المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

vote-utiles-tunisie

بقلم مطاع أمين الواعر،

أتحفنا خبراء في علوم الاحصاء وكتاب سياسيون مرموقون طيلة المدة التي سبقت الانتخابات التشريعية بنظريات شتى وبراهين لا تعد ولا تحصى عن الفوائد الجمّة لـ “التصويت الناجع” أو المجدي للنداء، لكن السيل لم يقف عند هذا الحد بل أنه بلغ رمي المنادين بالتصويت لغيره ممن شاركوا في اعتصام الرحيل بـ: الواهمين، الرومانسيين، جهلة السياسة، أنانيين، أصحاب رؤية حزبية ضيقة…

ويمكن تلخيص حجج أنصار النجاعة في فكرة بسيطة: حصد أكثر عدد من الأصوات سيمكن الديمقراطيين من تبوء الطليعة وبالتالي تشكيل الحكومة، أما تشتيت الأصوات فإنه سينتج ضياع أصوات لن تكون لها فائدة في تغيير المسار الحكومي.

لن أناقش هنا مسألة إندماج نداء تونس في الحركة الديمقراطية، فتلك قضية أخرى يطول شرحها، تحتاج قبل كل شيء -للحسم فيها- العودة لتعريف المفاهيم المؤسسة للديمقراطية، ثم غربلة الطيف السياسي مدّعي الديمقراطية اعتمادا على هذه المفاهيم وهي عملية قد تسقط حتى البعض من “أباطرة” الديمقراطية في تونس. لذلك فإني أقول بكل وضوح أن هذا القوس الذي أفتحه بالشكل الذي اخترته له عاجز عن أن يعطي هذه المسألة حقها حاليا وسأكتفي فيه بالرد حسابيا على الحجة المذكورة أعلاه.

كما أن رؤيتي لن تتجه أصلا إلى نداء تونس كمركز لترويج خيار “التصويت الناجع”، فهو لا يعنيني، وليس من أهدافي التأثير فيه، بل ما يشغلني هم الأعداد الكبيرة من أصحاب الميول الديمقراطية واليسارية الذين أعطوا أصواتهم لنداء تونس حماية لـ “الوطن” من حكم النهضة ومشروعها، فهل يا ترى ذهبت أصواتهم للفائدة التي يرجون؟ أما فيما يتعلق بالتعريف المحدود وغير الدقيق للديمقراطية الذي سأبني عليه التحليل الذي أنا بصدده، فإنه سيقتصر على القوى التي شاركت في اعتصام المصير (أحزابا، تنظيمات أخرى وأفرادا) وحتى القوى اليسارية المتبقية التي قاطعت هذا التحرك في أثناءه فأنها قد خيرت مقاطعة الانتخابات وهو ما يبقي على خياري صائبا على ما أضن.

منهجيا سأعتمد على النتائج الرسمية للانتخابات التشريعية عبر احتساب بسيط لعدد الأصوات التي ذهبت لنداء تونس ولم تترجم إلى مقاعد في كل دائرة واحتساب ما كان من الممكن ترجمته إلى مقاعد لو تحول اختيار هذا الجزء الناخبين من “التصويت الناجع” إلى شكل أخر قد يشمل عددا أوسع من القائمات.

عمليا سأقوم بطرح كل الأصوات “الزائدة” بكل جهة عن القائمة الأخيرة الفائزة بمقعد بأفضل البقايا ومقارنة ما تبقى بعد هذا الطرح بنفس عدد الأصوات والإجابة على السؤالين التاليين: هل أن عدد الأصوات المتبقي كافي بذاته أو إن أضيف لأخر قائمة ديمقراطية (أو أكثر) لم تفز للحصول على مقعد إضافي؟ سأنطلق في البداية بدائرتين نموذجيتين، إحداهما دائرة يُحدث تطبيق التجربة عليها فرقا في النتيجة الانتخابية وأخرى لا يحصل فيها ذلك، لأكتفي من ثمة بتقديم نتائج تطبيق نفس المنهج على بقية الدوائر.

مثالنا عن الدائرة التي يحدث فيها التغيير فرقا سيكون ولاية بن عروس، حيث أفرزت نتائج الانتخابات قاسما انتخابيا يقدر بـ 21623 صوتا. فازت حركة نداء تونس في هذه الدائرة بـ 4 مقاعد، 3 منها كانت بالقاسم الانتخابي ومقعد رابع بأكبر البقايا بـ 19490 صوتا. القائمة الأخيرة التي فازت بمقعد عن التيار الديمقراطي بـ 7226 صوتا. أي أن قائمة نداء تونس كان يمكن أن تحصل على نفس المقعد دون أن يلقى بـ 12263 صوتا عرض الحائط. بل أنه عدد كان يمكن أن يعطي بمفرده موقعا إضافيا للحركة الديمقراطية التقدمية لو أن من تجندوا تحت طائلة بروباغاندا الرعب التي أقام عليها النداء حملته، أعطوا أصواتهم لقائمة ديمقراطية أو يسارية حزبية أو مستقلة أخرى. بدل ذلك ذهب هذا المقعد للترويكا ومشتقاتها.

أما المثال العكسي فنجده في القصرين حيث أن نداء تونس حصل على مقعدين بالاعتماد على الحاصل الانتخابي المقدر بـ 13024 صوتا ومقعد بأفضل البقايا وهو 2313 صوتا متقدما على التكتل الذي يليه بـ 2180 صوتا مما يعني أن التصويت المفيد من طرف اليساريين والديمقراطيين “الخائفين” لم تكن له تبعات حسابية مباشرة.

بقية العملية الحسابية يلخصها هذا الجدول الذي يبين العدد الجملي للمقاعد الضائعة في كل دائرة بسبب الاعتماد على خيار “التصويت الناجع” من طرف جزء من اليساريين والديمقراطيين بدل التصويت لقائمات ديمقراطية أو يسارية كان يمكن أن تكون في المجلس بفضل أصواتهم.

limite-vote-utile-tunisie-2014

هناك 4 دوائر حصل فيها استثناء عن النموذجين الذين ذكرتهما سابقا بالمقارنة مع الـ 28 دائرة المتبقية. فقد بقي من أصوات نداء تونس في هذه الدوائر عدد ضائع من الأصوات يكفي لدفع قائمتين تقدميتين عوضا عن قائمتين غير ديمقراطيتين.

وللتوضيح فإن القائمات التي يكون لتعويضها معنى ديمقراطي، هي قائمات النهضة، الاتحاد الوطني الحر، التيار، المؤتمر، حزب المبادرة وتيار المحبة…

بناء على هذا التحليل فإني أستطيع الأن أن أجزم بأن سقوط جزء من الديمقراطيين واليساريين في فخ “التصويت الناجع” قد جعل الحركة الديمقراطية تخسر مجانيا 20 مقعدا كان يمكن أن يكون لها وزن من ذهب في تعديل الكفة ديمقراطيا بين كتلة نداء تونس وكتلة النهضة .

في الختام يهمني أن أوضح أنني على وعي تام بحدود العملية الحسابية التي قمت بها وأن الدعم يختلف من منطقة لأخرى، حسب تركيبة القائمات وحسب توجهاتها. كما أن تحويل من انتخبوا نداء تونس من اليساريين والتقدميين جماعيا من التصويت لنداء تونس إلى قائمة ديمقراطية أو يسارية ليس بالأمر البديهي ولكنها فرضية أعتقد أنها منطقية.

تونس في 10 نوفمبر 2014