المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

fiscalite-tunisie

بقلم الأسعد الذوادي،

خلافا لما طبل وزكّر له البعض فقد نجح المتهربون من دفع الضريبة وفاقدوا المواطنة المشار إليها بالفصل 2 من دستور النفاق والجهل من إفراغ شرط القيام بالواجب الجبائي من محتواه في إطار مشروع القانون الإنتخابي في خرق صارخ للفصل 10 من الدستور وذلك بالتنصيص على الإدلاء بآخر تصريح جبائي قد يكون مخشوشا عوض الإدلاء بشهادة في الوضعية الجبائية مثلما هو الشأن بالنسبة لمن يرغب في المشاركة في الصفقات العمومية.

تبعا لذلك، يمكن الإدلاء من قبل المتهربين من دفع الضريبة بآخر تصريح جبائي مغشوش للترشح للمناصب العامة ليكون بذلك شرط القيام بالواجب الجبائي قد تم الإلتفاف عليه.

يعتبر القيام بالواجب الجبائي شرطا من شروط المواطنة داخل البلدان المتطورة التي نخص بالذكر منها كندا والولايات المتحدة الامريكية. فعلى سبيل المثال، يمكن سحب الجنسية من المتهربين من دفع الضريبة بالولايات المتحدة الامريكية اضافة للعقوبات السجنية التي تسلط عليهم، علما ان حق الخزينة العامة لا يسقط بمرور الزمن خلافا لما نلاحظه من خلال التشريع الجبائي التونسي المكرس للحيف والتحيل والنهب. كما لا يمكن لذوي السوابق في مجال التهرب الجبائي المجازفة بالترشح للمناصب العامة.
تبعا لذلك تم التصديق خلال المنتدى الاجتماعي العالمي الذي انعقد سنة 2002 بالبرازيل على “الميثاق العالمي للحق في العدالة الجبائية” الذي صنف المتهربين من دفع الضريبة في خانة السراق باعتبار انهم لا يختلفون عن “القراد”، حيث ينتفعون بالمرافق القضائية والصحية والامنية والتربوية والبنية التحتية وغيرها من المرافق ولكن دون المساهمة في تمويلها.
وباعتبار ما تتكبده سنويا الخزينة العامة من خسائر ضخمة تقدر بعشرات الاف المليارات من المليمات نتيجة لاستفحال التهرب والفساد في المجال الجبائي لم نتمكن من توفير الشغل والصحة والتعليم وكل ما من شانه مكافحة الارهاب الذي يغذيه اليوم المتهربون من دفع الضريبة. كما تم اغراق البلد في المديونية ونخر سيادته وتخريب نسيجه الاقتصادي من خلال تحرير السوق بصفة عشوائية قبل التفاوض وتكريس مبدا المعاملة بالمثل. هل يعقل ان يدفع 8000 طبيب معدل ضريبة سنوي لا يتجاوز 500 دينارا اي ما يعادل 42 دينارا شهريا، دون الحديث عن بعض اصحاب المهن الحرة الذين لم يصرحوا بمداخيلهم طيلة أكثر 10 سنوات أو الذين ينشطون في السوق السوداء اي دون باتيندة وهذا بامكان الادارة التعرف عليه اذا ما قامت بمقارنة عدد المرسمين بالعمادات المهنية بالمرسمين بقوائمها. الجريمة الكبرى تتمثل في ان البعض من هؤلاء يلقنوننا دروسا في الديموقراطية عبر الفضائيات التي تسمح لهم دون حياء بالتواصل مع الشعب الذي يسخرون منه.

لماذا لم يبادر الماسكون بالسلطة بتفعيل احكام الفصل 10 من الدستور الذي نص على ان “اداء الضريبة وتحمل التكاليف العامة واجب وفق نظام عادل ومنصف. تضع الدولة الاليات الكفيلة بضمان استخلاص الضريبة ومقاومة التهرب والغش الجبائيين. تحرص الدولة على حسن التصرف في المال العمومي وتتخذ التدابير اللازمة لصرفه حسب اولويات الاقتصاد الوطني وتعمل على منع الفساد وكل ما من شانه المساس بالسيادة الوطنية”. تبعا لذلك، كان من المفروض المبادرة فورا باصدار قانون يتعلق بمكافحة التهرب الجبائي والفساد مثلما فعلت ذلك فرنسا من خلال القانون 1117 لسنة 2013 المؤرخ في 6 ديسمبر 2013.

هل يعقل ان يتمكن من الترشح للمناصب العامة من تحيل على دافعي الضرائب وسرق مواردهم وضحك على ذقونهم من خلال الانتفاع بالمرافق العامة ولكن دون المساهمة في تمويلها مثلما نلاحظ ذلك اليوم. هل يعقل ان ينتفع بالمرافق العامة وبالدعم العمومي وان يشارك في الصفقات العمومية من تهرب من دفع الضريبة. هل يعقل ان يتصدى من تم انتخابهم من قبل دافعي الضرائب لكل المقترحات التشريعية الرامية الى مكافحة التهرب الجبائي وتبييض الجرائم الجبائية. فعلى سبيل المثال لا الحصر، تصدى خاصة نواب الحزب الحاكم وحزب التكتل للمقترح التشريعي المطالب بحذف السر المهني حتى تبقى مصالح المراقبة الجبائية مشلولة ولا تقوم بمهمتها الاساسية المتمثلة في تكريس العدالة الجبائية من خلال مكافحة التهرب الجبائي. كما تصدوا بشراسة للمقترح التشريعي المقدم من قبل مجموعة من النواب والمنادي بحذف احكام الفقرة الاخيرة من الفصل 16 من مجلة الحقوق والاجراءات الجبائية الذي طور بصفة خطيرة صناعة تبييض الجرائم الجبائية من قبل المتهربين من دفع الضريبة وبالاخص الاطباء الذين يودعون مداخيلهم غير المصرح بها لدى الوسطاء بالبورصة الذين مكنتهم تلك الفقرة من مواجهة مصالح المراقبة الجبائية بالسر المهني، علما انه لا يمكن مواجهة اللجنة التونسية للتحاليل المالية ومصالح الديوانة والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وحكام التحقيق بالسر المهني.

لماذا يصر نواب الحزب الحاكم ومن لف لفهم على تهميش مهنة المستشار الجبائي التي تكتسي اهمية جد بالغة في حياة الافراد والمؤسسات والتنكيل بالالاف من العاطلين عن العمل من حاملي الشهادات العليا في الجباية من خلال تعطيل مشروع القانون المتعلق بها صلب لجنتي المالية والتشريع في الوقت الذي يصرون فيه ايضا على التصدي للمقترح التشريعي الداعي الى تحوير الفصول 39 و42 و60 من مجلة الحقوق والاجراءات الجبائية التي تسمح لكبار السماسرة ومخربي الخزينة العامة بالتدخل في الملفات الجبائية وتنمية التهرب الجبائي بواسطة الرشوة والفساد.

وباعتبار ان “حاميها حراميها” فان مشروع القانون الانتخابي المعروض حاليا للنقاش صلب المجلس التاسيسي قد اهمل هذه المسالة ليسمح بذلك لغير المواطنين من المتهربين من دفع الضريبة والمتحيلين والسراق ان يترشحوا للمناصب العامة. ان مشروع القانون الانتخابي الذي لا يلزم المترشحين للمناصب العامة بالادلاء بشهادة في الوضعية الجبائية لا يمكن ان يكون الا مشروع عصابة ومافيا.

أخيرا، عندما يدرك دافعو الضرائب الذين هم اليوم موضوع تحيل أن الثورة الجبائية بإمكانها القضاء على الفاسدين والمتواطئين معهم مثلما فعل الشعب الأمريكي في القرن الثامن عشر أي قبل كتابة دستوره، عندها ستتغير الأمور نحو الأفضل. فشعار الثورة الجبائية بأمريكا كان “لا أداء بدون مساءلة” ونحن اليوم نعيش نفس الظروف التي عاشها الشعب الأمريكي في ظل الاستعمار البريطاني حيث تم إثقال كاهله بأداءات لا قبل له بها من معاليم طابع جبائي وغير ذلك دون أن يكون له حق المساءلة والمحاسبة وهذا هو السبب الذي كان وراء اندلاع الثورة الجبائية التي أدت إلى استقلال أمريكا في 4 جويلية 1776.