Fatima-Mernissi-color.

يصادف الاحتفال ب8 مارس مرور مائة يوم على رحيلك أيتها الغالية و الكلمات تأبى أن تطاوعني لتوديعك.

وكيف لي أن أودعك و نحن لم نلتقي خلال الخمسة سنوات الأخيرة التي شهد فيها العالم و المغرب الكبير على وجه التحديد أعنف الهزات و كان بودي أن نجلس و أن نتحدث بعيدا عن ضوضاء السياسيين عن ما يحدث حولنا و أن أتحمس أنا و أن تدعوني كالعادة لتنسيب الأمور و نخرج من ثمة بخطة عملية قوامها تنوير الفكر و سلاحها مزيد من التضامن بين نساء المغرب الكبير و رجاله المستنيرين.

كيف لي أن أرثيك و أنت لا زلت حية ترزق في كل الأماكن.
في النادي الطاهر الحداد عندما استضفناك لأول مرة لتقدم لنا كتاب فاتنة آيت الصباح* حول “المرأة في اللاوعي الإسلامي” الصادر في 1982 و كم كنتُ معجبة بهذه الجرأة الهادئة (والتي لا تخلو من الدعابة) التي دافعت بها عن صاحبة الكتاب أمام السيل الهائل من النقد الموجه لها.
في جمعية النساء التونسيات للبحث من أجل التنمية عندما قبلت الإشراف على ورشات الكتابة لتدوين تجربة حركة النساء التونسيات إيمانا منك بضرورة إبراز صورة المرأة و تعزيز الأخوتية المغاربية الى حد أننا لقبناك بسقراطة المغرب. و قد عقبت هذه الورشة ورشات مغاربية و كان عطاءك متدفقا و بلا حدود.
كيف لي أن أزور المغرب بدونك و الرباط و الهرهورة و السويسي و الخميسات شهود على استضافاتك المتكررة و في كل لقاء كنا نُعِدُّ للقاء قادم قصد بناء المغرب الكبير مغرب بلا حدود و بلا فوارق. كنا في كل مرة سعداء بأن نلتقي لتكسير الحواجز الفكرية بين نساء و رجال المغرب و أيضا بين الغرب و المغرب.
سوف أكون يتيمة إن عدت لألمانيا و فرنسا و كل البلاد الأوروبية بدونك لأنك كنت جسر العبور بين مختلف هذه الحضارات. خبرت الأفضل فيها فأبرزته و تفطنت للسيئ منها فنقدته. صدعت بها مدوية : الحريم ليس عربيا فقط بل موجودا أيضا في الموروث الأوروبي.
كنت أولى من طرحت إشكالية الدين و الجنس و السلطة و ها نحن نتخبط فيها لأن المثقفين و السياسيين في أوطاننا لم يتفطنوا لطرحك المبكر و لم تكن لهم المسافة الكافية التي يجب إن تتوفر لمعالجة الأمور بالحكمة المطلوبة.
كيف لي أن أبكيك أيتها الصديقة العزيزة و الأخت الكبرى التي لم تلدها أمي و أنت لازلت حية موجودة في كل الأماكن و خلف كل الأسطر. أعدك بأنني سوف أفعل ما طلبته منك جدتك الياسمين : « إن أفضل طريقة تتذكرين بها جدتك هي أن تظل التقاليد حية فيك و آن تروي حكايتها المفضلة من “ألف ليلة و ليلة” حكاية “المرأة التي تلبس كسوة الريش”. لقد حفظت عن ظهر قلب هذه الحكاية التي ترويها شهرزاد. إن رسالتها بسيطة : على المرأة أن تحيى كالرّحّل عليها أن تظل دائما مستعدة و متأهبة للرحيل حتي و أن كانت محبوبة. ذلك أن الحب هو الأخر في رأي شهرزاد قد يصبح قيدا ».
سوف أفعل ذلك وفاء لك و لجدتك الياسمين و لجدتي و لكل الأحرار الصادقين في العالم.

رشيدة النيفر مواطنة مغاربية نسوية

 

*فاتنة آيت الصباح هو الاسم المستعار الذي اختارته فاطمة المرنيسي لامضاء الطبعة الأولي باللغة العربية لكتابها “المرأة في اللاوعي الاسلامي” الصادر سنة 1982