recoba

بقلم احمد الرحموني،

لائحة الحكم المدني الصادر عن المحكمة الابتدائية بتونس في القضية عدد41369 بتاريخ 26 ماي 2014- والتي تعد 100صفحة – قد جاوزت دون شك الحدود المعهودة لتلخيص الاحكام ولم يكن ذلك فقط بسبب ان القضية موضوع اللائحة قد شغلت الناس لتعلقها بالرابطة الوطنية لحماية الثورة بل لان الاطراف المتعددة (المكلف العام بنزاعات الدولة-الكاتب العام للحكومة – وكيل الجمهورية )قد حرصت اضافة لذلك على تقديم كل الحجج و المؤيدات التي تملكها تقريبا لاقناع المحكمة بوجاهة الطلب الداعي الى حل الرابطة.

ولعل ذلك هو الذي دفع بالمحكمة الى تحليل جميع الوقائع والمؤيدات وتفصيل مستنداتها في حكم مطول – لا يخلو من حشو – تعرض على امتداد 57 صفحة خصصت للمحكمة الى سلامة اجراءات تعهدها بالبت في النزاع ومدى توفر شروط حل الجمعية المدعى عليها وموجبات تعيين المصفي القضائي و الاذن بالتنفيذ الوقتي الخ….وهو ما اقتضى اعداد فهرس مفصل في اخر الحكم .

وبالرغم من مشقة القراءة في هذه الاوقات فقد استكملت الاطلاع على كامل الحكم وبدا لي ان شخصيات الحياة العامة التي ارتبطت بمسرح الاحداث السياسية قد قفزت بصفة طبيعية الى “مسرح التقاضي”وتحول الحديث عنها الى سجال لا نعرف مداه بين الخصمين الرئيسيين الحكومة و الرابطة.

ومن المفارقات ان شخصا يدعى “ريكوبا”وهو السيد محمد امين العقربي(حسبما ورد بالحكم) قد اصبح ملتصقا بالرابطة الوطنية لحماية الثورة الى الحد الذي اضطر هذه الاخيرة الى انكاره ودفع بالحكومة الى محاولة الحاقه – بكل ما اوتيت من قوة – الى صفوف الرابطة المذكورة .فما السر في ذلك .؟

مصالح الخصوم

– فمن جانب المدعي وهو الكاتب العام للحكومة -و في صفه ايضا وكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بتونس- تظهر مخالفة المدعى عليها (الرابطة الوطنية لحماية الثورة) للتشريع المتعلق بالجمعيات في ان “احد الاشخاص ويدعى” ريكوبا”تدخل خلال اجتماع نظمته الجمعية بصفاقس بتاريخ 15 جوان 2013 والقى خطابا يحرض صراحة على العنف حسبما يتضمنه القرص المضغوط الذي يحتوي على تسجيل حصة من برنامج “التاسعة مساء “بقناة “التونسية” ليوم 17 جوان 2013″ اما من جانب المدعى عليها فقد اجاب نائبها”ان ما تتهم به منوبته في خصوص العنف و التحريض امر زائف و لا اساس له من الصحة وان الشخص الذي يسمى” ريكوبا”لا علاقة له بالجمعية كما لا علاقة لمنوبته بالاجتماع الذي انعقد بمدينة صفاقس بتاريخ 15 جوان 2013 ولايمكن الاعتماد على مجرد قرص مضغوط لاثبات فعلة تعد جريمة تقع تحت طائلة القانون الجزائي اذ لابد من الاعتماد على حكم نهائي وبات ولا يمكن ان تكون تهمة كتلك بمجرد قول او فيديو وان حق التنظم حق مكفول دستوريا وبقانون الجمعيات نفسه و الحقوق الدستورية لا يحرم منها اي كان الا بحكم قضائي نهائي و بات ” وبناء على ذلك يبدو من جهة الرابطة ان انجع الوسائل لرد الدعوى هو انكار علاقتها بريكوبا وبالاجتماع المنظم في صفاقس في 15 جوان 2013اضافة الى الغاء الاحتجاج بالقرص المضغوط اما من جهة الحكومة فقد رات ان اثبات العلاقة بين “ريكوبا ” و الرابطة وحصول الاجتماع في تلك الظروف يعد كافيا لاثبات ممارسة العنف من قبل الجمعية المدعى عليها.

دعوى العنف بين الاثبات و الانكار

يظهر ان السجال بين الطرفين – حسبما تبين من مستندات المحكمة – قد بلغ اشده في هذه النقطة بالذات ولم تغفل المحكمة ان تورد الحجج المتعارضة للطرفين فمن جانب اول راينا المدعي يتهم نائب المدعى عليها بمحاولة التفصي من تبعات الوقائع الثابتة ويتساءل في صيغة حماسية “ان كان المدعو “ريكوبا” لا علاقة له بالرابطة فكيف يظهر على ركحها بعد ظهور رئيسها ويتحدث بنفس خطابها و يرفع نفس شعاراتها واضافة الى ذلك فان نائب المدعى عليها لم يقدم ما يفيد منع اعضاء الرابطة لهذا الشخص من القاء بيانه المحرض على العنف كما لم يقدم ما يفيد ان الرابطة قد تبرات من هذا الخطاب” اما من جانب ثان فقد حاولت الرابطة الدفاع عن براءة ذمتها من المدعو “ريكوبا” مبرزة ان “المدعي لم يقدم ما يفيد عضويته (اي عضوية ريكوبا) بالجمعية او تحمله لاية مسؤولية فيها ولا يمكن اعتبار وجود منير عجرود(وهو رئيس الرابطة )الى جانبه في ملتقى بصفاقس قرينة على ان هذا الاخير يتبنى نفس الافكار و المواقف سيما وان الملتقى يجمع بين عدد من الاحزاب و الجمعيات بما فيها حركة وفاء و المؤتمر من اجل الجمهورية و حركة النهضة و غيرهم “.

ورغم اني لا اريد – على الاقل في هذا المستوى من النقاش – ان ابدي رايا حاسما في قضية جارية هي الان من انظار محكمة الاستئناف بتونس الااني ارى من الملائم الاستعانة بجملة من المبادئ المتصلة بالموضوع وخارج اطار الحكم قبل ان اورد تعليل الحكمة والحل الذي ارتضته بشان هذه الاشكالات القانونية .

حرية التنظم في ضوء المبادئ

يمكن الاشارة في هذا الصدد الى مبدا عام يتعلق بانهاء الجمعيات ووقف عملها وحلها اضافة الى مبدا خاص يجيب عن التساؤل المطروح امام المحكمة بشان مسؤولية الجمعيات عن سلوكات اعضائها.

فبالنسبة للمبدا العام تتجه توصيات الامم المتحدة الى اعتباران “وقف عمل جمعية و حلها غير الطوعي هما النوعان الاشد صرامة من القيود المفروضة على حرية تكوين الجمعيات.وعليه لا ينبغي السماح بذلك الا اذا كان هناك خطر جلي و محدق يؤدي الى انتهاك جسيم للقانون الوطني(تقرير المقرر الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي والحق في حرية تكوين الجمعيات –الامم المتحدة –الجمعية العامة -21 ماي 2012) وفي نفس السياق تؤكد المعايير الاقليمية الاوربية على “ان منع او حل حزب سياسي (وهو ما ينطبق على الجمعيات)هو تدبير استثنائي في مجتمع ديمقراطي.واذا ما اتخذت الهيئات المختصة بالدولة قرار الالتجاء الى السلطة القضائية حول مسالة منع حزب سياسي فيجب ان تتوفر لديها الادلة على وجود تهديد حقيقي للنظام الدستوري او للحقوق و الحريات الاساسية المكفولة للمواطنين “ومقتضى ذلك”ان مجرد الاحتجاج على النظام القائم لا يمكن ان يعتبر في حد ذاته موجبا للعقاب في دولة ليبرالية و ديمقراطية”(المبادئ التوجيهية حول منع و حل الاحزاب السياسية و التدابير المشابهة – لجنة البندقية –سترازبورغ -10 جانفي 2000).

امابالنسبة للمبدا الخاص فمن المستقران الجمعية لا يمكن ان تكون مسؤولة عن سلوك اعضائها وكل اجراء يتخذ لتقييد حرية جمعية او حزب بسبب سلوك اعضائها يجب ان يتم تاييده بما يثبت ان المعني بالامر قد تصرف بدعم من تلك الجمعية او ان هذا السلوك كان نتيجة برنامج تلك الجمعية او من ضمن اهدافها وفي صورة غياب تلك العلاقات او عدم اثباتها فان المسؤولية يجب ان تحمل بالكامل على العضو المعني بالامر (المبادئ التوجيهية حول منع و حل الاحزاب السياسية و التدابير المشابهة المذكورة اعلاه).

وامام هذه المبادئ ربما كان من المتوقع ان تذهب المحكمة –على الاقل فيما يتعلق بتلك الواقعة المنسوبة لريكوبا –في اتجاه المسؤولية الفردية واستبعاد مسؤولية الجمعية عن افعال اعضائها على فرض ثبوت العضوية او انتفاء ذلك تماما في صورة عدم اثباتها.

اجتهادات المحكمة

لكن من الملاحظ ان المحكمة قد اجتهدت في اثبات علاقة ريكوبا بالرابطة الوطنية لحماية الثورة استنادا الى اعترافه الصريح بذلك والى القرائن الدالة عليها اضافة الى الظروف الحافة بحادثة المنصة التي تحمل على الاعتقاد بان الجمعية تتبنى سبيل الدعوة الى العنف مع اعتبار ان القرص المضغوط – وهو الوعاء المادي للواقعة –هو من وسائل الاثبات المعتمدة قانونا.

فمن جهة العلاقة بين الطرفين اوردت المحكمة انه بمناسبة سماع المدعو محمد امين العقربي شهر “ريكوبا” صلب محضر البحث المؤرخ في 30 جويلية 2013رالمجرى بواسطة الادارة الفرعية للقضايا الاجرامية “اعترف صراحة بانتمائه للرابطة الوطنية لحماية الثورة واكد انه كان و لا يزال ناشطا بها وقد تم سماعه بتاريخ لاحق عن التظاهرة التي جدت بمدينة صفاقس بتاريخ 15 جوان 2013” كما اضافت المحكمة “ان ذلك الاعتراف المفصل و الصريح بانتماء من اشتهر “ريكوبا” للمدعى عليها عززته الوقائع المادية المتمثلة في صعوده على نفس المنصة التي اقيم عليها المهرجان الخطابي الذي شارك فيه رئيس الرابطة المدعى عليها.” اما من جهة ظروف المهرجان الخطابي فقد خلصت المحكمة الى ان الرابطة قد اعترفت “بفحوى تلك التصريحات وصدورها من المذكور ولم تتبرا لا منها ولا ممن صدرت عنه في ابانها الامر الذي يؤكد الاستخلاص بتبني المدعى عليها سبيل الدعوة الى العنف وانتهاجه في تظاهراتها ونشاطاتها وفي ذلك مخالفة صريحة لمقتضيات المرسوم المنطبق(المتعلق بالجمعيات) ولمبادئ دولة القانون التي تؤسس للتعايش السلمي …الخ” اما من جهة القرص المضغوط فقد اعتبرت المحكمة ان اعتراف المدعى عليها بمحتواه يكسبه صبغة الكتب الرسمي الذي له حجية مطلقة تجاه الكافة بما تضمنه محتواه وبما نص عليه القانون (الفصل 449من (الالتزامات مجلة الالتزامات و العقود وفي ضوء ذلك يبقى لمحكمة الاستئناف ان تتامل في تلك العناصر التي كانت من جملة الاسباب الداعية لحل الرابطة وان تتوقف عند النتائج التي خلصت اليها المحكمة الابتدائية سواء فيما يتعلق بموجبات حل الرابطة او علاقتها بريكوبا او مسؤوليتها عن افعاله اوقوة الاثبات المقررة للقرص الضغوط امام القضاء المدني الخ…

باردو في 8 جوان 2014