إنطلقت اليوم في تونس مفاوضات اتفاقية التبادل الحر المعمق والشامل مع الاتحاد الأوروبي. تمتد هذه الجولة الأولى على مدى ثلاثة أيام، سيقوم خلالها المفاوضون التونسيون بقراءة نص المقترح الأوروبي مليا في غرف مغلقة، على أن يقوم الأوروبيون بتفسير النقاط التي قد تستعصي على فهم الجانب التونسي. مكامن اللبس والغموض كثيرة، فنص المقترح طويل؛ مطنِب في التفاصيل التقنية والقانونية و مُحرّرٌ باللغة الفرنسية فقط. كما أنه يتطرق إلى مجالات عدة تتجاوز مسائل تسهيل التجارة لتشمل حقوق الملكية الفكرية و الاستثمار في الطاقة وتحرير الصفقات العمومية و الخدمات و الفلاحة.
نص المقترح الأوروبي، رغم فداحة ما قد يترتب عنه و عمق تأثيره المرتقب على حياة المواطن التونسي، غير متاح للعموم. تمكنت نواة رغم ذلك من الحصول على نص الاتفاقية محل التفاوض ووقفت على العديد من الإشكاليات القانونية والمبدئية التي تعتريه. وفي ما يلي بعضها.
إتفاقية تخفي أخرى
تفرض اتفاقية التبادل الحر المعمق والشامل مع الاتحاد الأوروبي على تونس تطبيق أغلب أحكام اتفاقية المشتريات الحكومية. و اتفاقية المشتريات الحكومية هي اتفاق متعدد الأطراف تحت رعاية منظمة التجارة العالمية دخل حيز التنفيذ في 1996 ويقضي بالتحرير التام للمشتريات الحكومية للسلع والخدمات من قبل السلطات العمومية من طرفي الاتفاقية، على أساس مبادئ الانفتاح والشفافية وعدم التمييز.
الانضمام إلى اتفاقية المشتريات الحكومية طوعي 100%، ولا يوجد في منظمة التجارة العالمية ما يلزم تونس على التوقيع عليها. ولكن الدول النامية منذ إنطلاق جولة مفاوضات منظمة التجارة العالمية في الدوحة سنة 2001 ما فتئت تتعرض إلى ضغوطات واغراءات من طرف الدول الغنية واللوبيات المتنفذة لإجبارها على تبني الاتفاقية. تمكنت الدول النامية، ومن بينها تونس، من مقاومة الضغط العالي، مستمدة قوتها من اتحادها. فتحرير الشراءات العمومية يحرم حكومات الدول النامية من تمييز المنتجات المحلية أو المؤسسات الوطنية و يفتح باب الصفقات العمومية على مصراعيه أمام الشركات العالمية وهذا يعني سحق الشركات الوطنية التي لا تستطيع المنافسة. تونس التي لم تنضم طوعاً إذن إلى اتفاقية المشتريات الحكومية، ستجد نفسها منفردة مجبرة قسراً على تبنّيه في حال وقّعت اتفاقية التبادل الحر المعمق والشامل مع الاتحاد الأوروبي.
أن تتضمن الإتفاقية الأوروبية إتفاقية دولية أخرى على شاكلة القطار الذي يخفي قطارا آخر أو على شاكلة الدمى الروسية، فهذا يطرح تساؤلات حول جدية ونزاهة الجانب الأوروبي؛ و أن يصبح الطوعي إلزامياً بجرة قلم فهذا يثير مخاوف حول استقلالية الجانب التونسي و قدرته على انفاذ سيادته التامة. فإن كانت تونس تريد الإلتزام بقانون دولي، فلها أن تلتزم بذلك في إطار واضح وشفاف بعيدا عن الضغوط والمساومات في الغرف المغلقة. كما أن الإلتزام بأي من الإتفاقيتين وخاصة اتفاقية المشتريات الحكومية هو بمثابة تقرير للمصير. إذ تلزم اتفاقية المشتريات الحكومية على الدول الموّقعة أن لا تميز في صفقاتها العمومية بين عروض المؤسسات الوطنية و الأجنبية و بين الشركات الأجنبية ذاتها، وبالتالي إن التزمت تونس بهذه الإتفاقية فستستطيع أي شركة أوروبية، أمريكية، أو إسرائيلية (أو من غيرها من الدول الموقعة) الدخول في أي صفقة عمومية ولا يحق للحكومة التونسية عندها معاملتها معاملة تقل عن معاملة التونسيين.
تضارب مع الدستور
إضافة إلى فتح باب التطبيع الإقتصادي مع الكيان الصهيوني، ستُحدث الإتفاقيتان –الإتفاقية المتن والإتفاقية المضمنة –، بوصفهما أعلى مرتبة من القانون، شروخا عميقة في المنظومة القانونية الوطنية؛ إذ ستنتفي أحكام كل القوانين والأوامر والمناشير التي تحمي أو تشجع الشركات والمنتوجات التونسية، على غرار الفصل 26 من الأمر عدد 1039 لسنة 2014 المتعلق بتنظيم الصفقات العمومية الذي ينص على أن :
تفضّل عروض المقاولات التونسية في صفقات الأشغال على عروض المقاولات الأجنبية وكذلك المنتوجات التونسية المنشأ في كل صفقات التزود بمواد على المنتجات الأخرى مهما كان مصدرها إذا كانت في نفس مستوى الجودة على أن لا تتجاوز العروض المالية للمقاولات التونسية وأثمان المنتوجات التونسية مبالغ مثيلاتها الأجنبية بأكثر من عشرة بالمائة.
الاتفاقيتان تتضاربان كذلك مع العديد من مبادئ الدستور. ففي ظل تجريد الدولة من أدواتها التنموية كأداة الانفاق العمومي، أو القوانين التشجيعيةً أو التوجيهية، من الصعب الحديث مستقبلاً عن أي مجهود رام إلى تفعيل مبدأ التمييز الإيجابي للجهات المفقرة والفئات الإجتماعية المهمشة.
زِد على ذلك أن باب ”إستثمار الطاقة“ في اتفاقية التبادل الحر المعمق والشامل مع الاتحاد الأوروبي لا يلقي بالاً إلى الفصل 13 من الدستور، ليجعل من عقود استكشاف وإنتاج البترول والغاز الطبيعي، إجراءًا إدارياً. والحال أن عقود الاستثمار المتعلقة بالثروات الطبيعية تُعرض على اللجنة المختصة بمجلس نواب الشعب. وتُعرض الاتفاقيات التي تبرم في شأنها على المجلس للموافقة.
تبدأ المفاوضات اليوم إذن وتونس ترزح تحت ديون الأوروبيين وهباتهم ومساعداتهم وتحت وطأة معدل نمو يراوح الصفر. بهذا المتاع القليل، يواجه المفاوضون التونسيون مفاوضي 28 دولة أوروبية، هم من كتب النص ووضع قواعد اللعبة على المقاس.
ولماذا لا تكون هناك اتفاقية للتنقل الحر للاشخاص حتى يمكن للتونسي ان يجد فرصة عمل دون اللجوء للهجرة السرية
الثورة من جديد .. ذلك هو الطريق .. الشراكة المفتوحة و الشاملة مع أوروبا سوف تأتي على الأخضر و اليابس .. الاعتصامات على طريقة غاندي ، و بدون تكسير ..
شكرا لموقع نواة على هذا التنويه المهمّ للغاية. منذ فشل التفاوض حول ‘الاتفاق المتعدد الأطراف حول الاستثمار (AMI) سنة 2001. ها هي القوى الامبريالية ولوبيات الشركات المتعددة الجنسيات تعيد من النافذة ما تمّ طرده من الباب. فعلا هناك قطار يخفي آخر.
هذه الشراكة ليست شراكة في الواقع لان الشراكة تتم بين طرفين متكافئين.تونس في هذه الحالة ستخضع لشروط الاقوى وستخدم مصالح كبرى الشركات الاجنبية وكبار المستثمرين على حساب مؤسساتنا الوطنية وعلى حساب سيادتنا الوطنية.تونس بحاجة الى منوال تنموي جديد ينسجم مع اهداف الثورة تكون فيه الدولة هي المستثمر والمنتج للثروة والمشغل بدل الرضوخ المذل .نحن قادرون على كسب رهان التنمية المستقلة اذا اعتمدنا على امكانياتنا المحلية وقدراتنا الذاتية ووفرنا الاموال الضرورية عبر ضريبة استثنائية على الثروات الكبرى خاصة وان لتونس 750 ملياردير ومن خلال جباية عادلة ترتكز على الضريبة التصاعدية اضافة الى الاكتتاب الوطني…هذا الى جانب التعويل على جهات خارجية جديدة مثل اليابان والصين وروسيا والهند وبلدان امريكا اللاتينية وايران…لست ادري لماذا نختصر في علاقاتنا الاقتصادية على الغرب الاستعماري دون سواه .هذا الخيار الثوري يتطلب ارادة سياسية مستقلة ليست متوفرة لدى الاءتلاف الحاكم الخاضع لاملاءات صندوق النقد الدولي.