وتتضارب الرّوايات حول حقيقة ما يحصل في الجبل ولكنّها تلتقي جميعُها في محور مشترك مفاده الاعتراف بخطورة ما آلت اليه الأمور خاصّة بعد أن ظهَر بالكاشف بأنّ وضعَ حدّ للمأساة الناجمة عن الانفجارات المتتالية للألغام لا يلوح له أفق قريب حيث بعثر الانفجار الاخير أوراق الخطّة الأمنية والعسكرية المعتمدة على مدى الاسابيع المنقضية و التي كانت تراهن على طيّ صفحة المساحات التي تمّ تمشيطها في الجبل واعتمادها “مساحةً محرّرة” خالية من الالغام يتمّ التحرّك فيها بحريّة من قبل العناصر الامنية والعسكرية المرفوقة بالعربات والوسائل القتالية ما شتّت تركيز الدوريات المشتركة وأدخل الاضطراب على أدائها خاصّة بعد وصول دويّ الانفجارات الى مناطق آهلة بالسكّان تبعد نحو 500 متر عن المنطقة العسكرية المغلقة بمحميّة الشعانبي.
جملة هذه التغيّرات غير المنتظرة فتحت باب التأويلات على مصراعيه في ما يتعلّق بكيفّية وتوقيت زرع الألغام التي انفجرت مؤخّرا في منطقة يُفترض أنّها “مُطهّرة” بالكامل من الالغام وكلّ أشكال الكمائن المحتملة ومكشوفة لدى عموم المتساكنين ما يجعل من فرضّية اعادة تلغيمها من قبل “الارهابيين” أمرا يصعب تصديقه.
روايات متضاربة
وذهبت الروايات الشعبية التي يتداولها أهالي القصرين الى التشكيك في أداء المؤسستين الامنية والعسكرية واتّهام من وصفوهم ب”الخونة” ومنتسبي “الطابور الخامس” بتعمّد زرع ألغام جديدة لتأزيم الوضع في الجبل وخلط أوراق العملية الامنية والعسكرية التي تمّ الشروع في تنفيذها منذ أكثر من نصف العام في مسعى الى خلق مناخ من الضبابية والشكّ والاحتراز في صفوف الامن والجيش من جهة وأهالي المنطقة من جهة أخرى حتّى لا تُغادر البلاد عتبة الاستنفار والتأزّم، في حين تذهب أصوات أخرى الى حدّ التشكيك أصلا في أحداث الشعانبي واتّهام الأجهزة المتنفذة في الدولة (الجيش، المخابرات، الخ..) بالوقوف وراء “صناعة” الارهاب تمهيدا لاجتثاث التيارات الاسلامية تماما مثلما حصل في القطر الجزائري خلال سنوات التسعينات الدموية حيث اتّضح لاحقا بأنّ عددا كبيرا من القيادات الارهابية كانت مخترقة من المخابرات العسكرية بل انّ بعضها كان صنيعة جهاز المخابرات.
وتنفي الروايات الرسمية الواردة على ألسنة وزير الداخلية والناطق باسم وزارة الدفاع “فرضيّة المؤامرة” وتُنزّه المؤسستين الامنية والعسكرية من أيّ تخاذل أو اختراق محتملين مرجّحة أن تكون “المجموعة الارهابية” المتحصّنة بجبل الشعانبي قد تلقّت دعما من عناصر مقرّبة منها تتحرّك خارج محميّة الشعانبي.
وأيّا كانت الرّواية الصحيحة، سواء الرسمية أو الشعبية، فانّ الواقع يشي بامكانية أن يتكرّر سيناريو الشعانبي في مناطق جبلية أخرى على امتداد الشريط الحدودي الغربي الذّي يعيش حالة اختراق من قبل المهرّبين منذ سنوات طويلة بسبب كثرة مسالكه الجبلية وصعوبة السيطرة عليه أو اخضاعه للمراقبة الشاملة.
تحوّل جذري في الأداء
وتؤكّد مصادر عسكريّة رفيعة المستوى، في تسريبات غير رسمية لموقع “نواة” بأنّ بعض الدّوريات العسكرية سبق لها أن رصدت عددا من المخابئ السرّية، على شاكلة مغاور وكهوف، في عدد من القرى التابعة لولاية الكاف على غرار جبل ورغة وسلاطة وقرن الحلفاية و بعض المناطق الوعرة المحاذية لها حيث عمدت الدوريات العسكرية في اكثر من مناسبة الى مداهمة تلك المغاور وحجز بعض الاغراض (أغطية، ملابس، أكل، عصيّ الخ..) قبل اغلاقها بواسطة الاسمنت والآجر لتُفاجأ بعد أيّام قليلة بقيام تلك المجموعات المتشددة باعادة فتح المغاور ليلا واستغلالها للنوم و القيام بأنشطة رياضية والتدرّب على فنون القتال.
ولا تُخفي مصادرنا خشيتها من امكانية أن تكون المناطق الجبلية ب”ورغة” و”سلاطة” قد تعرّضت بدورها للتلغيم على اعتبار أنّها تُعدّ من ضمن المساحات التي يُشتبه في أنّها مخترقة من قبل العناصر او المجموعات المتشدّدة. وتُضيف مصادرنا بأنّ الفترة المقبلة ستشهد القيام بعمليات تمشيط دقيقة ومتزامنة في المناطق السابق ذكرها بالاضافة الى جملة المناطق الجبلية التابعة لبلاريجيا وشمتو وتبرنق وبوقرنين.
ويبدو، بحسب جملة هذه المعطيات، بأنّ الفترة القادمة ستشهد تحوّلا جذريا في الاستراتيجيا الامنية والعسكرية في مستوى تعاطيها مع الارهاب والمجموعات المتشدّدة حيث سيتمّ اتّباع سياسة تمشيط استباقية واسعة النطاق بدل الاكتفاء بالردّ على تحرّكات العناصر أو المجموعات المتشدّدة على غرار ما يحصل الان.
وسجّلت المناطق الحدودية، الكاف والقصرين خاصّة، منذ اندلاع مواجهات الشعانبي استنفارا امنيا وعسكريا وشعبيا غير مسبوق اذ تحوّلت بعض القرى الحدودية الى ما يشبه الثكنة العسكرية المغلقة يصعب التحرّك فيها بحريّة. وشدّدت قوّات الجيش والحرس الوطنيين عمليات التفتيش والحراسة في المنافذ والبوّابات التقليدية (وادي الرمل، تاجروين، قلعة سنان، القلعة الخصبة) في اطار سعيها الى تضييق الخناق على تحرّكات العناصر المشبوهة.
وفي الوقت الذّي تتعهّد فيه الاجهزة الامنية والعسكرية بمواصلة الذّود عن الوطن والتصدّي لكلّ ما من شأنه أن يتيح للارهاب اقتلاع موطئ قدم على التراب التونسي، يشكّك أهالي القصرين في وجود الارهاب، أصلا، في منطقتهم ويهدّدون بتنظيم مسيرة “مليونية” باتجاه جبل الشعانبي قصد تمشيطه بأنفسهم ووضع حدّ لما اعتبروه “مسرحية سيّئة الاخراج” حتى يتسنّى للمدينة استعادة النسق الطبيعي للحياة الذي افتقدته منذ تمّ الاعلان عن تحصّن العناصر “الارهابية” بالجبل.
Je crois à notre militaire. Et je les encourage à jouer leur rôle convenablement.
Nous n’avons qu’a leur remercier…
نحن هنا لسنا بصد اتّهام هذا الطرف او ذاك بل تقديم مختلف الروايات التي تدور حول حقيقة ما يحدث في الشعانبي دون الانحياز الى ايّ رواية ما لم تتوفّر لنا الادلّة الدامغة
ماذا حققت زيارة كاتب الدّولة للهجرة للجالية بألمانيا ؟
قام السيد حسين الجزيري كاتب الدّولة للهجرة بزيارة إلى مدينة بون الألمانية استمرت ليومين ( 14 و 15 جوان 2013 ) التقى خلالها عشية اليوم الأول بدار التونسي عددا من النشطاء التونسيين ، وبعد مداخلة مطوّلة استعرض فيها الوضع السياسي التونسي، عرّج كاتب الدّولة عن واقع الجالية في كلّ من فرنسا وإيطاليا و ألمانيا مشيرا إلى بعض الأرقام المفزعة حول حالات الإنتحار التي أقدم عليها بعض الشباب التونسي في إيطاليا ، كما تحدث بإطناب على الكفاءات العلميّة في المهجر دون أن يقدّم مقترحات أو تصوّرات لتشجيعهم على العودة ، مشيدا في نفس الوقت بما تقوم به الجالية التونسية بألمانيا من تحويلات ماليّة إلى الدّاخل ، وفي ما يتعلّق بالهجرة الغير شرعية نوّه كاتب الدّولة بمجهودات أجهزة الدّولة في التصدّي لهذه الظاهرة دون طرح استراتيجية واضحة لمعالجة أسبابها ، كما أشاد بدور الحكومة في تقليص نسبة البطالة من 17,5 إلى 15,5 ، مضيفا بأنّ الواقع التّونسي مغايرا تماما لما ينقل في وسائل الإعلام مستحضرا تجربة ابنه ( 15 سنة ) الذي تحوّل من باريس إلى مواصلة الدّراسة في إحدى معاهد الأحياء الراقية بتونس العاصمة مفضّلا عدم العودة إلى باريس ، واعتبر أنّ الصورة القاتمة التي نقلت على مدينة سجنان لا تعكس حقيقة واقعها الهادئ، وأنّ تونس غير ذلك بكثير، مستشهدا بما شهدته مدينة جرجيس مسقط رأسه من تطورات على مستوى البنية التحتية ، ونسى السيد كاتب الدّولة أن يتحدث عن مناطق الشمال الغربي التي تفتقر لأبسط مقومات الحياة . وبعد ذلك أتيحت الكلمة للحاضرين فعبّر أحدهم عن امتعاضه من بعض المسائل المتعلقة بدار التونسي حيث يبلغ معلوم كراء الدار وحده 2500 يورو أي ما يعادل 5 آلاف دينار دون احتساب معلوم الماء والكهرباء وبعض الأداءات الإضافيّة الأخرى ، علاوة على أنّ المعلّم المكلّف بتدريس اللّغة العربيّة بالدار يأتي من مدينة هناو على بعد 100كيلو متر تقريبا والحال أنّ لنا من الكفاءات العلمية بالجهة ما يغني عن ذلك ، مضيفا بأنّ كلّ هذه المصاريف تثقل كاهل الدّولة وطالب بالحدّ منها واتخاذ إجراءات عاجلة في شأنها ، وفي تدخّل أخر تسائل أحد الحاضرين عن طبيعة مجلس الهجرة المزعم إحداثة وتركيبته وعلاقته بالهيئات الإدارية الأخرى ، كما تسائل متدخّل آخر في نفس السياق عن تباطئ كتابة الدّولة في تعميم دائرة الإستشارة وعدم تقديم تصوّر في شأن المجلس والحال أنّ ملتقى الجمعيات والمجتمع المدني الذي تمّ السنة الفارطة كان من المفترض أن يصدر توصيات وورقات عمل.
وفي إجابته على أسئلة الحاضرين اعتبر كاتب الدولة أنّ المعلّم المكلّف من طرف الدّولة ـ مزيّة من الدّولة ـ معتبرا أنّ المسؤولية ملقاة على الولي لتشجيع أبنائه للإستفادة من معلمي اللّغة العربيّة المنتدبين في المدارس الألمانية ، ونسي السيد كاتب الدّولة أنّ أغلب المعلمين لا يتقنون اللّغة الألمانيّة ممّا يصعّب من عمليّة التواصل بينهم وبين النّاشئة ، وفي نفس السياق اعتبر السيّد كاتب الدّولة أنّ اللّغة العربيّة هيّ اللّغة الثّانية بالنّسبة للمهاجرين والحال أنّ الدّستور التّونسي قد نصّ عليها بوضوح في فصله الأوّل ، أمّا في ما يتعلّق بمشروع مجلس الهجرة والتّونسيين بالخارج فأشار السيّد كاتب الدّولة إلى أنّه سيقع عرضه في اليوم الثاني من اللقاء ، مضيفا بأنّ ما أثير حول دار التّونسي من اعتراضات تبقى من مشمولات السيّد القنصل العام والملحق الإجتماعي و أنّ معلوم كراء الدار لا يراه مشطاّ نظرا لموقعه المتميّز ، ثمّ تحدث كلاما مطوّلا وأضاف ثمّ عرّج وعلّق ثمّ انتهى إلى رفع الجلسة إلى يوم الغدّ .
بدأ اللّقاء في اليوم التّالي حوالي السّاعة العاشرة صباحا بحضور بعض ممثلي الجمعيات ونشطاء المجتمع المدني وبعض الضيوف ، وفي كلمته أشار السيد كاتب الدّولة إلى نفس المواضيع تقريبا التي تحدّث عنها في اليوم السّابق ، معتبرا أنّ الجالية في المهجر ليست في حالة أزمة ، ثمّ أتيحت الكلمة بعد ذلك إلى سيّدة جامعيّة تونسيّة مقيمة بفرنسا أوكلت لها على ما يبدو مهمّة إعداد رؤية حول مجلس الهجرة والتونسيين بالخارج ، فأشارت في مداخلتها التي وجدت فيها صعوبة للتحدث باللّغة العربيّة أنّها بصدد التفاعل وربط الصلة مع المهتمين بموضوع الهجرة من أجل إعداد مشروع متكامل يستجيب لتطلعات الجاليّة .
انتهى اللّقاء المخصّص لهذه الفترة بعد تعقيب من كاتب الدّولة رآه البعض مملاّ ولا يستجيب لمتطلبات الجالية واحتياجاتها وعبّر أحدهم بالقول : ‘تونس يا يتيمة ها جماعة وين هازينا‘
نورالدين الخميري ـ صحفي تونسي