بقلم صفاء متاع الله،
تنامت في الفترة الأخيرة ظاهرة العنف على شبكات التواصل الاجتماعي خاصة “الفايسبوك” والذي صار يشكّل منذ سنوات ركيزة أساسية في حياة المواطن التونسي مثله مثل التلفاز وغيره من وسائل الترفيه. عنف اختلفت أشكاله بين التشهير والتشويه والتجريح والمس من كرامة البعض عن طريق تعليقات أو صور كاريكاتورية ساخرة إضافة إلى انحدار المستوى الأخلاقي حتى في الألفاظ المستعملة. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ عديد الصفحات الاجتماعية اليوم باتت مختصة في التشهير وبث الفتنة والسعي إلى ترسيخ منظومة ثقافية غريبة عن مجتمعنا على غرار صفحة شيوخ السلفية وصفحة أنصار حركة النهضة و الرابطة الوطنية لحماية الثورة.
وفي ظل تخوف عديد الحقوقيين من استفحال هذه الظاهرة الخطيرة ارتأينا الاتصال بالدكتور معز بن حميدة المختص في علم النفس الاجتماعي للوقوف عند أسباب تفاقم هذه الظاهرة وتأثيرها على المجتمع وعلى ما يحصل في الساحة السياسية خاصة.
“الفايسبوك”: صراع متواصل على السلطة
في بداية حديثه أشار الدكتور معز بن حميدة إلى أنّه لا يمكن لأي كان أن ينفي دور الشبكات الاجتماعية في ترسيخ ثقافة جديدة مبجّلة عند الفئة الشابة بشكل خاص. “الفايسبوك” هو الآخر بات أكثر من مجرّد فضاء افتراضي يلتقي فيه الأصدقاء بل صار مصدرا لاستسقاء المعلومة ومنبرا للخطب السياسية والدينية وغيرها وكذلك سلطة عبره يتم تحريك الشارع من خلال الدعوات المتكررة للتحرك وتنظيم المسيرات. وهنا يشير الدكتور معز بن حميدة إلى أنّ هذا الفضاء سمح لأطراف أجنبية بالتدخل في الشأن الثقافي التونسي من خلال نشرها لثقافة جديدة غريبة عن الشعب التونسي عبر صفحاتها الخاصة إضافة إلى وجود صفحات تخضع لتمويل خارجي وداخلي تعمل ليلا نهارا على نصرة طرف سياسي دون آخر. يقول الدكتور إنّ تحوّل هذا الصراع من الشارع إلى الشبكات الاجتماعية هو أكبر دليل على أنّ الصراع على السلطة مازال متواصلا وأنّ كل طرف يعمل جاهدا لفرض سيطرته على الآخر.
غياب الرقابة الاجتماعية والسياسية في “الفايسبوك”
من زاوية أخرى، أكد الدكتور معز أنه لا بد من الوقوف على مفهوم العنف قبل الغوص في تحليل هذه الظاهرة وهو حسب رأيه استعمال للقوة ولمواقع السلطة وكل الفضاءات حتى الاجتماعية بهدف امتلاك السلطة في المجال السياسي. واليوم، نحن نشهد على الصفحات الاجتماعية الخاصة بالأحزاب استعمالا مكثفا للعنف كما لاحظه المختصون في علم النفس الاجتماعي والمراقبون من عنف لفظي إلى العنف المادي وهو كل ما يشمل الدعوة إلى الاقتتال وبث الفتنة التي يمكن أن تتسبب في تقسيم الشعب وتحييده عن أخلاقه التي تربي عليها وعن قيم التسامح وحق الاختلاف. يضيف الدكتور معز: “للأسف هذا العنف الذي نشهده بصفة يومية على الصفحات الاجتماعية لا يوجد فيه أي شكل من أشكال الرقابة لا اجتماعيا ولا قانونيا. وأنا أعتقد أن غياب الأخلاق في الممارسة السياسية هي التي وصلت بنا إلى هذه النقطة حيث سمح بعض السياسيين بممارسة هذا النوع من العنف من قبل أنصارهم دون حدود ودون وعي بخطورة هذه الظاهرة. واليوم لا يوجد أي مواطن تونسي محميّ من هذا العنف بشكل فعلي وأي انسان كان قادر على إلحاق الأذى به وتعنيفه سواء عبر صورة مفبركة أو تعليقات جارحة ومسيئة أو غيرها من الوسائل المتاحة”.
أسباب انتشار ظاهرة العنف
أشار لنا الدكتور معز بن حميدة أن أسباب تنامي ظاهرة العنف على الشبكات الاجتماعية متعددة ومختلفة وبدأ بالحديث عن الأسباب الموضوعية حيث يرى أن هذه الممارسات كانت متوقعة في ظل عجز الحكومة الانتقالية على المسك بزمام الأمور بل وتورط عدد من أنصارها في هذه الممارسات إضافة إلى أنّ تونس ككل البلدان العربية شهدت عقودا من الكبت وتكميم الأفواه التي خلقت ما يسمى بحمّى الثورة. هامش كبير من الحرية وعجز عن فرض النظام والرقابة سببان كفيلان بانتشار هذه الظاهرة وتفاقمها. فالأفراد اليوم يشعرون بأنهم قادرون على كسر كل حواجز المدنيّة وما تفرضه من احترام للآخر وأنهم قادرون على التعبير بحرية دون التعرض للعقاب أو المحاسبة.
من الأسباب الأخرى أيضا يرى الدكتور معز أنّ المجتمع يعيش اليوم حالة من التمرد على الثالوث المحرّم: الدين والسياسة والجنس. هذه الرغبة جاء التعبير عنها بطريقة مشوهة من قبل مجتمع دون ثقافة. ففي غياب التأطير والتربية السليمة للناشئة أصبحنا نرى صورا مشوّهة على “الفايسبوك”، لتصلك أحيانا صور إباحية لا تمت للأخلاق بصلة أو تعليق فظ وعنيف أو سخرية من المقدسات . إنّ غياب السلطة والتحكم وفقدان الدولة مفهومها وموقعها جعل مجتمعنا اليوم عرضة لعديد الاختراقات الداخلية والخارجية من قبل عديد الأطراف. مثلا، لقد ظهرت بتونس اليوم مواقف اجتماعية وسياسية وثقافية دينية متطرفة الهدف منها إرباك الآخر للحصول على موقع داخل المشهد السياسي، وفي غياب الأخلاق كما ذكرنا سابقا، سمحت هذه القوى لنفسها بممارسة وسائل العنف على “الفايسبوك” لإذلال الآخر وطمسه والحط من هيبته. وهنا يعتقد الدكتور أنّ الانسان العاقل المدني عليه قبل الانتباه إلى التشويه التفطّن أيضا إلى الطريقة التي تم التشويه بها وبالتالي سيجد نفسه غير قادر على التعاطف معها.
العنف اللفظي قد يتحوّل إلى سلوك يهدد مدنية المجتمع
بعد أن جئنا على ذكر أبرز الأسباب التي أدّت إلى انتشار ظاهرة العنف على الشبكات الاجتماعية وخاصة منها “الفايسبوك” كان لا بد لنا من الوقوف أيضا على تأثيرها على رواد هذا الفضاء وعلى نتائجها المتوقعة حسب المختصين. يرى الدكتور معز بن حميدة أن هذا العنف هو ظاهرة خطيرة جدا على المجتمع التونسي والخوف الأكبر هو أن يصبح هذا العنف وما يشمله من انتهاك للمدنية واحترام الآخر عادة وسلوكا طبيعيا جدا . وهذا ما بدأ بملاحظته المختصون في علم النفس الاجتماعي حسب قوله حيث أنّ قلة الوعي بخطورة هذه الممارسة والتحريض من قبل السياسيين خاصة إضافة إلى الأجواء المشحونة في الساحات وغياب الرقابة كلها تؤدي إلى عدوى العنف حيث يتأثر رائد هذا الموقع بما يراه يوميا إلى أن يتحول الأمر عنده إلى أمر عادي ليجد نفسه أخيرا متورطا فيه وبصدد ممارسته. هذا السيناريو بالنسبة للدكتور سيؤدي حتما إلى طمس الهوية التونسية والأخلاق والقيم المتعلقة بهذا المجتمع وسيربي الناشئة على الهمجية والضرب عرض الحائط بالتسامح والتآخي وكل القيم التي قد تنأى بمجتمعنا عن الوقوع في حرب أهلية أو فتنة لن يعرف الخلاص منها. كما قد يؤدي هذا العنف إلى مقاطعة البعض لهذه الشبكات الاجتماعية التي بدأت تتسبب لهم في حالة من الاحباط والنفور مما يشاهدون ويقرؤون.
خروج العنف من الافتراضي إلى الشارع أمر وارد جدا
سألنا الدكتور معز بن حميدة عن إمكانية خروج هذا العنف من الافتراضي إلى أرض الواقع وما قد ينجر عنه من مخلفات فأشار لنا أنّ عديد المختصين في مجال علم النفس الاجتماعي أكدوا أنّ فرضية خروج العنف الممارس في الشبكات الاجتماعية إلى الشارع واردة جدا فإذا ما استبطن رواد “الفايسبوك” مثلا المواقف ونوعية الخطاب الهمجي من ذلك الفضاء يكفي أن تتوفر لهم الأرضية الملائمة لتطبيقه في الشارع. وفعلا لقد بدأنا نشهد اليوم هذا العنف الذي انطلق أساسا بعد الانتخابات على “الفايسبوك” في الشارع من خلال التعنيف المادي الذي تعرض له عديد الفنانين والإعلاميين والسياسيين أيضا وحتى في المظاهرات السلمية التي اعتدت عليها أطراف متسمة بالعنف وغيرها من الأحداث التي تؤكد أنه إذا لم يتم التنبه إلى هذه المسألة والإسراع بمعالجتها فإن تونس ستدخل منعرجا خطيرا لا يحمد عقباه. يقول الدكتور معز: “طبعا نحن لا نتمنى الوصول إلى تلك المرحلة التي يصبح فيها العنف هو الخطاب السائد بين الفئات المختلفة فتونس بلد متسامح ويسع الجميع إذا ما أمسكت الدولة بزمام الأمور ولعبت دورها الريادي في فرض الاحترام بين المواطنين بمختلف انتماءاتهم السياسية وتياراتهم الفكرية”.
على المثقف أن يضطلع بدوره الريادي في مقاومة العنف
في النهاية عبّر الدكتور معز عن اقتناعه بضرورة الالتفات إلى ظاهرة العنف على الشبكات الاجتماعية وأن المثقف التونسي اليوم تقع على عاتقه مهمة الارتقاء بوعي المواطن وتنبيهه إلى مغبّة السقوط في مثل هذه الممارسات. كما أشار إلى ضرورة منح المثقفين حيّزا أكبر في مجال الاعلام المرئي والمسموع حيث اعتبر أنّ السياسيين هم المسيطرون على البرامج التلفزيونية رغم أنهم بعيدون كل البعد عن الحياد وخطابهم لا يخلو من التحريض الذي يساهم في تأجيج هذه الظاهرة. ودعا المثقفين إلى القيام بحملة تحسيسية ضد العنف من خلال تنظيم ندوات وتظاهرات وتسخير كل ما يمكن للحد من هذه الظاهرة.
تبقى مسألة الحد من ظاهرة العنف المنتشر على الصفحات الاجتماعية مسؤولية الدولة التي على أجهزتها الالتزام بالحياد ولعب دورها في الحفاظ على مبادئ الدولة المدنية وحماية مواطنيها من العنف المسلط عليهم من أي طرف كان. إنّ ما يحتاجه مجتمعنا اليوم هو مثقفون قادرون على الوصول بالشعب إلى الوعي الضروري بخطورة المرحلة ومؤسسات دولة قادرة على المسك بزمام الأمور في سبيل الحفاظ على تماسك الشعب التونسي والحؤول دون الوقوع في فتنة بدأنا نشتمّ نيران دخانها المتصاعد.
Takriz ont été les premiers à poster la recette du coktail molotov … Amina Femen vient de poster avec un cocktail molotov avec le signe anarchiste sur l’épaule…. “Jerdhene”, “khafafiches”, “7arzet”, “jawari”…. etc, makhybek ya san3ti 3and ghiri!!!!!
J’apprécie l’article mais aurais aimé voir des illustrations des 2 camps. ceci dit, bien que les partis laics d’opposition renient les violents qui se sont glissés malgré eux dans leur camp au point de s’en voir également insultés (Jalel Brick n’épargne pas une occasion pour humilier Hamma Hamami), Nahdha tire de son côté plein avantage et finance avec les deniers publics sa part de violence sur internet…Les implications étant dans les faits différentes car ds un cas c’est 3achwa2i sans plus et dans l’autre relevant d’une vraie stratégie, la réponse doit néanmoins être la même pour préserver cohérence et impartialité.