samir-elwafi-ettounsia

بقلم احمد الرحموني، رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء

ربما تكون الحادثة التي سأرويها لكم بكامل الأمانة واقعة عادية قد لا تثير خصوصا لدى اهل المهنة من الصحفيين او القائمين على المؤسسات الإعلامية اهتماما كبيرا بل قد يجد لها المتسببون فيها اعذارا مختلفة. اما فيما يخصني فقد وجدت صعوبة في استيعاب حصولها وفي الوقوف على دوافعها ودلالاتها في سياق حرية التعبير والصحافة التي نعتقد وجودها منذ بداية الثورة.
ولا اخفي عليكم ان ما حدث معي مساء يومي السبت والاحد 8 و 9 فيفري 2014 في علاقة بقناة التونسية وبالأساس مع برنامج “لمن يجرؤ فقط” المخصص لاحداث رواد لم يكن ليخطر على بالي لأني لم أكن اتصور ان القائمين على القناة والبرنامج يمكن ان “يجرؤوا” عليه بمعايير الأخلاقيات الصحفية او حتى بمقاييس العلاقات الانسانية.

وقد كانت هذه الحادثة مناسبة لكي استعيد واقعة قديمة حصلت لي في ديسمبر 2004 مع احدى الصحف التونسية الناطقة بالفرنسية من دار الأنوار التي اجرت معي بواسطة احد الصحفيين حديثا حول الانتخابات التي رشحتني بعد ذلك رئيسا لجمعية القضاة التونسيين قبل ان تتم ازاحتي من قبل السلطة وقد كان من المنتظر ان ينشر ذلك الحديث بالصحيفة مع الصور التي تم التقاطها لكن رقابة البشير التكاري والملحق الصحفي بوزارة العدل لم تكن لتسمح بنشر اي حديث يتطرق لاستقلال القضاء في ظل نظام يعمل على إلغاء دوره إضافة الى اني لم اكن اعول كثيرا على مساحة الحرية المنعدمة في تلك الايام .

غير ان ذلك وان كان طبيعيا في ظروف الاستبداد فانه يبدو مختلفا او حتى غير قابل للتصديق في الظروف الجديدة.

ورغما عن ذلك فقد شهدت شخصيا في مناسبتين ممارسات مماثلة بعد الثورة:

تتعلق الاولى بحديث كنت ادليت به لصحيفة الشروق في اواخر سنة 2013 بطلب من احدى الصحفيات العاملات بالجريدة ردا على مواقف و تصريحات صدرت عن حزب الحركة الدستورية بشان ما عبرت عنه بخصوص حل التجمع و الاحزاب المتولدة عنه.

وقد تاكد لي بعد فترة فاقت الاسبوعين ان رئيس التحرير قد رفض نشر الحديث دون تبرير رغم مواصلته افساح المجال لتصريحات صادرة عن اعضاء تلك الحركة تتعلق بشخصي و دون تمكيني من حق الرد.

اما المناسبة الثانية فتتعلق بالحادثة الاخيرة التي تمثلت في تصريح عن احداث رواد كنت أدليت به في اطار تسجيل برنامج “لمن يجرؤ فقط” بتاريخ 8 فيفري 2014 وقد كانت استجابتي للمساهمة بتدخل مسجل بناء على مكالمة هاتفية من معدة ذلك البرنامج صدرت حوالي الساعة 12.30 وتم الاتفاق على ان يتم التسجيل بمقر المرصد التونسي لاستقلال القضاء الكائن بباردو في المدة المتراوحة بين السابعة والثامنة مساء .ولم يطل انتظاري لفريق التصوير الذي حضر على الساعة 19.15 وافادني السيد صالح المرواني وزميلته (التي لا اتذكر اسمها) أن التسجيل الذي يخصني سيتم بالربط مع موقع قناة التونسية.

واثناء تسجيل كامل البرنامج وبالتخاطب مع مقدمه السيد سمير الوافي الذي لم يسبق لي مكالمته او الحديث اليه.

ورغم تجاوز مدة الانتظار أكثر من الوقت المتفق عليه فقد كنت مقدرا لظروف التسجيل الذي بدا متاخرا لاسباب فنية حسب افادات فريق التصوير .وكنا ونحن في انتظار بداية التسجيل نتصل بين فترة واخرى بمعدة البرنامج او معاونيها للاستفسار بخصوص ذلك .

الا ان طول الانتظار الذي تجاوز في النهاية ثلاث ساعات وربع قد اضطر احد المصورين الى المغادرة واضطرني شخصيا الى اعلام معدة البرنامج و معاونيها بواسطة الفني السيد صالح المرواني بان ارتباطات عائلية توجب علي المغادرة على الساعة 22.15

وبعد ذلك بقليل اتصلت بمكالمة على الهاتف القار وتم ربطي باستوديو البرنامج ثم بمقدمه السيد سمير الوافي الذي كان بصدد الحديث مع الشيخ خميس الماجري بحضور الاستاذ حسن الغضباني وبعد الاعتذار عن التأخير الحاصل توجه لي السيد الوافي بسؤال مباشر حول حوادث رواد الأخيرة وتعليقي عليها كقاض في ضوء ما سبق ان نشرته بصفحتي الخاصة على الفايسبوك مشيرا الى ان قاضي التحقيق المعني بالملف قد سبق له التوجه الى موقع الاحداث فاجبته بما فحواه ان ملف قضية الشهيد شكري بلعيد هو بيد القضاء ويجب ان يحاط البحث بشأنه بكامل الضمانات وان القضاة الذين توجهو الى منطقة رواد لم يكونوا في موقع العمليات مؤكدا على اخطاء جوهرية صدرت عن وزير الداخلية السيد لطفي بن جدو في الندوة الصحفية التي عقدها وتتعلق بثلاثة محاذير هي اولا المساس بحرمة الميت عندما اهدى جثة كمال القضقاضي الى الشعب التونسي وثانيا عدم احترام قرينة البراءة وما يترتب عنها من ضمان المحاكمة العادلة واخيرا خرق سرية التحقيق عندما اعلنت وزارة الداخلية تفاصيل الملف القضائي المنشور.

واشير في هذا السياق ان مواقع عدة وصفحات كثيرة بشبكة الانترنت قد اعلنت عن موضوع الحلقة الجديدة للبرنامج التي تم بثها بداية من الساعة21.00 وتواصلت تقريبا مدة ثلاث ساعات ونصف. وقد تضمنت الاعلانات الصادرة عن القناة و تلك المنشورة بالصفحة الخاصة لمقدم البرنامج ان من بين ضيوفه القاضي احمد الرحموني .

ورغم ذلك فقد فوجئت ان الحلقة المشار اليها قد خلت كليا من التسجيل المصور الذي يخصني والمتضمن رأي الجهات القضائية في أحداث رواد مع ابراز التعاليق المطولة لممثل وزارة الداخلية السيد محمد على العروي.

وقد اتضح لي من مشاهدة كامل الحلقة ان عملية المونتاج قد أدت الى حذف مضمون تدخلي الذي لم يدم اكثر من 5 او 6 دقائق وكذلك حديث مقدم البرنامج المرتبط بذلك .

إلا ان المونتاج المتسرع قد سها عن حذف ما ورد على لسان الأستاذ حسن الغضباني من تعليق على تصريحي و ذكر اسمي في معرض التأكيد على الضمانات القضائية وذلك بالقول “مثلما ذكر القاضي الفاضل السيد احمد الرحموني في تصريحه.الخ”

وبقطع النظر عن اهمية التفاصيل التي توقفت عندها او الاعتبارات الشخصية التي تحف بالموضوع فان ممارسات من هذا القبيل تمثل دون شك مساسا بحق التعبير و حرية الاعلام التي عمل على تكريسها الدستور الجديد وتفتح الباب لتساؤلات مشروعة عن طبيعة رقابة السلطة السياسية على المؤسسات الاعلامية .

ورغم ايماني بتطور المشهد الاعلامي واتجاهه نحو ترسيخ استقلالية العمل الصحفي فاني اعتبر هذه الواقعة مؤشرا على عودة الرقابة والرقابة الذاتية في الموضوعات المرتبطة بالشخصيات السياسية والتعاطي الاعلامي مع قضايا الارهاب.

واضافة لذلك اعتبر ان من حقي ان اتوجه الى القائمين على القناة و مالكيها ومقدم البرنامج – الذين لم يجدوا ضيرا في حظر ذلك التصريح الوحيد المتعلق بموقف القضاء – لكي يدلوا بما يبرر تلك التصرفات او بكشف عن حقيقة التجاوزات دون ان انسى التوجه كذلك الى هيئة الاعلام السمعي البصري ونقابة الصحفيين التونسيين عسى ان يجدا في الموضوع ما يبرر تدخلهما لحماية الاخلاقيات الصحفية.

تونس في 10 فيفري 2014