بقلم محمد سميح الباجي عكاز،
تقديم
كان تغيّر المشهد السياسيّ في تونس بارقة أمل للعديد من الشعوب التي تعاني من الاضطهاد والقمع وشرارة أشعلت لهيب الثورات في أكثر من دولة. ولكنّه وفي الآن نفسه، أسال لعاب القوى الاقتصاديّة التقليديّة منها والصاعدة، والذين رأوا في هذا التغيير بوابة لتثبيت تواجدهم أو لاختراق سوق جديدة حبلى بالإمكانيات وعطشى للاستثمار نخرتها طوال عقود مافيا العائلة الحاكمة وحاشيتهم، فتداخلت الحسابات السياسيّة بالمصالح الاقتصاديّة لتتحوّل تونس إلى غنيمة ومرتعا يبحث الجميع عن موطئ قدم فيها.
ومن هنا لعبت التغيرات السياسيّة التي شهدتها تونس والطبيعة الإيديولوجية للنظام الجديد خلال الفترة الممتدة بين سنة 2011 وسنة 2013 دورا رئيسيّا في تحديد ملامح البنية الاقتصاديّة الجديدة للبلاد.
مثّلت مصطلحات من قبيل مساندة الثورة ودعم المسار الانتقالي الديمقراطي “حصان طروادة” الذي مكّن العديد من القوى الدوليّة والإقليميّة من إعادة التموقع على الخريطة السياسيّة والاقتصادية للبلاد في سباق محموم لفرض الهيمنة الاقتصاديّة على تونس وخدمة الأجندات الداخليّة لهذه القوى حتّى تحوّلت تونس شيئا فشيئا إلى أرض مفتوحة لكلّ التجارب واستباح الجميع في الداخل والخارج أحلام شعب انتفض من أجل الحريّة والعيش الكريم ليجد نفسه اليوم تائها في لعبة تداخلت فيها أطماع العثمانيّين بنهم البترودولار ولعبة ليّ الأذرع بين قوى تأبى التخلي عن إرثها الاستعماريّ وأخرى تسعى لفرض عولمتها على الجميع.
في هذا الملفّ، سنسعى إلى رصد ملامح الاقتصاد التونسي بعد هروب بن عليّ، حيث سنتناول تغيّر العلاقات التجاريّة التونسيّة وأهمّ اللاعبين الجدد في السوق المحليّة، كما سنرصد حجم ومصدر الاستثمارات الخارجيّة والقروض والهبات التي تلقّتها تونس بعد الثورة. وفي الجزء الأخير، سنحاول فهم أبعاد طفرة الجمعيات في تونس ومصادر تمويلها ومجال أنشطتها، والأهم ارتباطاتها وأجنداتها الخاصّة.
إنّ المال “السياسيّ” الذي أغرق البلاد تحت مسمّى “دعم المسار الديمقراطي”، هو الخطر الأكبر الذي يهدّد انتفاضة الشعب التونسيّ ويسعى من خلال تسخير المال واستغلال تدنّي الوعي الجماعي وضبابيّة المشهد السياسيّ إلى وأد أيّ مشروع جادّ لتأسيس اقتصاد وطنيّ يكون الدعامة الرئيسيّة لسيادة تونسيّة حقيقيّة على مقدّرات الشعب وإرادة حرّة.
البعد الأوّل: التجارة الخارجيّة وموازين القوى في الداخل
واقع التجارة الخارجيّة في النسيج الاقتصادي التونسي
مثّل انضمام تونس لمنظمة التجارة الدوليّة سنة 1995 نقطة البداية لسياسة اقتصاديّة جديدة تعطي للمبادلات التجاريّة أهميّة أكبر في دفع جهود التنمية والتخطيط الاقتصادي. وكان من أبرز ملامح هذا التوجه الجديد السعي لتطوير الصادرات التونسيّة في مقابل فتح السوق التونسيّة أمام تدفّق السلع والخدمات من الخارج.
ورغم المراهنة على الارتدادات الإيجابيّة لتحرير التجارة الخارجيّة، إلاّ أنّ الواقع كان مغايرا تماما للإنتظارات، فقد ظلّ الميزان التجاريّ يحقّق عجزا متواصلا منذ ما يقارب العقد من الزمن، حيث كانت حصيلة المبادلات التجاريّة سنة 2013 سلبيّة بقيمة تناهز 8743,8 مليون دينار وبنسبة تغطيّة لم تتجاوز 70 %.
ورغم الإحصائيات التي تشير إلى ارتفاع للصادرات التونسيّة وتنوّعها لتشمل المواد المنجميّة والغذائيّة والصناعيّة، والتي بلغت السنة الفارطة 20821,9 مليون دينار، إلاّ أن واردات البلاد شهدت ارتفاعا متواصلا ناهز سنة 2013، 29565,7 مليون دينار، وهو ما يفسّر العجز المسجّل في الميزان التجاري. إذ أنّ طبيعة الصادرات التونسيّة التي تعتمد خصوصا على المواد الغذائية والصناعات التحويليّة لا تقارن من حيث القيمة المضافة بما تستورده البلاد من مرتفعة القيمة وهو ما ينجر عنه هذا الاختلال الواضح في النتائج التي تسجّلها التجارة الخارجيّة.
إذن، لم يستطع الاقتصاد التونسيّ أن يحقّق الإضافة المرجوّة من استثمار الأسواق الخارجيّة والعمل على جعل التصدير أحد أدوات التنمية الاقتصادية، بل كانت النتائج عكسيّة وازداد ارتباط تونس بالخارج وتفاقم الاستهلاك الداخليّ من السلع المورّدة. وخلال السنوات الماضيّة تشكّلت خريطة ثابتة للمبادلات التجاريّة التونسيّة، اختلطت فيها المصالح السياسيّة بالعلاقات الاقتصادية.
فمن هم أهمّ أطراف التجارة الخارجيّة التونسيّة قبل وبعد تغيّر المشهد السياسيّ في تونس؟
الخريطة التقليديّة للمبادلات التجاريّة التونسيّة
ارتبطت المبادلات التجاريّة التونسيّة بالقارة الأوروبية ارتباطا وثيقا تجلّى في الأرقام المسجّلة على مستوى التجارة الخارجيّة، حيث أشارت الإحصائيات أنّه وإلى حدود موفى سنة 2010، استحوذ الإتحاد الأوروبي على معظم العلاقات التجاريّة التونسيّة، إذ بلغت الصادرات التونسيّة إلى الأسواق الأوروبية ما نسبته 75 % من مجمل الصادرات، وكان النصيب الأكبر للسوق الفرنسيّة بنسبة 27 %، تليها السوق الإيطاليّة بنسبة 11 % وألمانيا بنسبة 10 % من إجمالي الصادرات التونسيّة. هذا الارتباط لم ينحصر على استيراد السلع والمنتجات التونسيّة، فقد استطاع الاتحاد الأوروبي بدوره أن يهيمن على السوق التونسيّة وأن يبلغ نصيبه من إجماليّ واردات البلاد ما يقارب 70%.
وكما هو الحال بالنسبة للصادرات، تصدّرت فرنسا قائمة المورّدين لتونس بنسبة 20 % لتليها إيطاليا بنسبة 19 % ومن ثمّ ألمانيا التي استحوذت على 10 % من إجمالي الواردات التونسيّة. وكان من أهمّ ما ميّز العلاقات التجاريّة مع الاتحاد الأوروبي هو التفاوت الهائل في قيمة السلع المتبادلة، حيث انحصرت السلع التونسيّة على المواد الغذائيّة والصناعات التحويليّة و النسيج في حين كانت وارداتها تشمل المنتجات العالية القيمة كالسيارات والأجهزة الالكترونية بمختلف أنواعها واستعمالاتها وهو ما خلق تفاوتا رهيبا في الميزان التجاريّ وعجزا متواصلا للصادرات التونسيّة إزاء الواردات.
أمّا الولايات المتحدة الأمريكيّة فقد ظلّ حضورها في المبادلات التجاريّة التونسيّة ضعيفا ولم تتجاوز صادرتها إلى تونس سنة 2010 حدود 320 مليون دينار وبنسبة 1.6 % من إجمالي واردات البلاد، في حين كانت الصادرات التونسيّة إلى السوق الأمريكيّة تبلغ 430 مليون دينار وهو ما مكّن البلاد من كسر العجز التجاريّ وتحقيق فائض في الميزان التجاريّ مع الولايات المتحدة وبنسبة تجاوزت 2.5 % من مجموع الصادرات. ويعود ذلك إلى طبيعة العلاقات السياسيّة التي كانت تحكم البلاد والتي فرضت هيمنة الاتحاد الأوروبي على العلاقات التجاريّة لتونس ومحاولة التقليل من الحضور الاقتصادي الأمريكي في البلاد في إطار لعبة تقاسم النفوذ السياسيّ والأسواق العالميّة.
الحضور المغاربي في العلاقات التجاريّة التونسيّة كان محتشما ولم يتجاوز على مستوى التوريد والتصدير نسبة ال10 % من إجمالي المبادلات التجاريّة، و قد كانت السوق الليبيّة من أهم الأسواق المغاربيّة لدى المصدّرين التونسيّين، في حين كانت الجزائر أهمّ مصدّر للسوق التونسيّة وخصوصا في مجال المحروقات.
وبالنسبة للقارة الآسيوية، وخصوصا الصين، فقد كانت غائبة عن الأسواق المستهدفة بالتصدير، ولكّنها كانت من أهمّ المصدّرين للسوق التونسيّة بقيمة جمليّة ناهزت 1300 مليون دولار خلال سنة 2010، بينما ظلّت دول الخليج وتركيا غائبة تقريبا عن الخريطة العامة للمبادلات التجاريّة التونسيّة.
الملامح الجديدة للمبادلات التجاريّة بعد تغيّر المشهد السياسي في تونس
لم تحدث الثورة تغييرا ملحوظا في مردوديّة المبادلات التجاريّة التونسيّة، فقد استمرّ العجز التجاريّ وتفاوت القيمة بين الصادرات والواردات، ولكن ما ميّز المرحلة الجديدة هو ظهور شركاء أو أطراف جدد في خريطة التجارة الخارجيّة.
لقد أبرزت الإحصائيات الأخيرة لمنظّمة التجارة الدوليّة ولوزارة التجارة، تغييرات ملحوظة على مستوى العلاقات التجاريّة، فالاتحاد الأوروبيّ وإن حافظ نسبيّا على استقطابه للصادرات التونسية بنسبة بلغت سنة 2013 ما يناهز 70 %، إلاّ أنّه شهد تراجعا كبيرا على مستوى هيمنته على السوق التونسيّة، إذ تراجعت صادراته إلى تونس من 75 % تقريبا سنة 2010 إلى 56 %، رغم محافظة الشركاء التقليديّين لمكانتهم في المبادلات التجاريّة مع تونس والمقصود هنا فرنسا وألمانيا و إيطاليا بنسبة أقلّ، إذ شهدت هذه الأخيرة تراجعا على السوق التونسيّة خلال السنوات الثلاثة الأخيرة بنسبة تناهز 5 %. كما أنّ العديد من الدول الأوروبيّة الأخرى انحسر وجودها في السوق التونسيّة كبريطانيا واسبانيا التي تراجعت صادراتها إلى تونس بنسبة 2 % تقريبا بين سنوات 2010 و2013.
روسيا كذلك، كانت واحدة من الدول التي تراجعت حصّتها من المبادلات التجاريّة التونسيّة، حيث لم تستطع هذه الأخيرة أن تجد موطئ قدم في الساحة التونسيّة بل وشهدت حصّتها تراجعا على مستوى الصادرات إلى تونس من 0.49 % سنة 2010 إلى 0.2 % سنة 2013، وهو رقم يدلّ على أنّ السياسة التونسيّة لم تتغيّر حيال عملاق شرق أوروبا وظلّت مراهنة دائما على الغرب.
وفي هذا الإطار، وخوفا من زعزعة الهيمنة الأوروبية وخصوصا الفرنسيّة على السوق التونسيّة، تكرّرت زيارات الرئيس الفرنسيّ “فرنسوا هولاند” إلى تونس، الأولى كانت في بداية جويلية 2013، حيث تمّ توقيع العديد من الاتفاقيات والبروتوكولات في مجال النقل والتعليم العالي والتكوين والاستثمار، بالإضافة إلى الهبة الفرنسيّة المقدّرة ب500 مليون أورو، والثانية في 7 فيفري 2014 للمشاركة في احتفالات المصادقة على الدستور التونسيّ الجديد، والتي لم تخلو هي الأخرى من محادثات تناولت الدعم السياسي والاقتصاديّ الفرنسي لتونس نيّة فرنسا تحويل الديون التونسيّة إلى استثمارات مباشرة، في محاولة لكبح جماح هذه التغييرات المتوقعة للعلاقات التجاريّة التونسيّة.
ولكنّ المتابع لتاريخ العلاقات الاقتصاديّة الفرنسيّة التونسيّة، لا يخفى عنه طبيعة هذه المساعدات وأهدافها، فالقروض والهبات الفرنسيّة تكون دائما لتمويل واردات تونس من فرنسا وبالتالي فإنّ العمليّة لا تعدو عن كونها تنشيطا للدورة الاقتصادية الفرنسيّة عدى عن هدفها الرئيسيّ وهو قطع الطريق أمام فكّ الارتباط المالي والتقني التونسيّ بالدولة الفرنسيّة. كما أن مسألة تحويل القروض التونسيّة إلى استثمارات فرنسيّة في السوق التونسيّة ليست سوى تجميل لسعي فرنسي للهيمنة على النسيج الاقتصاديّ المحليّ، وهي سياسة عامّة لدول الاتحاد الأوروبي كسويسرا وألمانيا وإيطاليا وبلجيكا (التي اقترح عليها العريّض خلال زيارته لبروكسل أن تحوّل هي أيضا ديونها إلى مشاريع استثمارية في تونس)، حيث تتحوّل الهبات والقروض المقدمة إلى مصدر لتمويل اقتصاد الدول المانحة.
أمّا الولايات المتحدّة، فيبدو أنّها تسير نحو تدعيم مكانتها في السوق التونسيّة مستغلّة الظرف الدوليّ العام والانكماش الاقتصادي في منطقة الأورو وتدهور سعر صرف الدينار التونسيّ أمام العملة الأوروبيّة.
لقد شهدت العلاقات التجاريّة التونسيّة الأمريكية تحسّنا ملحوظا منذ سنة 2011، ففي حين حافظت الصادرات التونسيّة على استقرارها. كما شهدت الواردات من الولايات المتحدّة الأمريكيّة ارتفاعا بنسبة 1.5 % سنة 2013 لتبلغ نسبتها الجمليّة 3.1 % من إجماليّ واردات تونس.
وتبدو الولايات المتحدة ماضية أكثر فأكثر في اختراق السوق التونسيّة سواء عبر سيطرتها على سياسات صندوق النقد الدولي والبنك الدوليّ أو عبر الاتفاقيات الأخيرة كمذكرة التفاهم واتفاقية التعاون والشراكة مع الحكومة والتي وقعتها شركة «جنرال ايلكتريك» الأمريكية في 9 نوفمبر 2013 لتشمل مجال الصحة والنقل والطاقة عبر تمويل المشاريع الكبرى.
ارتفاع حجم المبادلات التجاريّة بين تونس وأنقرة
مؤشّر آخر حمل العديد من الدلالات ومثّل انعكاسا للتوجهات السياسيّة الجديدة في البلاد، وهو المؤشّر الخاص بتركيّا. فقد شهدت العلاقات الديبلوماسيّة التونسيّة التركيّة تحسنّا كبيرا بعد الثورة ووصول حركة النهضة إلى الحكم، وسعت تركيا إلى الدخول بقوّة إلى الأسواق التونسيّة في ظلّ إستراتيجية ثنائيّة الأبعاد، فبخلاف التقارب الإيديولوجي مع حركة النهضة، عمدت الإستراتيجية الاقتصاديّة التركيّة إلى التوجه شرق وجنوب البحر الأبيض المتوسّط بعد أن أوصدت أوروبا أبوابها أمام الحلم التركيّ بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
هذه السياسة الجديدة ترجمها ارتفاع حجم المبادلات التجاريّة بين تونس وأنقرة، فبعد أن كانت تركيا شبه غائبة عن خارطة المبادلات التجاريّة التونسيّة حتى سنة 2010، سجّلت إحصائيات وزارة التجارة لسنة 2013 ارتفاع الواردات التونسيّة من تركيا لتبلغ نسبة 3.3 % من أجمالي واردات البلاد سنة 2013 وبنسبة نمو بلغت 7.9 % رغم أنّ صادرات تونس إلى تركيا قد شهدت انخفاضا بنسبة 0.2 % مسجلة 1.4 % في نفس السنة، وهو ما يترجم اختلال الميزان التجاريّ لصالح تركيا التي تسعى إلى تثبيت وجودها أكثر فأكثر في السوق التونسيّة ولتتحوّل تونس إلى مجرّد مستهلك للإنتاج التركيّ.
لقد استطاعت تركيا توظيف التقارب الإيديولوجي بين حكومتها ونظيرتها التونسيّة لتخترق السوق المحليّة وتزيد من حضورها في النسيج الاقتصادي الوطنيّ، ورغم أنّ العلاقات التجاريّة التونسيّة التركيّة تعود إلى ما يقارب العقد من الزمن منذ توقيع اتفاقية السوق الحرّة سنة 2005، إلاّ أنّ وتيرة ازدهار هذه العلاقات التجاريّة ارتفع نسقها منذ سنة 2011. فمنذ توقيع الاتفاقيّة لم يتجاوز حجم المبادلات التجارية بين تونس وتركيا المليون دينار، ولكنها ومنذ الثورة ارتفعت لتصل حسب التوقعات إلى 3 أو 4 مليون دينار في السنة المقبلة وهو ما أعلنه صراحة رئيس الوزراء التركي خلال زيارته لتونس مرافقا بما يزيد عن 250 رجل أعمال. هذا بالإضافة إلى الصفقات النوعيّة التي أمضتها تونس مع تركيا كتلك المتعلّقة بالمساكن الاجتماعية الجاهزة والتي ظلّ مصيرها مجهولا إلى اليوم رغم تسلّم تونس الدفعة الأولى منها، ومشروع الخط البحريّ المباشر، كما غزت الشركات التركيّة السوق المحليّة التونسيّة بما يقارب ال23 شركة بقيمة جملية للاستثمار بلغت 18 مليون دولار.
إنّ المشكلة الرئيسيّة في العلاقات التجاريّة مع تركيا تكمن في التوجه العام لهذه العلاقة، فتونس تعاني من عجز فادح في ميزان التبادل التجاري مع أنقرة، حيث تحولت البلاد إلى سوق استهلاكيّة للصادرات التركيّة التي فتحت أمامها الأبواب على مصراعيها، في حين لم تسجل تونس سوى تحرير صادراتها من التمور إلى تركيا من الآداءات الجمركيّة…
أمّاالصين، فقد حافظت تقريبا على حصّتها من المبادلات التجاريّة مع تونس رغم ما يمثّله هذا البلد من قوّة تجاريّة صاعدة. وإن كانت الإحصائيّات الرسميّة تشير إلى ضعف التواجد الاقتصاديّ الصينيّ في تونس، فإنّ الصين استطاعت أن تخترق السوق التونسيّة من الباب الخلفيّ، لتخلق ما يصطلح على تسميته بالسوق الموازية التي احتلّت أرصفة الشوارع. ويبدو أنّ السلطات التونسية كانت ولا تزال تغض الطرف على هذا النوع من التجارة الموازية نظرا لما توفره من مواطن شغل لعدد ضخم من الأشخاص، وهو ما من شأنه أن يؤمن استقرار آلاف الأسر. فهذه الحركة التجارية الموازية، امتد تأثيرها الاقتصادي والاجتماعي ليشمل قطاعات واسعة من السكان، كما تلاحظ آثارها فيما يسمى بأسواق ليبيا المنتشرة بكامل المناطق التونسية، والتي تؤمّن حاجيات جزء لا بأس به من احتياجات الفئات محدودة الدخل وحتّى من الطبقة الوسطى. كما أنّ هذه التجارة خلقت مجموعات كثيرة من المستفيدين، مثل الوسطاء، وناقلي الشحنات، والبائعين بالجملة، وباعة التقسيط، وأصحاب المخازن، وغير ذلك من المهن المؤقتة، إلى جانب المهربين. وتبدو الدولة عاجزة عن ضبط هذه السوق التي تستنزف الاقتصاد الوطنيّ خوفا من الهزّات الاجتماعية التي قد يخلّفها قطع أرزاق آلاف العائلات التي تعيش من التهريب والتجارة الموازية في ظلّ غياب حلول آنية أو بدائل حقيقيّة تمكّن من استيعاب هؤلاء في الدورة الاقتصاديّة.
بالنسبة لدول الخليج العربيّ، وخصوصا قطر والإمارات والمملكة العربيّة السعوديّة، فقد استطاعت بعد 14 جانفي 2011 أن تثبّت حضورها الاقتصاديّ في تونس من خلال الدور الإعلامي الذي لعبته خلال الثورة، كما أنّها ساندت بقوّة حكومة النهضة من خلال أذرعها الإعلاميّة، وهو الثمن الذي فتح السوق التونسيّة أمام البترودولار. ولئن بقيت المبادلات التجاريّة ضعيفة بين دول الخليج وتونس، حيث لم تتجاوز صادرات تونس إلى تلك الدول 172 مليون دولار، فإنّ المثير هو حجم نموّ تلك الصادرات بنسبة 56 % منذ سنة 2011. وسيبدو الحضور الخليجيّ جليّا أكثر من خلال الهبات والقروض والاستثمارات المباشرة التي سنتناولها في القسم الثاني من التحقيق.
في المغرب العربيّ، ورغم التغيير الكبير في المشهد السياسيّ في كلّ من تونس وليبيا، إلاّ أنّ جميع المؤشرات تدلّ على تباطؤ نمو المبادلات التجاريّة بين دول الاتحاد المغاربيّ، حيث حافظت النسب المسجّلة سنة 2010 على استقرارها تقريبا إلاّ في ليبيا التي ارتفعت وارداتها من تونس بعد سقوط معمّر القذافي وتدمير البنية الاقتصاديّة الليبيّة لتستحوذ ليبيا على ما يقارب 5.2 % من الصادرات التونسية، وتعتبر في الآن نفسه البوابة الرئيسيّة لتزويد السوق الموازية.
إنّ تواصل العجز التجاريّ الذي يستنزف احتياطيّ البلاد من العملة الصعبة ويؤثّر سلبا على جهود التنمية، يستوجب الوقوف على طبيعة المبادلات التجاريّة التونسيّة والبحث في سبل تطويرها على صعيد الأسواق المستهدفة فقط، بل لتشمل تطوير المنتوجات المصدّرة والسعي لتقليص فارق القيمة بين ما ننتجه وما نستهلكه، كي لا تتحوّل التجارة الخارجيّة إلى أداة للهيمنة السياسيّة والاقتصاديّة على البلاد.
ياخي موش الخوانجية النهار الكلوا يحكيو ع الديمقراطية ونتائج الصندوق والشعب المتخلّف وراهم يبندر ويصيح “الشعب يريد النهضة من جديد”؟ أكهو! أي إنسان ديمقراطي يلزم يحترم إرادة الشعب المتخلف هذا ويخلّيه يتذوّق بنفسو “النهضة” وبنّتها… ياخي يقودون إلى الجنّة بالسلاسل؟ هاو الشعب يحبّهم ويموت عليهم ويبوسلهم في ساقيهم وهوما ينكحوا فيه صباحا مساء وهو يتبنّن! صحّة وبالشفاء ليه ولكل الشعوب الجاهلة والمتخلفة اللي على شاكلتو! ياخي الشعب أصلا يفهم حاجة إسمها “إقتصاد” ولا قالولك راهو “مثقف” و”متعلم” صدقت؟ هاذيكا هي شعوب بول البعير، أغلبها هوايش وأكثرها حمير (حاشى اللي ما يستاهلش) اللي تلقاه راكب على فركة قلوا مبروك “الخازوق” يا شعب يا مسلم يا اللي تحب “النهضة من جديد”!