هيئة-الحقيقة-الكرامة

بقلم خولة العشي،

انتهى الفرز الإداري للمترشحين لعضويّة الهيئة المستقلّة للحقيقة والكرامة إلى بقاء 320 مترشّحا سيتمّ التّثبّت في قانونية ملفّاتهم من طرف مختصيّن بالمجلس التأسيسي. وسيتمّ إثر ذلك عرض هذه القائمة على التوافق الذي يجب أن يتم خلال 10 أيام من تاريخ نشر القائمة المنبثقة عن الفرز الإداري.

والهيئة المستقلّة للحقيقة والكرامة هي هيئة يعمل المجلس التأسيسي على تكوينها وستختص بجمع المعلومات ورصد انتهاكات حقوق الإنسان خلال الفترة الممتدّة من جويلية 1955 إلى تاريخ إصدار قانون العدالة الإنتقالية أي 16 ديسمبر 2013. هذه الهيئة تمّ التنصيص على إحداثها بموجب قانون العدالة الانتقالية الذي يعرّفها في عدد من فصوله كالأتي :

تتمتع هيئة الحقيقة والكرامة بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري. يكون مقرّها تونس العاصمة ويمكن أن تعقد جلساتها في أي مكان داخل تراب الجمهورية،كما يمكن لها تحويل مقرها إذا دعت الضرورة لذلك إلى أي مكان آخر داخل تراب الجمهورية. يغطي عمل الهيئة الفترة الممتدة من الأول من شهر جانفي سنة 1955 إلى حين صدور هذا القانون. حدّدت مدّة عمل الهيئة بأربع سنوات بداية من تاريخ انطلاق عملها وهذه المدة قابلة للتمديد مرة واحدة لمدة سنة بقرار معلّل من الهيئة يرفع إلى المجلس النيابي قبل ثلاثة أشهر من نهاية مدة عملها.

ورغم تخصيص قرابة الخمسون فصلا من جملة فصول قانون العدالة الإنتقاليّة لتحديد مهام الهيئة وطرق انتخاب أعضائها ، وشروط الترشح لعضويتها، فإنّ لجنة فرز ملفات الترشّح اصطدمت ببعض الإشكاليات القانونيّة. كما أنّ خبراء في القانون وأعضاء في المجلس التّأسيسي تحدّثوا عن نقائص قانونية وإجرائية عديدة في قانون تشكيل الهيئة مما يمكن أن يحدث ثغرات تجعل من إمكانيّة ترشّح أشخاص غير أكفاء لعضوية الهيئة واردة.

إشكال قانوني في شروط الترشح والفرز ؟

حدّد قانون العدالة الإنتقالية تركيبة الهيئة وشروط الترشح لعضويتها. كما حدّد أعضاء اللجنة التي ستقوم بفرز الملفّات لكنّه لم يذكر مقاييس فرز الملفات. فالفرز الإداري الذي تمّ على أساس الشروط المذكورة لم يطرح أي إشكال ولكنّ فرز 320 ملفّا يستجيب أصحابها للشروط المطلوبة سيضع أعضاء المجلس التأسيسي في مأزق قانوني.

ينصّ قانون العدالة الإنتقاليّة على ضرورة أن تتركّب الهيئة من خمسة عشر عضوا على ألا تقل نسبة أي من الجنسين عن الثلث. يقع اختيارهم من قبل المجلس الوطني التأسيسي من بين الشخصيات المعروفة بحيادها ونزاهتها وكفاءتها.

و يكون من بين أعضاء الهيئة وجوبا: ممثلان عن جمعيات الضحايا وممثلان عن الجمعيات المدافعة عن حقوق الانسان،ترشحهم جمعياتهم. ويختار بقية الأعضاء من الترشّحات الفردية في الاختصاصات ذات الصلة بالعدالة الانتقالية كالقانون و العلوم الاجتماعية والإنسانية والطب والأرشيف والإعلام والاتصال.

أمّا بخصوص شروط الترشّح لعضوية الهيئة المستقلّة للحقيقة والكرامة فقد حدّدها قانون العدالة الإنتقاليّة كالآتي ” يشترط للترشح لعضوية الهيئة: الجنسية التونسية، أن لا يقل سن المترشّح أو المترشّحة عن خمسة وثلاثين سنة، الكفاءة والاستقلالية والحياد والنزاهة، الخلو من السوابق العدلية من أجل جريمة قصدية مخلة بالشرف، عدم سبق التفليس الاحتيالي أو العزل لأي سبب مخل بالشرف.”

وقد حدّد قانون العدالة الإنتقاليّة في فصله الرابع والعشرون تركيبة لجنة فرز الترشحات، حيث نصّ هذا الفصل على الاتي “تختار لجنة تتركب من رئيس المجلس الوطني التأسيسي أو من ينوبه ورؤساء الكتل بالتوافق أعضاء الهيئة من بين الترشحات المقدمة إلى مكتب رئاسة المجلس. وترفع القائمة المتوافق عليها مع قائمة تكميلية يصادق عليهما بأغلبية الأعضاء الحاضرين. وإذا تعذر التوافق تختار اللجنة قائمة تتضمن ضعف عدد أعضاء الهيئة بحسب الاختصاصات المحددة بالفصل 21 من هذا القانون بأغلبية الثلثين تعرض على الجلسة العامة للتصويت عليها. وتتولى الجلسة العامة للمجلس الوطني التأسيسي التصويت على القائمة المحالة عليها من اللجنة بأغلبية الاعضاء الحاضرين ويتم اختيار أعضاء الهيئة من بين المترشحين الحاصلين على أكثر الأصوات.”

وتمرّ إثر ذلك بقيّة فصول قانون العدالة الإنتقاليّة لشرح مهمّة أعضاء الهيئة والتزاماتهم القانونية ومنحهم دون أن تحدّد الشروط الأساسية لفرز الملفّات. وفرز 320 ملفّا استجاب أصحابها للشروط المنصوص عليها في القانون سيطرح سؤالا مهمّا عن كيفيّة فرز هذا العدد من الملفات لاختيار 15 ملفا ستعرض على الجلسة العامة للموافقة عليها. وزير حقوق الإنسان والعدالة الإنتقاليّة حافظ بن صالح اقترح خلال ندوة انتظمت بمقر وزارة العدل يوم الإربعاء الفارط، أن يلجأ أعضاء المجلس التأسيسي للحوار من أجل التوافق حول معايير اختيار أعضاء هيئة الحقيقة والكرامة. وأكّد أنّ وزارته غير معنيّة بتحديد معايير اختيار المترشحين للهيئة ولكنّها ستسعى لربط الصلة بين مكونات المجتمع المدني وأعضاء المجلس التأسيسي للتحاور مبينا أنّ قانون العدالة الإنتقالية قد حدد شروط الترشح ولم يحدد معايير الإختيار. هذا في حين دعت النائبة محرزية العبيدي خلال نفس الندوة مكوّنات المجمتع المدني إلى تقديم توصيات واقتراحات إلى لجنة الفرز لحلّ هذا الإشكال.

خلل بخصوص موانع الترشّح وشكوك حول ترشح تجمعيين ؟

كان قانون العدالة الإنتقالية واضحا وصريحا بخصوص تأكيده على منع رموز النظام السابق للترشح للهيئة المستقلة للحقيقة والكرامة. وحدّد قانون العدالة الإنتقالية موانع الترشّح لهذه الهيئة كالتّالي:

يحجر على المترشح لعضوية الهيئة: أن يكون نائبا في المجلس الوطني التأسيسي، أن تكون له مسؤولية في حزب سياسي، أن يكون قد تقلّد منصبا نيابيا أو مسؤولية صلب الحكومة في الفترة الممتدة بين الأول من شهر جانفي سنة 1955 و تاريخ إنشاء الهيئة، أن يكون قد تقلّد خطة وال أو كاتبا عاما للولاية أو معتمدا أولا أو معتمدا أو عمدة، أو أي منصب تنفيذي في مؤسسة أو منشأة عمومية أو جماعة محلية خلال الفترة الممتدة بين الأول من شهر جوان سنة 1955 و تاريخ إنشاء الهيئة، أن يكون قد تحمّل مسؤولية حزبية في التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل، أويكون ممن ثبتت مناشدته للرئيس السابق قصد الترشح للانتخابات الرئاسية لسنة 2014.

هذه الموانع أعادت إلى أروقة المجلس التّأسيسي النقاش، الذي دار سابقا وفي مناسبات عديدة، حول مسالة إقصاء مواطنين تونسيين بتهمة الإنتماء لنظام بن علي دون إثبات قانوني لكن سرعان ما تمّ تجاوز هذا الإشكال لحساسيّة قضيّة العدالة الإنتقاليّة وضرورة وضعها بين أيد نزيهة لأشخاص لم يتقلّدوا أية مسؤوليات في عهد نظام بن علي، حسب تعبير عدد من أعضاء التأسيسي. الإشكال هنا يتمثّل أساسا في إمكانيّة تقديم بعض المنتمين لحزب التجمع الدستوري، الذين لم يثبت انضمامهم الرسمي للحزب أو تقلّدهم لمسؤوليات سياسية أو حكوميّة، ترشحّهم لعضوية الهيئة. فأيّ سند قانوني ستتّخذه لجنة الفرز لمنعهم من الترشّح؟ وقد طرح هذا الإشكال خلال الندوة التي انتظمت بوزارة حقوق الإنسان والعدالة الإنتقالية بتأكيد عدد من الحاضرين على أنّ بعض التسريبات بخصوص بعض المترشحين للهيئة أثبتت وجود تجمعيين ضمن قائمة ال 320 مترشّحا الذين تمّ اختيارهم في الفرز الإداري.

وعلى هذا الأساس حصلت خلال الندوة التي تمت بحضور وزير حقوق الأنسان والعدالة الإنتقالية مناوشات واتهامات متبادلة بين عدد من الحاضرين والممثلين لمنظمات وجمعيات. فقد أكّد رئيس جمعية ” رسالة القصبة” رفيق بن كيلاني مشاركة تجمعيين وأشخاص مورطين في جرائم تعذيب في رسم مسار العدالة الإنتقاليّة ودفع بعض المقرّبين منهم من أنصار النظام السابق للترشح لهذه الهيئة. ووجّه بن كيلاني التهّم لأحد الحاضرين في الندوة وهو هشام الشريف أحد أعضاء مركز تونس للعدالة الإنتقاليّة الذي اتهم بدوره بن كيلاني بكونه ” صاحب سوابق عدليّة.”

ترشّح الحقوقية ” سهام بن سدرين ” أثار الكثير من اللّغط أيضا، فرغم استجابة ملفّ بن سدرين لشروط التّرشح إلاّ أنّ موقف عديد السياسيين والصحفيين خصوصا منها يؤكّد رفضهم لترشّحها لهيئة الحقيقة والكرامة. فالنّائب أحمد السافي الذي عبّر خلال إحدى التصريحات التلفزية تحفّظه على ترشّح بن سدرين لهذه الهيئة أكّد في تصريح لنواة أنّ سبب رفضه هو موقف سهام بن سدرين من إضراب صحفيي راديو كلمة الذي اعتبره صادما. فبن سدرين حسب تعبيره ” إضافة إلى دعمها المعلن لروابط حماية الثورة المعروفة باستعمالها للعنف، أساءت معاملة صحفيين كانوا زملاء لها في النضال في عهد بن علي وهضمت حقوقهم ولم تستجب لمطالبهم التي كانت عادية بل حوّلت الإضراب السلمي الذي قاموا به لحجّة لطردهم من الراديو” وأضاف بأنّ ” بن سدرين وإن كانت مناضلة في عهد بن علي فهي في نظر كثير من التونسيين الأن مذنبة ومخطئة وهي بالتالي لا تستحق أن تكون ضمن أعضاء هيئة الحقيقة والكرامة.”

هذه المناوشات والصدامات التي صاحبت الفرز الإداري لترشحات هيئة الحقيقة والكرامة نتجت أساسا عن خلل في القانون المنظم لتشكيل هذه الهيئة. ولتجاوز هذه الإشكالات وحتى لا تتحوّل عضويّة هذه الهيئة إلى غنيمة لبعض الناشطين الحقوقيين أو غيرهم ، فإنّ أعضاء المجلس التأسيسي مطالبون الان برفع الحجر على وسائل الإعلام وناشطي المجتمع المدني. فتتحوّل بالتالي نقاشات لجنة الفرز من سرّية إلى علنيّة لتقوم وسائل الإعلام بدورها في الكشف عن حقيقة أصحاب الملفّات المقبولة حسب ما يتوفّر لديهم من معلومات. فمن غير المنطقي أن يتمّ الفرز دون معايير مسبقة واختيار 15 عضوا للهيئة في ظلّ تعتيم إعلامي ممّا يمكن أن يفتح المجال أمام أعضاء اللجنة للمحاصصات الحزبيّة والمزايدات السياسيّة.