حادثة حصلت ولن تكون الاخيرة في علاقات القضاة و الامنيين صادف فيها ان احد القضاة الشبان (ا.ب) في دائرة المحكمة الابتدائية بزغوان كان احد المتضررين ولو ان حقيقة الوقائع وفداحة الافعال تدفع الى الاعتقاد بان صفة القاضي هي التي كانت مستهدفة من رعونة احد المنتسبين الى شرطة المرور .ملف القضية وما يحتويه من تفاصيل وتصريحات ومحاضر وشهادات اخذ طريقه الى المحكمة بعد ان تعهدت النيابة العمومية منذ تاريخ الحادثة الموافق ليوم الاحد 30 اوت الفارط.وقد ال الامربعد اربعة ايام- طبق مصادر قضائية – الى ” سماع المتهم م.ر. وهوعون فرقة شرطة المرور الذي اعتدى على القاضي المتضرر وسماع بقية اعوان الفرقة وتولى المساعد الاول لوكيل الجمهورية ايقاف المتهم بعد اعترافه بما نسب اليه ووجهت له تهم التهديد بما يوجب عقابا جنائيا ومخالفة القرارات الصادرة عمن له النظر وهضم جانب موظف عمومي بسبب وظيفته”.
وبعيدا عن التفاصيل – التي يمكن ان يسيئ جانب منها الى صورة القاضي رغم التزامه الهدوء ردا على اهانته – يبقى لنا الحديث عن دلالات تلك الوقائع من ذلك على سبيل الذكر:
1- حضور راسخ في ذهنية بعض الامنيين لدولة البوليس التي لم تغادر مخيلتهم اضافة الى استمرار اشكالية التنازع بين سلطة القاضي ووظيفة الامني دون الحديث عن احتمالات الصدام بين الامنيين ومكونات اخرى من المنظومة القضائية كالمحامين وغيرهم .وفي هذا يبدو خطاب الامني في تلك الحادثة صادما ولا يكاد يصدق وهو يتوجه للقاضي بالقول ” و لا كان انت قاضي وانا رئيس مركز و باش نوقفك”” انت قاضي وانا رئيس مركز عندي نجمة و نوقفك” او قوله ” احنا والي مرمدناه خلي قاضي”وذلك في اشارة الى والي تطاوين وما نسب له من انه اعتذر لاحد اعوان الامن.
2- تحصن عدد من الامنيين في علاقاتهم العامة او الوظيفية بالنقابات الامنية والاستناد الى موقعها لتجاوز القانون تحت غطاء حرية العمل النقابي وحماية الامني.وفي هذا الخصوص يؤكد بعض الشهود ان عون المرور قد حذر القاضي بقوله” احنا عندنا النقابات متاعنا يتمس بوليس بلاد نبركوها”. ويذهب بعض القضاة تعليقا على هذا الى حد القول ” ونحن نجيبه بان البلاد فعلا “بركوها” .
وتاكيدا لهذا ورد من مصادر امنية و قضائية ان “اليوم (2-9-2015) تم جلب العون من طرف فرقة تابعة لمنطقة الامن و حضر معه رئيس منطقة الامن و ممثلون عن النقابات الامنية بعد ان اصر ..مساعد وكيل الجمهورية على جلبه حالا بعد تحججهم بانه تعرض إلى هبوط حاد في نسبة السكر في الدم مما استدعى نقله للمستشفى” بل افاد البعض ان رئيس منطقة الامن ” إحتج على الإستعانة بأعوان الحرس الوطني و تواجدهم بكثافة بالمحكمة”.
3- شعور طاغ لدى عدد كبير من القضاة في ضوء تلك الاعتداءات بان الحصانة الوظيفية التي اقرها الدستور في عداد الضمانات الضرورية للقاضي وكذلك البطاقة المهنية لا تؤديان الى توفير الحماية اللازمة للقضاة .ويبدو من المؤسف في بلد يدعي وجود “سلطة قضائية”ضمن نظام ديمقراطي ان يضطر احد القضاة-في تلك الحادثة- تحت ضغط التصرفات “البوليسية”الى القول وهو يحدث زملاءه ” اني لم استطع رد الفعل او فعل اي شيء نظرا لكثرة صراخ عون الامن و كثرة المارة و معرفتهم بهويتي” الامر شكل اهانة كبري امام الحاضرين. ماذا يحدث للقضاء التونسي؟ هل اصبح القاضي مهانا لهذه الدرجة؟ ولعل ذلك يمثل تبريرا لبعض القضاة حتى يطالبوا بإقرار جريمة ” إهانة القضاء” حتى خارج أسوار المحكمة وهو ما يعكس خشية ظاهرة من التهديدات التي تستهدف القضاة سواء في اطار عملهم او خارجه.
4- ضرورة التأكيد على ما يسمى “الرقابة الديمقراطية على المؤسسة الامنية ” وذلك بقصد التباعد عن عقلية “الدولة داخل الدولة”وحتى لا تستعمل مصالح الامن الداخلي بصفة تحكمية لبلوغ اهداف غير مشروعة.فمن الواجب ترسيخ مبدأ المحاسبة وضرورة تحمل المسؤولية القانونية عن الافعال المقترفة.
وإضافة لذلك يبدو ان بحث العلاقات بين الامن و القضاء او بين الامنيين والقضاة لم يجد الاهتمام الذي تستوجبه التحولات التي نشهدها رغم ان هذه العلاقات تثير عددا من الاشكاليات الكبرى كعلاقة السلطة التنفيذية بالسلطة القضائية والمواجهة بين السلطة الادارية وشرعية القاضي و التلاؤم بين الضرورات الميدانية و احكام القانون وكذلك الاليات المطلوبة لتطوير الرقابة على اعمال الضابطة العدلية وتحقيق نجاعتها وتدعيم دور القضاء .لكن هل يجب ان ننتظر الحوادث المؤسفة لكي نتحدث عن هذه المواضيع ؟
iThere are no comments
Add yours