رَعت هيئة الحقيقة والكرامة يوم الثلاثاء 5 ماي 2016 أول اتفاقية تحكيم ومصالحة منذ بداية أشغالها في 15 ديسمبر 2014، جَمعت كل من المكلف العام بنزاعات الدولة في حق وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية وصهر الرئيس السابق سليم شيبوب.
على هامش الجلسة الصلحية نشر الموقع الرسمي لهيئة الحقيقة والكرامة صُورا، يلوح فيها سليم شيبوب مُصافحا للمكلف العام بنزاعات الدولة، يتوسطهما المحامي خالد الكريشي رئيس لجنة التحكيم والمصالحة صلب الهيئة. هذه الصور أسالت حبرا كثيرا واحتفت بها العديد من المنابر الإعلامية، ليصفها البعض بـ”الحدث التاريخي“ الذي سيفتح البلاد على مرحلة جديدة. وفي الأثناء ظلت الكثير من الأسئلة قيد المسكوت عنه، خصوصا وأن هذه الجلسة انعقدت في سياق طغت عليه مشاريع المصالحة السياسية على غرار مشروع المصالحة الشاملة الذي بادر به مؤخرا رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي. علاوة على أن مطلب الصلح الذي تقدم به صهر الرئيس السابق يطرح جدلا قانونيا وسياسيا حول ثنائية المحاسبة والمصالحة، التي لم تتضح بعد خطوط التمايز بينها.
جدل حول الآثار القانونية لاتفاقية الصلح
طغت لفظة المصالحة على الخطاب الإعلامي الذي تلي الجلسة المذكورة، لتتدخل بذلك الهيئة على لسان رئيس لجنة التحكيم والمصالحة خالد الكريشي، الذي بين أن الاتفاق ليس نهائيا وإنما يعتبر اتفاق مبادئ، وقد تم إبرامه بعد مطلب صلح تقدم به سليم شيبوب للهيئة وقبِلت وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية. وفي نفس الوقت أوضح الكريشي أن ”هذا الاتفاق لديه مفعول تجميدي، يقضي بتعليق الاجراءت القضائية ويرفع مفعول البطاقات القضائية الصادرة ضد المعني بقانون المصالحة“، مستندا إلى الفصل 48 من قانون العدالة الانتقالية الذي يترك للهيئات القضائية النظر في التدابير التي تضمن عدم الإفلات من العقاب. وأشار الكريشي إلى أن هذا الإجراء يشكل حافزا للانخراط في آلية التحكيم والمصالحة التي ترعاها هيئة الحقيقة والكرامة.
من جهته أكد هيكل المكي، محامي سليم شيبوب، أن اتفاق الصلح والتحكيم الذي أبرمه موكله مع المكلف العام بنزاعات الدولة، يعلق كل التتبعات العدلية ضده إلى أن يتم استكمال مسار المصالحة.
وعلى عكس ما ذهبت إليه هيئة الحقيقة والكرامة ومحامي سليم شيبوب، أكد القاضي محمد العيادي، العضو السابق في هيئة الحقيقة والكرامة والعضو الحالي بهيئة مكافحة الفساد، لموقع نواة ”إن الفصل 48 الذي أشار إليه خالد الكريشي بخصوص تعليق التتبعات القضائية لا ينطبق على حالة سليم شيبوب الذي تعلقت به قضايا فساد مالي“. وقد أحال محدثنا على الفصل 45 من قانون العدالة الانتقالية الذي تم تجاهله من قبل الهيئة على حد تعبيره، إذ ورد بفقرته الثانية ”كما تنظر لجنة التحكيم والمصالحة في مطالب الصلح في ملفات الفساد المالي ولا يعلق تقديم مطلب الصلح النظر في القضية ولا تنقرض الدعوى العمومية إلا بموجب تنفيذ بنود المصالحة“. وأضاف العيادي بأن الفصل 48 -الذي أشار إليه الكريشي- شدّد على استثناء ملفات الفساد المالي من التمتع بإجراء تعليق التتبعات القضائية، مبينا أن ”التلويح بهذا الإجراء ذو أهداف دعائية من أجل تحفيز بقية رجال الأعمال على الانخراط في آلية التحكيم والمصالحة، ولكن ليس لديه أساس قانوني“. وفي هذا السياق أكدت مصادر مطلعة صلب هيئة الحقيقة والكرامة لموقع نواة أن عدد الملفات المعنية بالتحكيم والمصالحة قد بلغ ال900 ملف.
ما هو نصيب الهيئة والدولة من الحقيقة؟
ينص الفصل 15 من قانون العدالة الانتقالية على أنه ”لا تعني المصالحة الإفلات من العقاب وعدم محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات“. وهو ما يعيد طرح التساؤل حول طبيعة المسار الذي اتخذه ملف سليم شيبوب، خصوصا في ظل تكتم هيئة الحقيقة والكرامة على مضمون اتفاق التحكيم والمصالحة، متحصنة بمبدأ السرية، الذي شدّد عليه رئيس لجنة التحكيم والمصالحة خالد الكريشي.
في هذا السياق أكد محمد العيادي أن مطلب التحكيم يعد غير قانوني في صورة عدم تضمنه لاعتذار كتابي من قبل صهر الرئيس السابق، هذا بالإضافة إلى ذكر الوقائع والفائدة المالية المتحققة في ملفات الفساد. وهو ما نص عليه الفصل 46 من قانون العدالة الانتقالية، الذي ورد فيه:
ويعتبر إقرار طالب المصالحة بما اقترفه كتابيا واعتذاره الصريح شرطا لقبول مطلب التحكيم والمصالحة الذي يقدم وفق أنموذج يضبط بقرار من الهيئة وإذا كان طلب المصالحة يتعلق بالفساد المالي فيجب أن يتضمن وجوبا بيان الوقائع التي أدت إلى استفادة غير شرعية وقيمة الفائدة المحققة من ذلك ويكون الطلب مرفوقا بالمؤيدات التي تضبط صحة أقوال طالب الصلح.
إزاء هذه التنصيصات الجوهرية لقانون العدالة الانتقالية، يذهب رئيس لجنة التحكيم والمصالحة خالد الكريشي إلى التأكيد أن مطلب الصلح الذي تقدم به صهر الرئيس السابق تضمن تصريحا بالأملاك التي يريد إرجاعها، وهو ما تشير إليه مصادر من داخل الهيئة، مؤكدة أن سليم شيبوب أمضى على وثيقتين، تتضمن الأولى اعتذارا كتابيا، في حين تنص الثانية على الجرائم الاقتصادية والأموال التي يريد صهر الرئيس السابق إرجاعها. وفي نفس الوقت أشار الكريشي إلى أنه في حالة اكتشاف المكلف العام بنزاعات الدولة وهيئة الحقيقة والكرامة أن ما صرح به طالب الصلح مجانبا للحقيقة تَبطل جميع أحكام التحكيم والمصالحة. وقد أعلنت الهيئة أن تقدير قيمة الممتلكات يرجع إلى مشاورات الصلح بين الطرفين، وفي صور عدم التوصل إلى اتفاق نهائي بعد ثلاث أشهر من القبول بمطلب الصلح تتدخل الهيئة لتصدر قرارا تحكيميا.
إن عنصر الحقيقة بخصوص الفائدة التي حققها سليم شيبوب من النظام السابق يظل ضعيفا وغامضا، خصوصا وأن القضاء لم يفلح إلى حد الآن في إدانته رغم القضايا المنشورة ضده، والتي تشير بعض المصادر إلى أنها فاقت الـ10 قضايا. ويُذكر أنه تم إيقاف سليم شيبوب بعد عودته إلى تونس يوم 18 نوفمبر 2014، ليتم إطلاق سراحه في 12 جانفي 2016 بعد استيفاءه الآجال القانونية للإيقاف، التي تبلغ 14 شهرا. ولم تتم محاكمة شيبوب سوى في قضيتين من أجل حمل ومسك سلاح دون رخصة، نال في الأولى حكما بعدم سماع الدعوى وفي الثانية حُوكم بـ6 أشهر سجنا، وقد لجأت هيئة الدفاع عن صهر الرئيس السابق إلى الطعن في القضيتين المذكورتين بالاستئناف لتقضي المحكمة بعدم سماع الدعوى.
غياب الإدانة القضائية لسليم شيبوب في ملفات الفساد المالي، تطرح جدلا حول انعدام آليات واضحة يتبعها المكلف العام بنزاعات الدولة وهيئة الحقيقة الكرامة لإثبات النسب الفعلية للفائدة المالية التي صرح بها صهر الرئيس السابق في مطلب الصلح، خصوصا وأن الرجل عُرِف بنشاطاته الخفية وعلاقاته الدولية المشبوهة، ولم تكن لديه مشاريع ملموسة أو شركات ذات سجلات تجارية، وفي معظم الأحيان يكتفي بلعب دور الوسيط بحكم النفوذ التي يملكها في أجهزة الدولة، الأمر الذي جعل القضاء يوجه له تهما متعلقة بـ”استغلال خصائص الوظيف للحصول على منفعة لا وجه لها”، في حين أنه لم يكن موظفا. وهو ما كان له تأثير على مسار المحاسبة في جل القضايا المنشورة ضده، نظرا لضعف القرائن الواردة بالملفات المعروضة أمام القضاء، في حين أن العديد من التقارير تشير إلى تورط شيبوب في جرائم مالية عبر دولية على غرار قضية شركة ”ألستوم“ الفرنسية التي أدانها القضاء السويسري بغرامة مالية قيمتها 2,5 مليون فرنك سويسري، وقد ورد اسم سليم شيبوب في هذه القضية بصفته وسيطا في إبرام عقد غير قانوني بين الشركة المذكورة والشركة التونسية للكهرباء والغاز سنة 1990.
وقد عُرِف سليم شيبوب بنشاطاته في دول الخليج العربي وخصوصا قطر ودبي، التي منحته الإقامة الرسمية منذ سنة 2007، وقد كانت الوجهة التي اختارها يوم 17 جانفي 2011. علاوة على هذا كانت لديه علاقات مالية بمراكز النفوذ والسلطة في هذه الدول نظرا لعلاقة المصاهرة التي تربطه بالرئيس السابق، وفي هذا السياق أكد تحقيق أنجزه الصحافيين الفرنسيين Lenaïg Bredoux و Mathieu Magnaudeix سنة 2012 حول الشبكات الفرنسية-التونسية في عهد بن علي[1]، أن أمير قطر السابق اشترى منزلا سنة 2007 في شارع كليبر بالعاصمة باريس بقيمة 1,2 مليون أورو وأهداه لسليم شيبوب في إطار صفقة التخطيط لمشروع قمرت العقاري، الذي أشرف عليه آنذاك شيبوب وعزيز ميلاد وموّلته دولة قطر. وأشار نفس التحقيق إلى أن صهر الرئيس السابق كان يملك اسطبل خيول في مدينة مارسيليا الفرنسية، أمر المشرف على أعماله ببيعه في الأيام التي تلت أحداث الثورة بمبلغ قيمته 1,6 مليون أورو. وقد عمدت السلطات الفرنسية إلى تجميد هذا المبلغ حسب ما ورد في التحقيق المذكور.
ورغم أن التحقيقات الصحفية أفلحت في الكشف عن عديد الممتلكات التي تعود لأقرباء الرئيس السابق وأصهاره فإنها لم تكشف الكثير عن أملاك سليم شيبوب الذي يمكن وصفه برجل الصفقات الكبرى، الذي أفلح في استغلال نفوذه في السلطة، وكان يفضل إخفاء أمواله في الجنات الضريبية سواء دول الخليج العربي أو في مناطق أخرى من العالم.
[1] Bredoux ( Lénaïg) et Magnaudeix (Mathieu), Tunis connection, Enquête sur les réseaux franco-tunisiens sous Ben Ali, Paris, Seuil, 2012, p.212-213 .
انها تمثيلية جديدة ، لأزمة جديدة … خسرنا ثورتنا .. و لست أدري من أين المخرج ؟؟؟؟؟
هناك كثير من الحقائق المخفية .. و غياب آليات الشفافية سيترك الشعب أسير من يحكمه .
مانيش مسامح