المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

homosexualite-tunisie

بقلم ضياء بوسالمي،

مقدّمة لابدّ منها

لنتّفق من البداية على أنّ المثليّة الجنسيّة ليست مرضا و لنعترف أنّها ظاهرة موجودة بصفة ملحوظة في تونس فمن منّا لا يعرف شابّا أو/و شابّة مثليّة سواء كان ذلك في العائلة، الجامعات، المعاهد أو حتّى في الأحياء التي نسكنها ! إنّ المثليّة الجنسيّة تعدّ اليوم – لأسباب سياسيّة و دينيّة أساسا – من أكثر المواضيع التي يُمنع الحديث عنها و النّقاش حولها مع أنّها حقيقة ملموسة و واقع معيش. فحتّى أشرس المدافعين عن هذه القضيّة يكتفون بالتّلميح عوض التّصريح تجنّبا ل”خدش حياء البعض” أو خوفا من “المسّ من مشاعر الآخرين” وهي مجموعة من الحواجز الوهميّة التي تُعمّق أزمة المثليّين الذين يعانون من الإقصاء و محرومون من أبسط حقوقهم و بالتّالي فهم يُعْتَبَرُونَ مواطنين من الدّرجة الثّانية في تونس بعد ثورة قامت أساسا على المطالبة بالمساواة التّامة بين جميع الأفراد.

المثليّة الجنسيّة، مرض أم صفة بيولوجيّة لا إختياريّة ؟

المثليّة الجنسيّة هي إنجذاب رومنسيّ أو جنسيّ (أو الإثنين معا) لشخص آخر من نفس الجنس. إذ أنّ الإنسان كما يمكن أن ينجذب إلى الجنس المغاير (أغلبيّة الحالات) يمكن أيضا أن يميل إلى طرف آخر من نفس جنسه. و بالنّسبة للذّكر في هذه الحالة تكون التّسمية “مثلي جنسيّا” و الأنثى “سحاقيّة”.و المتعارف عليه عند “العامّة” هو أنّ المثليّة الجنسيّة هي مرض يمكن للفرد أن يتخلّص منه و يُشْفَى إذا إختار الإلتجاء إلى العلاج. لكنّ الأبحاث العلميّة التي صدرت في السّنوات الأخيرة تؤكّد عكس ذلك. و قد نشرت صحيفة “ديلي ميل” البريطانيّة دراسة أجراها جامعيّون بجامعة “شيكاغو” على 400 زوج من المثليّين الجنسيّين على مدار عدّة سنوات و قد كانت النّتيجة إكتشاف جزئين من الحمض النّووي مرتبطين بالمثليّة الجنسيّة . دراسة أخرى أيضا تمّ نشرها سنة 1993 أكّدت أنّ أخويْن مثليين من المحتمل أن يكونا قد إمتلكا علامة جينيّة تعرف بإسم (Xq28) وهو ما يفتح باب إحتمال “جين المثليّة”. و قد نفت “جمعيّة علم النّفس الأمريكيّة” (APA) أن تكون المثليّة الجنسيّة نتيجة لإضطرابات أو مشاكل نفسيّة و قد جاء هذا بعد مجموعة من الدّراسات و الأبحاث المعمّقة. و منه نستنتج أنّ المثلي جنسيا لا يملك إختيار توجّهاته و ميولاته الجنسيّة و أنّ المثليّة في نهاية المطاف ليست مرضا بل هي صفة بيولوجيّة لا إختياريّة.

معركة الفصل 230 و تجريم المثليّة في تونس

يعاقب الفصل 230 من المجلّة الجزائيّة «مرتكب اللّواط أو المساحقة بالسّجن مدّة ثلاثة أعوام».

إنّ المتمعّن في هذا الفصل يلاحظ منذ الوهلة الأولى تعارضه تعارضا صارخا مع ما جاء في الدّستور الجديد من فصول تنصّ على الحريّة الشّخصية. فليس مقبولا أن تتدخّل الدّولة في التّوجهات الجنسيّة للأفراد لتتمّ محاكمتهم على هذا الأساس وهو ما يفسح المجال أمام مجموعة من الإنتهاكات و الممارسات الوحشيّة و التي تتعارض مع حقوق الإنسان و تمثّل تعسّفا على المواطن. فالدّولة من خلال هذا الفصل (و غيره من الفصول) تحرم الفرد من التّمتّع بحقوقه و تكون رقيبا حتّى على جسده و حياته الشّخصيّة. و تجدر الإشارة في هذا السّياق أيضا إلى أنّ المفردات و العبارات و الطابع الزّجري للفصل 230 من المجلّة الجزائيّة مستمدّ من الموروث الإسلاميّ (قرآن، سنّة، إجتهاد فقهاء …) إذ وقع تجريم المثليّة لأنّها تعتبر فاحشة في الإسلام. و هو ما يدلّ على أنّ المشرّع لحظة وضعه لهذا القانون تجاهل جزء مهما من المواطنين التّونسيّين من معتنقي الدّيانات الأخرى و اللاّدينيين.

الإنسانيّة دينِي !

إنّ المثليّ(ة) جنسيّا هو إنسان سويّ مثل بقيّة الأفراد و يجب التّعامل معه بطريقة طبيعيّة فلا يملك أحد الحقّ في التّدخّل في خصوصيّات الآخرين. و الحقيقة أنّ ما نلاحظه اليوم في تونس من تمييز و إقصاء للمثليّين هو مؤشّر خطير يدلّ على التخلّف و الرّجعيّة؛ فالمجتمع التّونسيّ تحكمه مجموعة من “الإعاقات الدّينيّة” و الأحكام المسبقة التي تجعله يتّخذ قرارات عنصريّة إذ لا وجود لفرق بين التّمييز على أساس اللّونن، الدّين أو التّوجّهات والميولات الجنسيّة.
إنّ الإختلاف (اللّغات، الدّيانات …) يمثّل مصدرا للإثراء و وسيلة لإكتشاف الآخرالمختلف و قبوله ف”التّنوّع في الوحدة و الوحدة في التّنوّع” بعبارة الفيلسوف الفرنسيّ “إدغار موران”. و المثليّة الجنسيّة “ليست شكلا من أشكال الجنس بل إنّها شكل من أشكال الحبّ” على حدّ تعبير الكاتب الإنجليزي “كريستوفر هيتشنز”.