بقلم محمد علي أمية،
الكثير من الدول والقوى الخارجية تتضارب مصالحها مع نجاح ثورة تونس لذا هي تسعى لإفشال هذه الثورة التي داهمتها فجأة فأفسدت عليها ما كانت تظن انها توازنات مستقرة تحت السيطرة.
فالجارة التي شن جيشها حربا على مدى سنوات قتل فيها العشرات من الألاف بحجة ان الإسلاميين سيكونون خطرا كبيراعلى باقي المجتمع إذا ما كانوا في السلطة لا يمكن أن تسمح بنجاح حكومة في تونس مابعد الثورة يتقاسم فيها الحكم حزب إسلامي و حزبين مابين يساري و علماني.فالتجربة إلى جانب أنها مستفزة جدا خطورتها الحقيقية تكمن في أنها تنسف نظرية بأكملها.
من جهة أخرى الشريك الإقتصادي الأول لتونس لن يقبل خسارة نفوذه و مصالحه في مستعمرته القديمة و هي خسارة حتمية بالنظر إلى القدرة التنافسية لشركاته بالمقارنة مع القوى الإقتصادية الجديدة في العالم و ذلك إذا ما إعتمدت تونس ما بعد الثورة أساليب الشفافية و معايير المنافسة الحقيقية في إقامة الصفقات و طلبات العروض الدولية. لذا ترى هذه الدولة منذ أن إلتحقت مكرهة و متأخرة بصفوف المساندين لثورة تونس تسعى لإنقاذ ما يمكن إنقاذه و ذلك بمساندة الفصائل الأقرب لها ثقافيا أملا في مواصلة سياسة دعم المصالح اإقتصادية بالضغط السياسي من جهة و الإرشاء من جهة أخرى.
جهات أخرى تزعجها أن تتسع التجربة الجديدة في تونس للإسلامي و الليبرالي و اليساري في تعايش سلمي تنظمه قواعد ديمقراطية و ما يزيد في إنزعاجها هو التقارب مع تركيا و الإستلهام من تجربتها، فهذا الإسلام المعتدل الذي يؤمن بقيمتي العلم و العمل و الذي يجعل التنمية هاجسه الأول (انظر التجربتان الماليزية و التركية) يؤرق بعض الدول لأنه يضرب في الصميم قواعد و أسس الحكم فيها المبني على حلف بين الملك و الفقيه لا يجوز نقده و لا مراجعته و لا حتى الخوض فيه.
هذه أمثلة على بعض الجهات التي ستواصل حتما محاولاتها إفشال الثورة التونسية و منعها من تحقيق أهدافها الحقيقية من عدل و حرية و تنمية شاملة. إنه يبدو بديهيا أن كل الجهات الأجنبية التي كانت تستثمر لمصلحتها الإختيارات الإقتصادية السيئة بالإضافة إلى مناخ الأعمال الذي إستشرى فيه الفساد قبل الثورة ستحاول توجيه تونس في الطريق الذي يؤدي بتونس إلى حالتها السابقة و هو حتميا الطريق إلى دكتاتورية جديدة.
إن خطر رجوع الدكتاتورية خطر حقيقي وهو يكبر بقدر تعفن الأوضاع السياسية و الإجتماعية في البلاد. إن محاصرة أنصار حركة النهضة و الإصطفاف ضدههم بعنف و الدعوات التي بدأت تسمع هنا و هناك لإقصائهم و التضييق عليهم و ربما دعت إلى أكثر من هذا من شأنها دفعهم إلى ردود فعل عنيفة و هي تؤدي إلى تغليب الشق المتشدد داخل الحركة كما يمكن أن تؤدي في مرحلة قادمة إلى خلق قناعة لدى أنصارها أن لا أمل في العمل داخل المنظومة الديمقراطية بحيث انه في كل مرة يصل اإسلاميون إلى الحكم عبر صناديق الإقتراع يقع الإلتفاف عليهم كل مرة بحجج مختلفة (الجزائر، مصر، تونس).
إن هذا السيناريو المتمثل في تأجيج صراع عنيف بين الإسلاميين من جهة و بقية المجتمع من جهة ثانية هو بالظبط ما تريد القوى الخارجية المناهضة لثورتنا تحقيقه في تونس و هو سيؤدي حتما بعد التأزم السياسي إلى تعميق الأزمة الإقتصادية و من ثمة إلى الأزمة الإجتماعية الخطيرة و انهيار الدولة و يأتي المنقذون من أصدقاء تونس التاريخيين بالدكتاتور المستنير الجديد و الذي سيثبت بعد مدة قصيرة أنه دكتاتور فعلا و لكنه غير مستنير.
على الشعب التونسي الذي حقق ثورته أن يكون مدركا لما يحاك ضده لإفشال ثورته بحيث لا ينساق من غير وعي في أعمال و مخططات موجهة ضده. و على النخبة السياسية أن تغلب المصلحة الوطنية المتمثلة أولا في الوئام و السلم الإجتماعيين و عدم الإنخراط في تحالفات خارجية ربما حققت أهداف قصيرة المدى من قبيل إسقاط حكومة مثلا و لكن في النهاية تكون نتائجها غرق السفينة بالجميع. فالجميع يجب أن يلتزم بالولاء لتونس و لتونس وحدها.
إنه لا خيار لتونس اليوم إلا في التعايش بين مختلف التيارات داخل منظومة ديموقراطية بحيث يتقبل كل تيار التيار الآخر بل و يدافع على حقه في التعبير عن أفكاره. لا خيار إلا القبول بالإسلاميين كأبناء لهذا الوطن كاملي الحقوق بما في ذلك حقهم في ممارسة الحكم.
تجربة حكم إئتلافي بين إسلاميين وغير إسلاميين في تونس هي في رأيي الطريقة المثلى لتسيير البلاد في السنوات القادمة في إنتظار رسوخ التجربة الديموقراطية في بلادنا و نضوجها بحيث نترك تدريجيا لآليات الديموقراطية تسببر حياتنا السياسية.
محمد علي أمية.
بدون إنتماء سياسي.
سي محمد علي أمية أهنئك صراحة على هذا المقال الذي أجدني متفقا تماما مع ما فيه من أفكار رصينة و قراءة عقلانية للواقع التونسي و الإقليمي و الدولي .. مثل هذا الفكر المستنير الذي يفيض من بين السطور هو ـ في تقديري ـ الفكر البناء الذي يمكن أن يحصن الثورة التونسية حقا و ينأى بها عن الفظاعات الرهيبة التي ترتكب حاليا في مصر الكنانة قلب الأمة العربية و الإسلامية ، قلب الشرق العظيم مهبط الرسالات السماوية ، قلب العالم القديم و الحديث .. إن التحشيد و التجيشش الإعلامي الإجرامي للشارع ضد طرف معين ـ أيا كان ـ هو جريمة في حق الوطن نرى وقعها المدمر على السلم الأهلي في مصر ، حيث يتقاتل المصريون في الشوارع كأنما أصابهم مس من الجنون و تجد الواحد منهم يحقد على الآخر المختلف معه في الرأي إلى درجة لا يتورع معها عن قتله و سحله و التمثيل بجثته دون وازع من دين و لا ضمير و لا إحساس .. رحماك يا رب .. أرى أن عقلاء البلاد لابد أن يعجلوا بصياغة دستور دائم للتونسيين و يتجاوزوا النقاط التي تثير لغطا و جدلا عقيما و أن يقدم كل طرف ضمانات للآخر باحترام أحكام ذلك الدستور الذي يبقى سقفا يستظل به الجميع و يحمي البلاد من تغول أي طرف بالإستعانة بمحكمة دستورية عليا تبت في دستورية أي قانون يسن لاحقا أو إجراء تقدم عليه سلطة من السلطات : تنفيذية كانت أو تشريعية او قضائية .. فإذا كانت أصل البلاء هو وجود مخاوف متبادلة بين الفرقاء السياسيين ، ففي اعتقادي أن تبديد تلك المخاوف كفيل ـ إذا صدقت النوايا ـ بتحقيق انتقال سلس نحو حياة ديمقراطية لا يحكمها منطق الغلبة و القهر حتى و إن استندت إلى نتائج الإقتراع و إنما تسودها روح التوافق الوطني في ظل احترام تام للدولة المدنية ـ لا العلمانية المتطرفة ـ دولة القانون و المؤسسات و الفصل بين السلطات و التداول السلمي على السلطة و تحييد الإدارة عن الحياة الحزبية و كذلك المساجد و النأي بالمؤسسة العسكرية عن الشأن السياسي و الإستئناس برأيها مع ذلك في إطار مجلس أمن قومي يكون هيئة عليا توكل إليها مهمة حماية الدولة من الأخطار الخارجية المحدقة أو خطر الإرهاب ( الذي يحتاج إلى تعريف دقيق وموضوعي ) .. الدرس المصري بليغ رغم أنه أليم موجع .. و العاقل من ينظر في العواقب و يتعظ بمحن غيره .. نسأل الله سبحانه أن يعجل بزوال الغمة عن مصر الشقيقة و شعبها الطيب المتحضر .. وأن يمن على بلادنا بالاستقرار و الطمأنينة و يحمي هذه الأمة التي أرادها الله سبحانه خير أمة أخرجت للناس ، من الفتن و الاستبداد و التطرف الأسود أيا كان مأتاه ..
Usually I would not understand document on sites, however i wish to claim that the following write-up really forced my family to see plus do so! Your own way of writing has become pleasantly surprised my family. Appreciate it, pretty terrific article.