المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

gov-jomaa-loi-finances-2015

مجلس نواب الشعب يعتدي على حقوق المستشارين الجبائيين في اليوم العالمي لحقوق الانسان

نص الفصل 19 من مشروع قانون المالية لسنة 2015 على إرجاع فائض الضريبة على الشركات او الاداء على القيمة المضافة بالنسبة للمؤسسات الراجعة بالنظر إلى إدارة المؤسسات الكبرى بمقتضى التشريع الجاري به العمل دون مراجعة معمقة مسبقة لوضعيتها الجبائية، شريطة إرفاق مطلب استرجاع فائض الضريبة على الشركات بتقرير خاص من مراقب الحسابات يتعلق بالتدقيق في الفائض موضوع مطلب الاسترجاع اي بعد الزامها في خرق لاحكام الدستور والقوانين المهنية بتكليف مراقب حسابات بمهمة تدقيق جبائي خاصة واستثنائية زيادة على مهمته الاصلية.

تتمثل مهمة “التدقيق الجبائي” التي تمت الاشارة اليها صلب الفصل 19 من المشروع في تشخيص وضعية المؤسسة بالنظر للاحكام الجبائية وتقديم النصح لها لتفادي عند الاقتضاء اخلالاتها وهذه المهمة ترجع بالنظر للمحامين حسب الفصل 2 من المرسوم عدد 79 لسنة 2011 متعلق بتنظيم مهنة المحاماة وكذلك المستشارين الجبائيين حسب احكام الفصل الاول من القانون عدد 34 لسنة 1960 متعلق بالموافقة على المستشارين الجبائيين : “إن جميع الشركات أو الأشخاص الماديين الذين تقتضي مهنتهم القيام بالموجبات الجبائية لفائدة المطلوبين ومدهم بيد المساعدة والنصائح أو الدفاع على حقوقهم لدى الإدارة الجبائية أو المحاكم التي تبت في النوازل الجبائية يعتبرون كمستشارين جبائيين سواء أكان قيامهم بتلك المهنة بصفة أصلية أو ثانوية”.

اما الخبير المحاسب فلا يجوز له قانونا القيام بمهمة “تدقيق جبائي” مثلما يتضح ذلك من خلال احكام الفصل 2 من القانون عدد 108 لسنة 1988 متعلق بتنظيم مهنة الخبير المحاسب الذي نص بوضوح على ما يلي :” يعد خبيرا محاسبا على معنى هذا القانون كل شخص يمارس باسمه الخاص وتحت مسؤوليته الخاصة مهنة معتادة تتمثل في تنظيم ومراجعة وتعديل وتقدير حسابيات الشركات والمؤسسات التي لا يكون مرتبطا معها بعقد شغل، وهو مؤهل أيضا ليشهد بصدق وبسلامة الحسابيات والمحاسبات مهما كان نوعها بالنسبة للشركات التي كلفته بهذه المهمة بصفة تعاقدية أو بمقتضى الأحكام القانونية والترتيبية وخاصة منها ما يتعلق بمباشرة مهمة مراقب حسابات لدى الشركات. ويمكن للخبير المحاسب أن يحلل وضع المؤسسات وطرق سيرها من مختلف نواحيها الاقتصادية والقانونية والمالية حسب الطرق الفنية للحسابية”.

كما ان المحاسب لا يجوز له قانونا القيام بمهمة تدقيق جبائي مثلما يتضح ذلك من خلال الفصل الاول من القانون عدد 16 لسنة 2002 متعلق بتنظيم مهنة المحاسب :” يعد محاسبا على معنى هذا القانون كل شخص يمارس باسمه الخاص وتحت مسؤوليته مهنة تتعلق بمسك أو المساعدة على مسك محاسبة لمؤسسات لا يكون مرتبطا معها بعقد شغل وذلك مع مراعاة أحكام الفصل 12 من هذا القانون. كما يمكن للمحاسب الذي تتوفر فيه الشروط المبينة بهذا القانون القيام بمهام مراقبة حسابات الشركات طبقا لأحكام مجلة الشركات التجارية”.

اذا، فمراقب الحسابات الذي يمكن ان يكون خبيرا محاسبا او محاسبا تتمثل مهمته في ابداء الراي حول صحة المحاسبة وشفافيتها، علما ان المحكمة الادارية اكدت من خلال قرارها التعقيبي عدد 35770 المؤرخ في 19 جوان 2006 ان مصادقة مرا الحسابات لا تضمن صحة المحاسبة وشفافيتها، دون الحديث عن المؤسسات التي طالبتها ادارة الجباية بدفع مبالغ ضخمة تقدر في بعض الاحيان بعشرات المليارات رغم المصادقة على محاسبتها دون تحفظ من قبل مراقب حسابات وادارة الجباية على علم تام بتلك الملفات ولم نسمع يوما ان طرفا ما اثار المسؤولية المدنية والجزائية لمراقبي الحسابات خاصة بالنسبة للمؤسسات العمومية بما في ذلك البنكية المنهوبة التي تمت المصادقة على محاسبتها دون تحفظ.

خلافا لاحكام الدستور وللفصل 265 من مجلة الشركات التجارية وللقوانين المهنية المحددة لمهام المحامي والمستشار الجبائي والمحاسب والخبير المحاسب، جاء الفصل 19 من مشروع قانون المالية لسنة 2015 ليغتصب مجال تدخل المستشار الجبائي والمحامي علما ان ادارة الجباية اكدت من خلال مذكرتها الداخلية عدد 30 لسنة 2007 ان المحاسب والخبير المحاسب ليس لهما الحق في القيام بمهام ترجع بالنظر للمستشار الجبائي. كما ان المحاكم الفرنسية اكدت من خلال العديد من قراراتها ان الخبير المحاسب لا يمكنه القيام بمهام تدقيق جبائي او اجتماعي وبالاخص في القضية التي انتحل فيها مكتب التدقيق المالي “الما كونسلتنق” صفة المحامي من خلال قيامه بمهام تدقيق اجتماعي.

هذا الفصل الفاسد كرس مزيدا من التمييز بين دافعي الضرائب الخاضعين لمراقبة الحسابات وغير الخاضعين لها بمقتضى القانون في خرق للفصلين 15 و21 من الدستور باعتبار ان احكام الفصل 19 من المشروع لن تنطبق الا على صنف من المؤسسات دون سواها، علما ان اشتراط الانتفاع بحق بالمصادقة على الحسابات يعد بدعة في التشريع التونسي لا نجد لها مثيلا بالتشاريع الاجنبية وان المحكمة الادارية اكدت من خلال قرارها التعقيبي عدد 35770 المؤرخ في 19 جوان 2006 ان مراقب الحسابات لا يضمن صحة المحاسبة وشفافيتها.

كما ان ذاك الفصل سيضر بمصالح الخزينة العامة من خلال هروب واختفاء بعض المطالبين بالاداء الذين تحصلوا على تسبقة بعنوان فائض اداء حيث ان ادارة الجباية لم تجد لهم اثرا عندما ارادت اخضاعهم لمراقبة جبائية معمقة فما بالك بالذين سيحصولون على كامل الفائض وفي هذا خرق صارخ لاحكام الفصل 10 من الدستور.

ايضا يمثل ذاك الفصل سطوا على مهام المحامي والمستشار الجبائي والاعتداء على القوانين المهنية في خرق للفصلين 40 و49 من الدستور.

كما انه سن لخدمة مصالح شخصية وابتزاز المؤسسات ومزيد تخريب قدراتها التنافسية وذلك في خرق للفصول 10 و15 و21 و41 و49 من الدستور، علما ان المؤسسة الملزمة بتعيين مراقب حسابات ستجد نفسها ملزمة بتكليف مراقب حسابات بمهمة خاصة اضافية خارج اطار مهمته العادية وهذا من شانه ايضا تحميلها اعباء اضافية هي في غنى عنها وهذا ما لم يتفطن له اعضاء لجنة المالية، فضلا عن ان ذلك يعد خرقا لاحكام الفصل 265 من مجلة الشركات التجارية التي تحجر على مراقب الحسابات قبض اجور زائدة عن اجرته.

نظرا لكثرة مطالب الاسترجاع، اصبحت مصالح المراقبة الجبائية مشلولة اليوم نظرا لضعف امكانياتها المادية والبشرية وهذه الوضعية الخطيرة لا يمكن تجاوزها الا اذا تم التخفيض في نسب الخصم من المورد، علما ان الالية الحالية للخصم من المورد مخالفة لاحكام الفصول 10 و15 و21 و41 و49 من الدستور لانها ساهمت في شل مصالح المراقبة الجبائية تخريب سيولة المؤسسات واهدار المال العام وتكريس التمييز بين دافعي الضرائب.وتحصين المتهربين من دفع الضريبة عوض معالجة الية الخصم من المورد المضرة.

ورغم اتصال الهياكل المهنية للمستشارين الجبائيين برئيس واعضاء لجنة المالية ومد كل نواب المجلس بمذكرة بخصوص الجريمة التي ارتكبت في حقهم في جنح الظلام الا انه لم يتم الاخذ بعين الاعتبار بحقوقهم الاساسية ولتتم مكافاتهم بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الانسان من قبل اغلبية من نواب الشعب بالسطو على مهامهم في خرق لكل العهود الدولية لحقوق الانسان والدستور والقوانين المهنية وهذا من شانه مزيد التنكيل بالمستشارين الجبائيين والالاف من العاطلين عن العمل من حاملي الشهادات العليا في الجباية مثلما فعل ذلك بن علي وعصابته والموظفون الفاسدون صلب وزارة المالية طيلة عشرات السنين. وللدلالة على ان الدستور ضحل ولا يضمن الحقوق ولا يحترم المعاهدات الدولية وبالاخص الفصل 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فقد عجز المستشارون الجبائيون عن جمع 30 امضاء لثلاثين نائبا بمجلس نواب الناخبين وليس الشعب حتى يتمكنوا من الاعتراض على احكام الفصل 19 من مشروع قانون المالية التي سلبتهم حقهم في العمل وحولت المؤسسة الى بقرة حلوب خدمة لمصالح شخصية، علما ان المستشارين الجبائيين اتصلوا بكل النواب وبالاخص نواب الجبهة الشعبية الا انهم رفضوا الامضاء على عريضة الطعن باستثناء النائب الحر فيصل التبيني. اما نواب الكتل الاخرى فقد عبروا عن رفضهم للتوقيع على عريضة المستشارين الجبائيين وهذا يدل بما لا يدع مجالا للشك ان هؤلاء لا يولون اية قيمة لاحكام الدستور وللعهود الدولية المتعلقة بحماية حقوق الانسان وبمكافحة الفساد وللقوانين المهنية وغيرها. كما لا ننسى ايضا ان بعض الهياكل المهنية للمستشارين الجبائيين وجمعية المستثمر وجهت عريضة بهذا الخصوص لرئاسة الجمهورية وقد صدمت لما علمت ان رئيس الجمهورية رفض في خرق صارخ للفصل 72 من الدستور تبني مطلبها الداعي للطعن في الفصل 19 من مشروع قانون المالية المخالف للفصول 10 و11 و15 و20 و21 و40 و41 و49 و65 من الدستور، علما ان الفصول 14 و15 و16 و18 و35 و39 مخالفة ايضا لاحكام الدستور ولم يشملها طعن رئيس الجمهورية المتعلق بالفصول 11 و12 و13 و28 من مشروع قانون المالية. اخيرا، لا يسعنا الا ان نشكر النائب الحر فيصل التبيني عن حزب صوت الفلاحين الذي تبنى المظلمة الشنيعة المرتكبة في حق المستشارين الجبائيين والتي ترقى الى مستوى الجريمة البشعة نتيجة “تصويت القطيع” وقدم طعنا دستوريا يوم 18 ديسمبر 2014 أي اخر يوم للطعن.