بعد قرابة الشّهر من الجدال والتشاور تمكّنت لجنة التّشريع العامّ من صياغة القانون الإنتخابي الذّي رفع إلى الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين التي ستنظر بدورها في ما جاء في هذا القانون بالإستئناس بالطّعون التي قدّمها بعض نواب التأسيسي في بعض فصوله.
ونظرا لأنّ المصادقة على بعض فصول القانون الإنتخابي تمّت بالتّصويت دون حصول توافق فقد عبّر عدد من السياسيين عن رفضهم لعدد من الفصول مؤكّدين أنّه لم يتسجب إلى تطلّعات القوى السياسية والجمعياتية التي نادت بالقطع مع الأخطاء الحاصلة في انتخابات أكتوبر 2011. وقد أكّد حزب افاق في بيان أصدره أنّ القانون الإنتخابي هو تكرار لقانون انتخابات 2011 الذي أفضى لمشهد سياسي متشرذم كما أنّه حسب نفس البيان:
لم يأخذ هذا القانون بعين الاعتبار المقترحات الجدية المقدمة من طرف المجتمع المدني في سبيل تسهيل العملية و تأمين سبل انجاحها و ألغى ما اتفق عليه في الحوار الوطني بدار الضيافة حيث تغلبت المصلحة الحزبية الضيقة على الاعتبارات الوطنية الهامة.
ومن بين النقاط التي رأى بعض السياسيين ضرورة إعادة النظر فيها في القانون الإنتخابي نذكر مسائل تهمّ : العقوبات المتضمنة في هذا القانون، اعتماد التمويل المسبق، عدم التنصيص على مبدأ التناصف في رئاسة القائمات الإنتخابية، عدم التنصيص على حق الأمنيين والعسكريين في الإنتخاب وغيرها من النقاط التي قدّم عدد من النواب بخصوصها طعونا للهيئة المستقلة لمراقبة دستورية القوانين والتي ستنظر فيها في أجل لا يتجاوز 10 أيام من تاريخ تقديم الطعون.
وسنعرض في هذا المقال النقاط الخلافية التي مازال الخلاف حولها قائما نقطة بنقطة.
اعتماد التمويل اللّاحق للحملة الإنتخابيّة
أكّدت رئيسة لجنة التشريع العام في تصريح لنواة أن عددا من نواب التأسيسي قاموا بطعون تهمّ الفصل 78 من القانون الإنتخابي والذي ينصّ على التمويل اللاحق لنصف المنحة المخصصة للحملة الإنتخابيّة كالآتي:
تخصص لكل مترشح أو قائمة مترشحة منحة بعنوان مساعدة عمومية على تمويل الحملة الانتخابية، ويحصل المترشح أو القائمة على نصفها قبل انطلاق الحملة. ويُصرف النصف الثاني في أجل أسبوع من الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات شرط الاستظهار بما يفيد إنفاق القسط الأول في مصاريف الحملة وإيداع الحسابات لدى محكمة المحاسبات.
قد توصّل أعضاء اللّجنة إلى هذه الصيغة بعد أن نصّص مشروع القانون الإنتخابي على ضرورة اعتماد التمويل اللاحق لكامل منحة الحملة الإنتخابية حيث جاء في الفصل 116 منه:
يتم تمويل الحملة بالموارد الذاتية للقائمة المترشحة أو المترشح على أن يتم استرجاع المصاريف المنجزة من قبل كل مترشح أو قائمة تتحصّل على أكثر من 3% من الأصوات المصرّح بها بعد تثبت دائرة المحاسبات في مشروعية النفقات وفي حدود سقف يتم ضبطه وشروطه بأمر.
وكان عدد من أعضاء المجلس التّأسيسي قد اعتبروا أنّ في هاتين الصيغتين ظلما وتهميشا للأحزاب الصغرى التي لا تملك موارد ذاتيّة للتّمويل وقد قدّموا مقترحات تعديل خلال نقاشات اللجنة ومن بينها المقترحين التاليين:
مقترح تعديل 1: تخصص لكل مترشح أو قائمة مترشحة منحة بعنوان مساعدة عمومية على تمويل الحملة الانتخابية، ويحصل المترشح أو القائمة على نصفها قبل انطلاق الحملة بأسبوع على الأقل.
يُصرف القسط الثاني من المنحة بعد مرور أسبوع على انطلاق الحملة والإدلاء بوثائق صرف القسط الأوّل. بعنوان استرجاع مصاريف بعد الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات وإيداع الحسابات وقبولها من محكمة المحاسبات وفي أجل لا يتجاوز شهرا من صدور تقرير محكمة المحاسبات المشار إليه في الفصل تُحرم من استرجاع المصاريف طبق الفقرة السابقة .
مقترح تعديل 2: تخصص لكل مترشح أو قائمة مترشحة منحة بعنوان مساعدة عمومية على تمويل الحملة الانتخابية تصرف كاملةً بعد انقضاء اليوم الخامس للحملة شريطة الإدلاء بما يثبت صرف 15% من قيمتها، وتضبط الهيئة بقرار منها إجراءات صرفها.، ويحصل المترشح أو القائمة على نصفها قبل انطلاق الحملة.
ولم تراع لجنة التشريع العام مطالب عدد من النواب بالتمويل اللاحق ممّا اضطرّ إلى تقديم هذه المقترحات في شكل طعون سيتم النظر فيها من قبل الهيئة الوقتية لمراقبة دستورّ]ة القوانين بعد أن انتهت اجال الطعون يوم الجمعة 9 ماي 2014. وكنا النائب المستقل فؤاد ثامر قد أكّد أنّ حرمان الأحزاب الضغرى والشبان من منحة التمويل يدخل في خانة محاولة الاحزاب الكبرى ذات التمويلات الضخمة في إقصاء بقية ممثلي الشعب التونسي من مستقلين وشبّان ضمانا لمصالحهم الحزبية الضيّقة.
الضمان المالي للتّرشّح لرئاسة الجمهورية
أكّد النائب هشام حسني ل”نواة” تقديمه لطعن في الفصل 42 من القانون الإنتخابي المتعلّق بشروط الترشّح للإنتخابات الرّئاسيّة والذي ينصّ على ضرورة أن يؤمّن المترشّح لمنصب رئاسة الجمهوريّة ضمانا ماليا لخزينة الدولة. وقال حسني أنّ ” هذا الشّرط يتعارض مع الفصل 74 من الدّستور والذي ينصّ على حدد شروط الترشح لرئاسة الجمهورية ولم يذكر بينها مسائلة الضمان المالي.” وتنصّ الصيغة النهائية للفصل 42 على الاتي :
يؤمّن المترشح لدى الخزينة العامة للبلاد التونسية ضمانا ماليا قدره عشرة آلاف دينار لا يتم استرجاعه إلا عند حصوله على ثلاثة بالمائة على الأقل من عدد الأصوات المصرّح بها.
وقد قدّم أعضاء اللجنة عدّة مقترحات تعديل لهذا الفصل تراوحت بين ضرورة رفع الضمان المالي إلى 25 الف دينار أو 30 ألف دينار وبين حذف هذا الشرط. وفي محاولة للتوفيق بين جميع المقترحات رأت رئيسة لجنة التشريع العام كلثوم بدر الدين أن اعتماد مبلغ 10 آلاف دينار هو حلّ وسط أرضى أغلبية أعضاء اللجنة.
وقد وضّح النائب هشام حسني أن هيئة مراقبة دستورية القانون ستكون على مجبرة على حذف هذا الشرط الذي يتعارض صراحة مع الدستور التونسي. كما أكّد أنّ هذا الشرط لا مبرّر له ومن شأنه أن يحرم المواطن التونسي البسيط من حقّه في الترشح لرئاسة الجمهورية.
إسقاط مبدأ التناصف الأفقي في رئاسة القائمات
أثار إسقاط القانون الإنتخابي لمبدأ التناصف الأفقي في فصله ال24 استياء عدد كبير من نائبات المجلس التأسيسي ومن ممثلات المجتمع المدني اللواتي رأين فيه تعارضا مع ما جاء في الدستور التونسي من مبدأ المساواة بين الجنسين وينص هذا الفصل على:
تقدم الترشحات على أساس مبدأ التناصف بين النساء والرجال وقاعدة التناوب بينهم داخل القائمة ولا تقبل القائمة التي لا تحترم هذا المبدأ إلا في حدود ما يحتمه العدد الفردي للمقاعد المخصصة لبعض الدوائر.
وقد جاء هذا الفصل مخالفا لما تمّ التنصيص عليه في مشروع القانون الإنتخابي وتحديدا في الفصل 26 منه:
تقدم الترشحات على أساس مبدأ التناصف بين النساء والرجال وقاعدة التناوب بينهم داخل القائمة، وبين رؤساء القوائم الحزبية والائتلافية . ولا تقبل القائمة التي لا تحترم هذا المبدأ إلا في حدود ما يحتمه العدد الفردي للمقاعد المخصصة لبعض الدوائر.
وقامت الكتلة الديمقراطية في التأسيسي بتحرير عريضة طعن في هذا الفصل الذي أكّدت النائبة سلمى بكّار أنّه يحرم المرأة التونسية من التنصيص على ضرورة التناصف في رئاسة القائمات الإنتخابية في تضارب تام مع الحقوق التي كفلها لها الدستور. وقد أصدرت مجموعة من ناشطات وناشطي المجتمع المدني بيانا تمّ توجيهه إلى الهيئة الوقتية للنظر في دستورية القوانين شرحوا فيه وجهة نظرهن بخصوص التناقض بين هذا الفصل وبين الدستور كما يلي:
– ورد الفصل 24 من القانون الانتخابي في تناقض مع الفصل 21 من الدستور عبر المسّ من مبدأ المساواة وعدم التمييز ضد المرأة، إذ ورد في الفصل 21 من الدستور:” المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون دون تمييز”.
– كما يتناقص الفصل 24 من القانون الانتخابي مع الفصل 34 من الدستور الذي ينصّ على تمثيلية المرأة وذلك بـ”…تعمل الدولة على ضمان تمثيلية المرأة في المجالس المنتخبة”.
– نفس هذا الفصل من القانون الانتخابي يتعارض مع الفصل 46 في فقرتيه الأولى والثالثة في ضرب مبدأ التناصف بين المرأة والرجل والمنصوص عليه بصريح العبارة، إذ ورد في الفصل 46: ” التزام الدولة على حماية الحقوق المكتسبة للمرأة وتعمل على دعمها وتطويرها”؛ كما ورد في الفصل 46:” كما تسعى الدولة إلى تحقيق التناصف بين المرأة والرجل في المجالس المنتخبة”.
– عدم دستورية الفصل 24 من القانون الانتخابي بالرجوع إلى الفصل 20 من الدستور الذي ينصّ على علوية المعاهدات الدولية التي صادقت عليه الدولة التونسية على القوانين المحلية.إلاّ أنّ الفصل24، من القانون الانتخابي جاء منافيا للاتفاقية الدولية لمناهضة كل أشكال التمييز ضدّ المرأة في فصليها الرابع والسابع، اتفاقية كانت الدولة التونسية قد صادقت عليها سنة 1985.
حق الامنيين والعسكريين في الانتخاب
قدّمت الكتلة الديمقراطية وعدد من النواب المستقلّين عريضة طعن في الفصل السّادس من القانون الإنتخابي والذي يمنع الأمنيين والعسكريين من حقّ الإنتخاب بحجّة خرق هذا الفصل للدّستور. ولم يعرف هذا الفصل أي تعديل رغم معارضة عدد من نواب المعارضة له أثناء مناقشته. وفي تصريح لنواة أكّد النّائب سليم بن عبد السلام أن هذا المنع مخالف للدستور الذي ينصّ في الفصل 21 منه على أنّ ” المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز.” غير أنّ الإعتماد على هذا الفصل من الدّستور يكشف تناقضا داخل الدستور نفسه الذي ينص في الفصلين 18 و19 على وجوب حياد المؤسستين الأمنية والعسكريّة.
الجيش الوطني جيش جمهوري وهو قوة عسكرية مسلحة قائمة على الانضباط، مؤلفة ومنظمة هيكليا طبق القانون، ويضطلع بواجب الدفاع عن الوطن واستقلاله ووحدة ترابه، وهو ملزم بالحياد التام. ويدعم الجيش الوطني السلطات المدنية وفق ما يضبطه القانون.
الفصل 18
الأمن الوطني أمن جمهوري، قواته مكلفة بحفظ الأمن والنظام العام وحماية الأفراد والمؤسسات والممتلكات وإنفاذ القانون، في كنف احترام الحريات وفي إطار الحياد التامّ.
الفصل 19
وسيضع هذا التناقض الهيئة المؤقتة لمراقبة دستورية القوانين في مأزق أي الفصول ستعتمد في النظر إلى الطعون بهذا الخصوص؟
الطعن في السماح للتجمعيين بالمشاركة في الإنتخابات
قال النائب هشام حسني أنه بصدد جمع التوقيعات للطعن في عدم تضمّن موانع الترشّح للانتخابات للتنصيص على منع رموز النظام السابق من الترشّح. وقال حسني أنه رغم سقوط الفصل الخاص بالعزل السياسي إلاّ أنّ عدم التنصيص على هذا المنع يسقط القانون الإنتخابي في خرق دستوري جديد يتمثّل في تضاربه مع العبارة التي جاءت في التوطئة والتي تنصّ على أنّ الدستور قائم على “القطع مع الظّلم والفساد والحيف، والإنتصار للمظلومين”. وأكّد محدّثنا أنّ السماح لرموز نظام عُرف بالظلم والفساد والإستهتار بحقوق التونسيين و مصالحهم وحياتهم يسقط ما جاء في التوطئة من مبادئ ويفرغها من قيمتها.
إشكالات عقوبات الجرائم الانتخابية
تقدّم عدد من أعضاء المجلس التّاسيسي بطعون بخصوص عدم جدّية عقوبات الجرائم الإنتخابية. وقد أكّد النائب اسكندر بوعلاقي أنّ القانون الإنتخابي حدّد هذه العقوبات بخطايا ماليّة فقط دون التنصيص على إجراء إسقاط القائمة الإنتخابية المخالفة الأمر الذي يمكن أن يخدم الأحزاب ذات الموارد الماليّة الكبرى. فهذه الأحزاب قد تعمد إلى شراء الأصوات والتأثير على النّاخبين دون أن يطالها تهديد حقيقي نظرا لأن دفع غرامة مالية لا يؤثّر على ميزانيتها.
والقانون الإنتخابي حدّد عقوبات تتمثّل في خطايا مالية تترواح بين خمسمائة دينار وألفي وخمسمائة دينار لجرائم انتخابية خطيرة من بينها : عدم قيام قائمة أو مترشح بإيداع حساب مالي، قيام الأحزاب والقائمات بعرقلة أعمال محكمة المحاسبات بعدم مدّها بالوثائق المطلوبة لإنجاز الأعمال الرّقابية الموكولة لها الامر الذي يعتبر خطيرا جدا ويمكّن الأحزاب الكبرى من الحفاظ على سرية تمويلها مقابل خطية مالية بسيطة.
iThere are no comments
Add yours