تتابع وحدة رصد وتوثيق الإنتهاكات الواقعة على الإعلام التونسي باهتمام شتى ردود الفعل على النسخة الأخيرة من مسودّة الدستور التونسي الذي يعكف على إعداده المجلس الوطني التأسيسي.وإن كان الدستور برمته يعنيها بوصفه بان لأسس دولة المواطنة والديمقراطيّة، فإنّه يعنيها بالخصوص ما يوفّره من ضمانات لحرية الصحافة والصحافيين.
إنّه من خلال هذه المسودة هناك أربعة محاور هامة تستوجب المناقشة وإبداء الرأي أوّلها يتعلق بتجاهل توطئة مسودة مشروع الدستور للإشارة إلى حرية التعبير والإعلام، وثانيها الكيفية التي تم التنصيص بها على مبدأ حرية الإعلام، و ثالثها يتعلق بحرية النفاذ إلى المعلومة و رابعها بإنشاء هيئة مستقلة للإعلام .
*التوطئة :
لم تنصّص التوطئة صراحة على الالتزام بحماية الحق في التعبير والإعلام ، وفي هذا الإطار كان من الأجدر التنصيص صراحة على ضمان الحق في التعبير وفق المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادقت عليه الدولة التونسية في شهر مارس 1969. وتنصّ المادة 19 المذكورة على أنه:
“لا يمكن مؤاخذة أي شخص من اجل أفكاره.
لكل شخص الحق في حرية التعبير ، ويشمل هذا الحق حرية النفاذ الى مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونشرها ، دون اعتبار للحدود، سواء في شكل شفوي أو مكتوب أو مطبوع أو فني آو بأي وسيلة أخرى يختارها.
وتتضمن ممارسة الحريات المنصوص عليها بالفقرة الثانية من المادة المذكورة واجبات خاصة ومسؤوليات مخصوصة. ويمكن أن تخضع ممارسة تلك الحريات لبعض القيود التي يجب التنصيص عليها صراحة من قبل القانون كما يجب أن تكون تلك القيود ضرورية :
• احترام حقوق الغير وسمعتهم
• حماية الأمن الوطني والنظام العام والصحة والآداب العامة.”
إن اعتماد المادة 19 يجنب اللجوء إلى التنصيص على قيود إضافية تضرب الحق في التعبير في الصميم كما يغلق الباب نهائيا أمام كل مسعى لوضع قيود يمكن أن تذكرنا بتلك التي نص عليها الدستور التونسي لسنة 1959 .
*حرية الاعلام:
جاء بالمادة 30 من المسودة أن:
“حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة.
لا يمكن الحد من حرية التعبير والإعلام والنشر إلا بموجب قانون يحمي حقوق الغير وسمعتهم وأمنهم وصحتهم.
لا يمكن ممارسة رقابة مسبقة على هذه الحريات “.
ما يمكن ملاحظته بخصوص المادة 30 المذكورة هو انه كان من الأجدر إيراد النص الكامل للمادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية نظرا لما يتضمنه من ضمانات لحرية التعبير وتوسع في تكريسها وضبط لمجالات وحالات تقييدها. فالمادة 19 شارت إلى أن حق التعبير يشمل حريات البحث عن المعلومات والأفكار وتلقيها ونشرها دون اعتبار للحدود وباعتماد مختلف الوسائط الممكنة. كما اشترطت المادة 19 إمكانية التنصيص على بعض القيود التي يجب أن تضمن صراحة وبدقة من خلال القانون ، وان تكون تلك القيود ضرورية في علاقة بحقوق الغير وسمعتهم آو بالأمن الوطني والنظام العام والصحة والآداب العامة . أما نص المادة 30 من المسودة فإنها لم يورد أي تفصيلات بخصوص القيود التي يمكن أن توضع أمام حرية التعبير، كما جاءت عبارة النص وكأن التقييد حاصل في كل الحالات ولو كان غير ضروري.
الحق في النفاذ الى المعلومة:
نصت المادة 31 من مسودة الدستور على أن :
” الحق في النفاذ إلى المعلومة مضمون في حدود عدم المساس بالأمن الوطني وبالحقوق المضمنة في الدستور.”
يمكن القول إن المادة 31 من مشروع المسودة الأخيرة لا تفي بالغرض بخصوص حق الأفراد في النفاذ إلى المعلومات وكان من الأجدر الاكتفاء بالتنصيص على المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي يتضمن في فقرته الثانية حرية كل إنسان في النفاذ إلى المعلومات والأفكار مهما كان نوعها وبقطع النظر عن الحدود.
وبحسب عبارات المادة 31 من المسودة فان تقييد النفاذ إلى المعلومات هو أمر آلي إذا كان متعلقا بقضايا الأمن الوطني أو بالحقوق المضمنة بالدستور ، ولم تشترط المادة المذكورة أن تكون القيود ضرورية . علاوة على أن التضييق على الحق في النفاذ إلى المعلومة يطبق أليا إذا تم المساس بالحقوق المضمنة بالدستور ، وهذه الحقوق غير محددة حسب عبارة النص و تبقى غامضة وفضفاضة.
هيئة الاعلام:
نصت المادة 124 أنّه:
” تتولى هيئة الإعلام تعديل قطاع الإعلام ،وتطويره ، وتسهر على ضمان حرية التعبير والإعلام وحق النفاذ إلى المعلومة ، وعلى ضمان إعلام تعددي نزيه.
وتستشار الهيئة وجوبا في مشاريع القوانين المتصلة بمجال اختصاصها.
تتكون الهيئة من تسعة أعضاء مستقلين محايدين من ذوي الكفاءة والنزاهة ، يباشرون مهامهم لفترة واحدة، مدتها ست سنوات ، ويجدد ثلث أعضائها كل سنتين”.
بحسب نص المادة 124 المذكورة فان هيئة الإعلام تشمل كافة القطاعات الإعلامية السمعية والبصرية والمكتوبة والالكترونية.
وإذا كان إحداث هيئة مستقلة للاتصال السمعي والبصري امرأ مطلوبا ، فان شمول الهيئة المشار إليها في مسودة الدستور للصحافة المكتوبة والالكترونية هو بدعة لا نظير لها في أي نظام ديمقراطي. وعليه فان الفصل 124 يجب أن ينقح ويوضح صراحة أن الهيئة المذكورة تتعلق بالاتصال السمعي والبصري لا غير، وانه يجب عليها مراعاة المعاهدات والمواثيق الدولية المتعلقة بحرية التعبير والحق في النفاذ إلى المعلومات.
تتمتع هذه الهيئة الدستورية حسب المادة 122 من المسودة ” بالشخصية القانونية والاستقلالية الإدارية والمالية وتنتخب من قبل مجلس نواب الشعب وترفع إليه تقريرا سنويا وتكون مسؤولة أمامه. ”
إن هيئة الإعلام المقترحة هي عبارة عن هيكل سياسي سيمثل رقيبا على الإعلام يذكر بوزارة الإعلام تحت عناوين التعديل والتطوير وضمان التعددية والنزاهة.وحسب المشروع المقترح فان الهيئة ستخضع لمنطق المحاصصة الحزبية والسياسية عند انتخاب أعضائها من قبل البرلمان.ولم تضع المسودة أية شروط خاصة بخصوص الانتماء المهني للأعضاء واكتفت بعبارات “أعضاء مستقلين، محايدين من ذوي الكفاءة والنزاهة” إن العبارات المستعملة بخصوص تركيبة الهيئة تبقي الأبواب مفتوحة لكل الاحتمالات وستفضي إلى إقصاء آهل المهنة من أن يكون لهم رأي في تسيير قطاعهم وتطويره والنهوض بحرية التعبير والإعلام.
إن أفضل طريقة لضمان استقلالية هيئة الاتصال السمعي والبصري ونجاعة عملها في تعديل القطاع وتطويره وضمان حرية التعبير والإعلام هي أن تكون تركيبتها شاملة للصحافيين ولأصحاب المؤسسات الإعلامية وللممثلين النقابيين على قاعدة الهياكل الأكثر تمثيلا، علاوة على ممثلين للسلطة القضائية والتشريعية والتنفيذية. وهذا التنوع في التمثيل يضمن التوازن ويحمي عمل الهيئة ضد أي انحراف.
إن مركز تونس لحرية الصحافة الذي يقدر أيّ مجهود يقوم به أعضاء المجلس التأسيسي من اجل الوصول إلى وضع دستور ديمقراطي من اجل تونس الحديثة، يعتبر أنّ هناك ثغرات خطيرة في المسودة الأخيرة من مشروع الدستور التونسي بما فيها المتعلقة بحرية الإعلام والتعبير يمكن أن تفرغ الدستور من محتواه، و يهمّه أن يقدم التوصيات التالية بغرض الوصول إلي أحكام دستورية متلائمة اكثر ما يمكن مع المواثيق و المعايير الدولية في الصد:
• التنصيص في التوطئة على حرية التعبير كإحدى ضمانات النظام الديمقراطي
• التنصيص على محتوى المادة 19 من الميثاق الدولي للحقوق السياسية و المدنية عوض المادة 30 من مشروع الدستور المقترح
• ضمان الحق في النفاد إلي المعلومات و حصر القيود طبق ما نصت عليه المادة 19 من الميثاق العالمي للحقوق السياسية و المدنية ودلك بان يحدد القانون تلك القيود بدقة و ان تكون ضرورية
• حصر مجال عمل هيئة الإعلام في القطاعين السمعي و البصري لا غير, و ضمان تركيبة متوازنة تشمل الصحفيين و أرباب الصحف و النقابات و ممثلين عن السلط التشريعية و القضائية و التنفيذية و بعيدا عن المحاصصات الحزبية و السياسية.
وحدة رصد وتوثيق الإنتهاكات الواقعة على الإعلام التونسي بمركز تونس لحرية الصحافة
iThere are no comments
Add yours