزاب “الاندماج الاجتماعي” ويشهد هذا النوع من الأحزاب حركة عضوية قوية وواسعة النطاق، نتيجة دعمها للانفتاح وعدم التشدد والصرامة في شروط العضوية، ودعمها للأنشطة الثقافية والاجتماعية والحوارية المفتوحة التي تقرّب منها أكثر عدد ممكن من المواطنين، بحيث يشعر الأعضاء أو الأنصار بقيمتهم ودورهم المواطني، ووجود قيادة تنصت لهم.

وتمتلك بعض الأحزاب الجماهيرية منظمات غير حزبية مرتبطة بها في المجالات الثقافية والاجتماعية والنقابية والطلابية والتخصصات المهنية وغيرها.

4- أحزاب الكارتل والنخبة الانتخابية:

في بعض الدول التي تشهد نموا هاما في نسبة التمويل العمومي للأحزاب السياسية، أدى اعتماد الأحزاب أكثر على دعم الدولة إلى جدل واسع حول صعود صنف جديد من الأحزاب يسمى بأحزاب الكارتل (Cartel) أو أحزاب النخبة الانتخابية. ويعتمد هذا الصنف على عدد قليل من الأعضاء، وينزع لخسارة التواصل معهم ومع الناخبين.

ولا يعتمد هذا الصنف من الأحزاب على أعضائه وناشطيه المتطوعين لنشر رسائله السياسية، وإنما يعتمد في ذلك على وسائل الدعاية والإشهار الواسع، وصرف الأموال لذلك. وهذا النوع من الأحزاب ينزع نحو الحرفية العالية والتركيز على هياكل الحكم والساحة البرلمانية، في مقابل عدم الاهتمام بالمجتمع المدني.