مقترح الرئيس التوافقي هو مقترح مموه وغير منسجم، نعرف أن التوافق حول حاكم ما -أي الإجماع بالاصطلاح التراثي- لم يتحقق لأي حاكم عبر التاريخ، لذلك نشأت آلية الإقتراع العام بما تتيحه وتبيحه من تحالفات وحملات انتخابية ومنافسة ديمقراطية وداخل هذه القواعد المتوافق حولها لنا أن نقول إن هذا هو المرشح التوافقي لهذا الائتلاف أو ذلك التحالف المشكًّل من قوى سياسية معينة وليس المرشح التوافقي في صيغة المطلق، وإلا ماذا سيسمى منافسه الانتخابي على نفس المنصب؟؟
أما سياسيا فقد فتح هذا المقترح المموه أبواب المحاصصة الحزبية والإغراءات والإغواءات على مصرعيها وفتح شاهية الإحتطاب السياسي لرهط واسع، كما شرع الباب واسعا للسفارات الأجنبية لتدفع بمرشحيها هي الأخرى أو تعلي كفة هذا ضد الآخر وتضرب هذا بذاك وهو مشهد بات ملموسا ومدركا بشكل واضح. ليتحول الإستحقاق برمته إلى بازار سياسي أشبه ببطحة نخاسة يستعرض فيها كل مريد مفاتنه ومهاراته حتى ينال إعجاب المشترين ويفوز بنيشان الأسياد المانحين.الاكيد ان مقترح الرئيس التوافقي سيحرج اعتدادا زائفا بالذات و سيكشف القناع عن المحدودية والقصور اللذان يتخبط فيهما مواقف المرشحين للرئاسةو اداؤهم الراهن ، أكيد أيضا انه سيكشف مثلا عبثية مقولة المواجهة بين تيار 18 اكتوبر وتيار 7 نوفمبر أو مواجهة عودة النظام القديم. على الرغم من امكانية افتراض ان طريق تيار 18 اكتوبر مختلف عن طريق تيار 7 نوفمبر، لكن هيهات ان لم يكن بعيدا عن أية شعاراتية زائفة لا تخدم سوى مصالح سياسية خاصة لا غير، وتعطل مسار الديمقراطية في تونس مستقبلا.
في صلب الحديث عن الانتخابات لا بد أن نذكر ان المرزوقي أثبت انه اذكى من خصومه لأنه عرف كيف يدير المعركة رغم الهجمة الإعلامية، فقد حول كل هجمات السخرية والتهكم الى تعاطف شعبي و استطاع ان يقنع جزءا كبيرا لدى الرأي العام الإنتخابي و خاصة لدى قواعد النهضة انه المدافع الشرس عن الثورة. واستعان بوجوه ثقافية تقدمية ذات مرجعية يسارية لا تعادي الهوية. وفي النهاية، المرزوقي يخوض معركته الخاصة لا معركة الشعب و هو كغيره لا يصلح للرئاسة. فالرجل بقي ممسكا بيده بأهم اسلحة المعركة السياسية في تونس ما بعد 14 جانفي، ألا وهو سلاح ملفات الفساد والمنظومة التسلطية لنظام بن علي مدركا لما تكتسيه معطياتها ومعلوماتها من اهمية لدى كل من كانت له صلة بالنظام من قريب أو بعيد، خاصة و أن العملية السياسية الحالية تدار في مجملها تحت سلطة هذه الملفات ويقترب المتنافسون من السلطة أو يبتعدون ضمن ما تقدمه من هوامش المناورة والتكتيك وتمرير الصفقات للمنفعة والمصلحة المتبادلة. ربما هذا جزء من الإستراتيجيا الدفاعية للمكتب الرئاسي في قرطاج في هذا الوقت الحرج بالنسبة للجميع، ولعل اهم تجلياته ظهر مع تسريب الكتاب الأسود وما رافقه من ضجة إعلامية وما كان لمستشار الرئاسة والناطق الرسمي باسمها السيد عدنان منصر من تصريحات اكدت كثرة هذه الملفات وما لا يزال في حوزة الرئيس ….اذا كانت هذه التسريبات ضغط على رموز النظام السابق و النهضة ودفع لها لتجديد عهودها وإلزام لها بها، وليست لللمواجهة الحقيقية…ألم نفهم بعد أن المرزوقي ليس أهلا للرئاسة. المرزوقي عينه مركزة دائما على الإستحقاق الرئاسي الذي كان حاضرا في كل قراراته و كثيرا ما لقيت استهجانا حتى من شريكيه المباشرين، هنا ايضا يتنزل اصداره للكتاب الأسود الذي صيغ على المقاس و دون جدوى تذكر.
خلاصة القول، ان التحدي المطروح اليوم ليس صنع امجاد لزعامات وهمية ولا هو التمترس في معركة للدفاع عن شخصية وتمكينها من المدد الكافي لتقارع به من اجل السلطة. فالحركات الشبابية التي تعرض خدماتها لمرشحي الإنتخابات الرئاسية القادمة لن تُمنح أو تُمكّن من أي موطئ قدم على أرض السلطة مادامت “غير منضبطة”. والمبادرات الشبابية لعرض خدمات الشباب في الإنتخابات إما أنها مدبرة وإما أنها غبية جدا ؟ وشعارات المنظمات الشبابية الحزبية “شباب يقرر شباب يشارك” تموت بنهاية المؤتمرات عند تنصيب قياداتها… الشباب الذي يستعد لعرض إمكانياته ومواهبه لأحزاب الانتخابات القادمة او لقيادات احزاب يعرف كيف سيشارك وكيف سيَستغِل وسيُستغَل…. لا مواقع ولا مناصب في السلطة لا تنفيذية ولا إستشارية، فقط ستستغل النخب “العريقة” من ناحية، سعيا لكثير من شباب تونس للظهور والشهرة ومن ناحية أخرى غباء نضاليا لفئات واسعة من شباب البلاد.
بداية، يبدو لي هذا المقال مضطربا وغير مترابط العناصر فضلا على أنه لا يجيب بشكل ملموس عن السؤال المضمّن في عنوانه. ولمحاولة الإجابة عن نفس هذا السؤال أقول: أولا، الانتخابات ليست شرط أساسيا ولا كافيا للتغيير. لنأخذ مثلا الديمقراطيات العريقة كفرنسا التي تعاني اقتصاديا منذ ما يقارب العقد. ورغم أنّ شعبها اختار اليسار الاشتراكي لمحاولة التغيير بعد عقدين من حكم اليمين الليبرالي إلا أنّ الحكام الجدد فشلوا في ذلك فشلا ذريعا. والسبب وراء ذلك هو عدم قدرة الحكام المنتخبين سواء من اليمين أو اليسار خلال الفترة الماضية على تمثل مشاكل الشعب وصياغة رؤية متكاملة لتغيير يتماشى مع آمال الناخبين. هذا المثال وإن لم يكن عاما إلا أنه يدلّل على حدود الديمقراطية التمثيلية التي لا تزال تحكم بعض الدول الغربية. ويعزّز هذا الاستنتاج أنّ الناخب في الدول التي تعتمد على ديمقراطية أكثر تشاركية (كسويسرا وبعض الدول الاسكندنافية) أكثر سعادة وأفضل حالا (اجتماعيا ومهنيا) رغم حجم الأعباء الضريبية التي يدفعها للدولة. أما في دولة مستبّدة كتونسنا العزيزة التي انقلبت على دكتاتورها السابق لتضع مكانه وكلاء جددا يحكمون بديكور ديمقراطي باهر الألوان لكنه زائف المضمون، فإن أية إمكانية للتغيير تكاد تكون مستحيلة مهما كانت الانتخابات حرة، شفافة ونزيهة. والأسباب وراء ذلك عديدة: أولها، أننا لو افترضنا -جدلا- أنّ الانتخابات نزيهة فعلا لا قولا وأنّ القانون الانتخابي يضاهي نظرائه في الغرب “الكافر” وأنّ الفصل بين السلط عقيدة راسخة لدى حكّامنا وأنّ أجهزة الرقابة المالية والقانونية قوية ونافذة، فإنّ اعتماد الديمقراطية التمثيلية (أو “أعطني صوتك وعُدْ إلى بيتك”) لن تستطيع حلّ مشاكل شعب أكثر من نصفه تحت سن الثلاثين ولا علاقة لعجائز الأحزاب واللوبيات بمشاكلهم. هذه القطيعة بين الأجيال تمثل لوحدها سببا كافيا لجمود المشهد ومقاومة كل تغيير ممكن. هذا دون الحديث عن سيطرة القوى المحافظة على دوائر الفعل السياسي (سواء في نسختها البرجوازية المتعفنة أو الدينية المتخلفة). ولعلّ انتخابات أكتوبر الأسود ونتائجها سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية دليل واضح يؤكد هذه الخلاصة البسيطة. ثم هل نحن في تونس أمام هذا السيرك الدرامي المسمّى بال”انتقال ديمقراطي” أمام ديمقراطية حقيقية تفصل بين السلط وتفعّل أجهزة الرقابة وتحمي صوت الناخب أيا كان توجّهه؟ هل أمام هذا السيل الجارف من المال الفاسد والحجم المتعاظم للوبيات الفساد والكم الهائل من التزوير والاستعداد الطبيعي لدى أغلبية أفراد الشعب للانخراط في دوائر الفساد، الزبونية والتزييف، نحن بصدد انتخابات لها الحد الأدنى من المصداقية والنزاهة؟ وهل دستورنا ديمقراطي أو قانوننا الانتخابي عادل أو هيئاتنا مستقلة ومهنية؟ الإجابة بلا عن بعض من هذه الأسئلة ينسف “البناء الديمقراطي” المزعوم من أساسه ويجيب بالنفي عن السؤال المطروح أعلاه. لقد جربنا التزييف والتزوير وحكم اللوبيات والفاسدين والمستبدين لستة عقود ماضية ونعلم أفضل من غيرنا أن الانتخابات غير الديمقراطية لا تنتج تغييرا. وأخيرا وليس آخرا، هل للاعبين المؤثرين في المشهد السياسي رؤية للتغيير أم أنّ كلهم تقريبا يلهثون وراء السلطة فقط من أجل النفوذ والمال وإشباع الأهواء؟ وهل منهم من قدّم طرحا سواء اقتصاديا أو اجتماعيا أو سياسيا أو علميا/تقنيا/ثقافيا خارج الطرح الذي تبنّاه بورقيبة وبن علي لستة عقود؟ حتى أولئك الذين يتكلّمون عن “البلد الآمن، الاقتصاد الصاعد” يبيعون وعودا لا تلزم سوى من صدّق وعودهم ب”الوفاء والإخلاص”. لا يزال الوقت مبكّرا عن الديمقراطية والتغيير
المقال فيه اختزا ل صحيح واي فكرة كان لابد لهامن تفريعات خاصة ربط السياسي بالمالي بالمصلحي و الاعلامي.الانتخابات ليست كافية وغير مجدية حسب ما اكدته التجربة التاريخية لتونس بعد الاستقلال لاكثر من 50 عاما.فنقطة التحول الحقيقية هي في تبدل تلك الهيكلية الاجتماعية التقليدية التي تحكم في ممارستنا لجملة الحقوق والحريات الممنوحة لا المكتسبة والتي تحكم علينا بالتحول من امل المواطنة الى حقيقة اننا مجتمع فيه مواطنون درجة اولى وثانية وثالثة…
فكيف يمكن ان نقتنع بانه مامن خوف بعد اليوم على حريات المواطن التونسي وحقوقه ؟ ولا زلنا نعيش بحكم الامر الواقع اي بما تحدده جملة البنى التقليدية التي تحددت على اساسها موازين القوى المجتمعية والسياسية القديمة ضمن ما تسمح به حدود الصراع الجهوي والقبلي والمالي اي معارك اقتسام النفوذ والسيطرة لا جهد تحقيق العدل والعدالة الاجتماعية.
على الرغم من ان المشهد الرسمي لمنطق تكبيل الحريات او تحريرها يبدو اليوم على انه ديمقراطي ومنفتح ومنظر للحقوق والحريات الا انه يبقى قاصرا عن التحقيق الفعلي لها حتى وان توفرت الرغبة والارادة (الغير متوفرة والمستبعدة اصلا) امام غياب ضوابط مجتمعية جديدة تعوض استمرارية هذه الهيكلية الاجتماعية البالية والقوية في آن : بالية لتخلفها عن منطق التغيير واحلام الانعتاق وقوية بالمؤمنين بها اي اولائك المستفيدين اصلا من استمرار الاوضاع على ماهي عليه ويجهدون من اجل استمرار احكام الامر الواقع وموازين قواه….
لهذا فانه لا جدوى من انتخابات قد يحدد المرء نتائجها سلفا وهو يعلم اي قائمة ستحظى بدعم العرش الفلاني والعلاني .
لا جدوى من انتخابات قد تشهد نسب اقتراع ضئيلة ولا تمثل بذلك تحقيقا لارادة الشعب واجماعه.