المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

ورقة أوّلية

 

– لمَ الجامعة الشعبية؟
– لمَ الآن وهنا؟
– لمَ “محمّد علي الحامّي”؟

لِمَ الجامعة الشعبية؟

يأتي مشروع الجامعة الشعبية تأسيسا على مبدأ استحقاقي أساسي لا تلبّيه مختلف أشكال وهياكل التعليم الأخرى عمومية كانت أم خاصّة (بفعل طبيعتها ذاتها) : الحقّ الكوني والمطلق في اكتساب وتبادل وتداول المعرفة النظرية والعملية بشتّى أبعادها دون أيّة معايير أو شروط إقصائية مهما كان نوعها (العمر، المستوى التعليمي، الوسط الاجتماعي، الوضعية الاقتصادية….).

وهو يلبّي أيضا حاجة ملحّة إلى تبادل معرفي مغاير للتعليم النظامي المشرّط باعتبارات سياسية واقتصادية مرتبطة بمقتضيات النظام الرأسمالي المعولم. بذلك تكون الجامعة الشعبية مشروع خروج من الفعل التعليمي باعتباره فعل هيمنة على الأجساد والعقول من خلال إحداثيات سلطوية ظاهرة أو خفية (معمارية، زمانية، برامجية…) لجعله تبادلا معرفيا تفاعليا حرّا من شأنه توفير ممكنات البناء المستقلّ للذات والمساهمة الموجبة في الوسط المهني والاجتماعي.

كما يلبّي مشروع الجامعة الشعبية حاجة لدى جموع مختلفة (لا سيّما في الأحياء الشعبية والقطاعات المفقّرة والمهمّشة فيها) استُبعدت لسبب أو لآخر من مواصلة التعلّم ضمن النظام التعليمي الرسمي في مستوى ما من مستوياته. وهي تحتاج إلى زاد معرفي في علاقتها بمعيشها اليومي وفي علاقاتها بمحيطها المهني والعائلي والاجتماعي المضيّق والموسّع على حدّ سواء.

لِمَ هنا والآن؟

ونعني بالـ”الهنا” الحيّ الشعبي “سيدي حسين السيجومي” الذي ستركّز به النواة الأولى لمشروع الجامعة الشعبية. هذا الحيّ، كغالبية الأحياء الشعبية بتونس الكبرى وبغيرها من المدن التونسية الكبرى، يتوفّر إيجابا وسلبا على خصائص تجعله حاضنة أولى للمشروع مستجيبة لدواعيه وأهدافه. فهو حيّ ذو كثافة سكّانية عالية يوجد به عدد من المصانع والمدارس والمعاهد. لكنّ به أيضا نسب لا بأس بها (سيكون من مهامّ الجامعة التدقيق فيها عبر مركز الدراسات الذي سيتمّ تركيزه بالتوازي) من الانقطاع المدرسي، في مراحل ومستويات متعدّدة، ومن البطالة. كما أنّ أبناء الأحياء الشعبية عموما يعيشون حالات مركّبة من الإحباط والتهميش والإقصاء المؤدية إلى شتّى أصناف الانحراف والنقمة والهروب إلى حلول انتحارية غالبا (الإدمان بأنواعه والهجرة السرية و/أو التعصّب الديني للوقوع ضحية عصابات إجرام وتهريب أو جماعات إرهابية). وليس أفضل من التفاعل المعرفي الحرّ سبيلا لتقليص تلك النزعات السلبية والخطرة.

أمّا “الآن” فنعني به ما وصلت إليه “الحالة التونسية” بعد خمس سنوات من اندلاع المسار الثوري وشتّى المظاهر الموجبة والسالبة التي رافقته وتفاعلت ضمنه. وقد بيّنت أغلبها أنّ المضيّ بذلك المسار إلى أقصى ممكناته وانتظارات الناس منه لا يمرّ بالعمل السياسوي الحزبوي محدود الأفق وإنّما بفعل نضالي أفقي وموضعي قائم على التقاسم (partage) والقرب (proximité) من أجل الإنصات المنتبه لتمكين العدد الأقصى الممكن من تلك القطاعات من أدوات فهم وتحليل وفعل في واقعهم الخاصّ والعامّ على حدّ سواء.

لِمَ “محمّد علي الحامّي”؟

ليس اختيار الاسم اعتباطيا هنا. فمحمّد علي الحامّي هو المثال الساطع على وجاهة فكرة الجامعة الشعبية. فهو تحوّل من عامل بسيط بمستوى تعليمي محدود إلى واحد من أهمّ روّاد الفكر العمّالي والتنظيم النقابي، بفضل تمكّنه خلال إقامته بألمانيا من مزاولة تعليم جامعي حرّ ومفتوح (غير مشروط بأيّة شهائد) بجامعة برلين ليدرس الاقتصاد السياسي ويبرع فيه.
وهو من جهة ثانية أحد روّاد فكرة التثقيف العمّالي والتعليم الشعبي المفتوح والمتواصل من خلال كتاباته ومن خلال أنشطته في “جامعة عموم العملة” التي كانت أوّل منظّمة نقابية في القارّة الإفريقية والبلدان العربية.

مكوّنات المشروع

  1. المستفيدون: انطلاقا من الفكرة التي يقوم عليها مشروع الجامعة الشعبية فإنّ الاستفادة من أنشطتها التعليمية المختلفة مفتوح لكلّ راغب في ذلك. كما إنّ الأقرب إلى تلك الاستفادة هم مبدئيا عاملات وعمّال المصانع الموجودة بالحيّ الذي ستتأسّس به نواتها الأولى (سيدي حسين السيجومي) والأحياء الشعبية القريبة منه. كما ينتظر أن يستفيد من الجامعة الشعبية وأنشطتها التعليمية/التعلمية الشباب المعطّل والمنقطع عن الدراسة في أيّ مستوى من مستوياتها.
  2. المساهمون في التفاعل المعرفي: ستتشكّل نواة أولى من الجامعيين المتطوّعين المنخرطين في فكرة المشروع وأهدافه والمنتمين إلى اختصاصات يمكن اعتبارها – مبدئيّا على الأقلّ – الأكثر جدارة بأن تلبّي حاجات وانتظارات أغلب المستفيدين (أنظر النقطة 3). على أن يتكوّن باقي المساهمين من كلّ من يرتئي فيه أعضاء اللجنة المذكورة المقدرة على الإفادة المعرفية (نظريا و/أو عمليا) في بعد من أبعادها التي سيتمّ تحديد معالمها على نحو مرن ومفتوح بحسب تطوّرات التجربة وتفاعلات المساهمين فيها. مع التأكيد الدائم على أنّ الأمر لا يتعلّق بـ”تدريس” بالمعنى التقليدي للكلمة (علاقة عمودية بين ملقّن يملك المعارف ومتلقّن ينبغي عليه تحصيلها) وإنّما بتفاعل ديناميكي متّصل وبتبادل حرّ ومتعدّد الأطراف.
  3. الهياكل والبرامج :
    • أ – الهياكل :

      – الهيكل الأساسي هو مبنى الجامعة الشعبية في نواتها الأولى بحيّ سيدي حسين السيجومي، على أن تتمّ تهيئته على نحو يسمح بفعل تعليمي/تعلّمي تبادلي وتفاعلي حرّ وناجع.
      – المكتبة الشعبية التي سيتمّ النظر في كيفية تركيزها وتنظيم آليات اشتغالها بالتعاون مع مختلف المساهمين في التفاعل التعليمي، من مستفيدين ومتطوّعين وجمعيات ومؤسّسات ودور نشر وتوزيع تتفاعل إيجابيا مع المشروع.


    • ب – البرامج : يتمّ في مرحلة تجريبية أولى تدريس موادّ ترتئي اللجنة المصغّرة (نواة المساهمين) أنّها الأكثر استجابة للحاجات المعرفية (نظريا وعمليا) لغالبية المستفيدين. على أن يتمّ بعد مرحلة التعرّف التجربية تلك تطوير تلك الموادّ وتعديلها وتوسيع آفاقها على نحو تفاعلي ديناميكي. ويمكن أن يتمّ الانطلاق بموادّ إنسانية مثل الفلسفة السياسية والسوسيولوجيا والجغرافيا الحضرية والاقتصاد السياسي وعلم النفس والحقوق والتاريخ وتاريخ الفنّ والأدب (لا سيّما الأدب الشعبي) والثقافة البيئية. مع التأكيد على ضرورة انغراس المواد المدرّسة على المعيش الفعلي للمستفيدين عبر الانفتاح الحيّ على التجارب والأمثلة الواقعية ضمن علاقة تفاعلية حرّة ومبدعة. فالهدف الأقصى من هذا التفاعل المعرفي الجديد هو توفير “علبة أدوات” (boîte à outils) يتزوّد بها المتفاعلون ليعمّقوا أو يعدّلوا فهمم لذواتهم وواقعهم والشبكات العلائقية المكوّنة له، بعيدا عن أيّ شكل من الدمغجة والشحن الإيديولوجي.

تفاعلات الجامعة الشعبية

إلى جانب الطرفين الأساسيين المبادرين بالمشروع (جمعية “1864” و”اتحاد أصحاب الشهائد المعطّلين عن العمل” يمكن لأنشطة الجامعة الشعبية التفاعل المفتوح مع باقي مكوّنات المشروع الذي يشمل خلايا استماع وأنشطة طبية وورشات فنية وأدبية (من مسرح وسينما ورقص وكتابة أدبية…) من خلال إنشاء جسور بين الممارسات الفنية وفلسفاتها وتاريخها مع ضرورة التفكير في بعث نواتات إنتاج ومسالك ترويج فنّي وأدبي.
هذه التفاعلات الداخلية يمكن أن يتمّ إسنادها بأخرى مع أطراف متعدّدة لها تعاملات مباشرة أو غير مباشرة مع مكوّنات الجامعة الشعبية مثل النقابات وهياكل التكوين والتثقيف العمّالي والجمعيات الشبابية والثقافية والنسوية والحقوقية والفضاءات الثقافية والفنية الحرة التي تنخرط في بعد أو أكثر من مكوّنات المشروع ورؤاه وأهدافه.