تحديد نظري : سنة 1948، نشر كلود شانون مقاله عن نظرية رياضياتية للإتصال حيث اقترح تعريفات توال بين ما يتم في الواقع و السياقات المنطقية للأشياء. تعتمد الإعلامية و مجالات الإتصال المختلفة على التعريفات اللتي ساقها هذا المهندس. في إطار هاته النظرية، يعرّف شانون المعلومة عبر قيمتها. تحتسب قيمة المعلومة حسب ما تحمله من عنصر مباغتة. تحتوي جملة ما على معلومات بقدر ما تحمل ما كان خارجا عن الحسبان. أما عن صحة المعلومة من عدمه، فذاك يأتي في المستوى الموالي في التحليل. مثلا : ”الشمس زرقاء“ تحمل قدرا كبيرا لا متناهيا من المعلومة، بينما ”الشمس مصدر الضوء“ فارغة من المعلومة (المقدار يساوي صفر). الجملة الأولى ليست سليمة وتحمل كما كبيرا من المعلومة الخاطئة. الجملة الثانية بقدر ماهي صائبة إلا أنها لا تحمل أي معلومة. يقترح شانون في مقاله على المهندسين و العلماء التركيز في المنظومات الإتصالية على ضمان مرور أكبر قدر من المعلومة، بالتخلص من الجمل اللتي لا تحمل معلومة إن اقتضى الأمر ذلك.
ما اقترحه شانون سيتم اعتماده كأساس للقياس في هاته القراءة. دون التفسير المعتمد على ”جنة البحث في المقاصد و النوايا“، فالقول بفشل وزارة العدل و وزارة الداخلية لا يحمل في ذات نفسه أي معلومة.
تحديد تطبيقي : صارت وسائل الإتصال الإلكترونية أحد أهم الأعمدة الإتصالية و السياسية منذ 2011. يحاول الكل عبر صفحاته تمرير رؤية ما، و رسم صورة ما لذاته و ما يحيط به. لذلك تم اعتماد الصفحات الرسمية لوزارة الداخلية و العدل لتبيان الصورة المقدمة لنا، و ما تحمله من رسائل. كمجال أولي، نأخذ ما تم نشره أيام 24 و 25 و 26 ماي 2016. يقع الإختيار على وزارتي العدل و الداخلية، نظرا لاقتراب موعد دخول تنقيحات مجلة الإجراء ات الجزائية حيز التنفيذ.
الخبر الأول : انطلاقا من 1 جوان يصير من حق المواطن الاستنجاد بمحامي حين إيقافه. مرور من وضع إلى وضع آخر مغاير. هذا التغير/المرور يجعل من هذا الخبر مليئا بالمعلومات.
تبعات الخبر على الواقع : يعتمد القانون التونسي على المحضر المحرر لدى أعوان التنفيذ (وزارة الداخلية) كدليل أمام القضاء (وزارة العدل) إلى أن يثبت المواطن المتهم عكس ذلك كتابيا (إما من قبل وزارة العدل أو وزارة الداخلية). المواطن المتهم مدان إلى أن يثبت براءته، و التداخل في النطاقات بين الوزارتين يجعل من كامل العملية مصدرا للمشاكل و المآسي. التحوير في مجلة الإجراء ات يوفر للمواطن حماية قانونية حين تحرير المحاضر الأولى تجعله يتحرك من المدان حتى إثبات براءته إلى البريء حتى إثبات إدانته. يوفر القانون احتمالات جديدة، و هو أمر جيد. يبقى التحقق رهين إرادة الأطراف المتدخلة (المواطن، المحامي، وزارة الداخلية، وزارة العدل).
الأخبار المقترحة من قبل وزارة الداخلية عبر صفحتها : 27 خبرا، منه 15 ”نجاحا أمنيا“ مرفوقا بهاشتاڨ، و 11 خبرا عن حوادث إجرامية (نجد في صياغتها أن وزارة الداخلية قد أهدت لنفسها، كالعادة، صلوحية الحكم على مجرمين. فالأخبار ليست على شاكلة ”حصلت جريمة ما“، بل على شاكلة “قام مجرم بهاته الفعلة”، بينما القضاء هو المؤهل للحكم عن وجود مجرم من عدمه، و ما على قوة التنفيذ سوى معاينة الجريمة و الإتيان بالمشبوه بهم لاستنطاقهم) و خبر عن حدث بيروقراطي إداري.
الخبر التأليفي : حسب ما تعطيه هاته المنشورات كدلالة، فإن “صورة وزارة الداخلية جميلة” هي النقطة المشتركة لديهم جميعا. إذ ”ألقت وزارة الداخلية القبض على مجرم“ لا يحتمل عنصرا غير متوقع و غير محتمل مسبقا. كذلك ”لقد شلّقَتْ وزارة الداخلية أن جريمة حصلت“ لا يحتمل عنصرا غير متوقع. لا إضافة لهاتين العبارتين تجعل منهما معلومات. حسب ما تعطيه هاته المنشورات من دلالة، فإن المعلومة الممررة، و المدفوعة بهاشتاق لفرض عبارة و نشرها، هي ”نجاحات أمنية“. يكفي مقارنة واقع المواطن الآمن على ترابه لاستبيان مدى سلامة هاته العبارة.
الأخبار المقترحة من قبل وزارة العدل عبر صفحتها : 17 خبرا، منه 14 خبرا يتعلق بما فعل الوزير مع الوزراء، أو مع الوفود، أو بعد زيارة محكمة، و 3 أخبار تتعلق بانتداب موظفين جدد، و خبر عن المساجين المرسمين بالباكالوريا.
الخبر التأليفي : باتباع نفس منهج التحليل السابق، نرى بوضوح انتفاء المعلومة عن ”وجود وزير مع وزير“ و ”انتداب موظفين“ اجتياز مساجين لامتحان. النقطة المشتركة بين هاته المنشورات تتعلق كذلك بصورة وزارة العدل، و وزير العدل خصوصا اللذي يتكرر كخبر يخص العدل و القضاء و المحاكم و السجون و الكتب. حسب ما تعطيه هاته المنشورات من دلالة، فإن المعلومة الممررة تتعلق بكون الوزير يشتغل و يبذل قصارى مجهوده. من أجل ماذا؟ ذاك ما لا تقترحه هاته الأخبار من بعيد أو قريب.
استنتاج : وسط كل هذا، تتبين حجم الموارد الموجودة و المفردة في مجال الإتصال. لم يتم استعمال أي من هاته الموارد نحو الخبر الأولي، المتعلق بوجود المحامي في مرحلة الإيقاف. بينما، في الأساس و قبل كل شيء، تتمثل مهمة السلطة التنفيذية في تنفيذ ما تأتي به السلطة التشريعية. لذلك نفرد لها لفظ الـ”تنفيذية“.
الاستخلاص : في منظومة القرار ، يعتبر الحديث عن ”انظروا إلي إنني أفعل شيئا ما، و أنا شيء حسن“ أهم من الحديث عن المعلومة الحاملة لتغير محتمل في سياق المجتمع. تجنبا لمحاسبة النوايا، لن أضفي تفسيرا لهذا، فقد يحتكم تفسيري لموقفي السياسي. ما يمكن استخلاصه بكل تجرد هو تواصل الخلل في استشراف المهم و الأهم، و المثابرة في هذا الخلل مع التركيز على ”الصورة عن الذات“ غير المطابقة لما يلامس الأرض و من التحفها من المواطنين.
في وطن يمتلكه مواطنوه و يمتلكهم، يتم اعتبار خبر إضافة المحامي كمعلومة تتعهد المؤسسة المُطَوَّعة لخدمة المواطن كسبيل وحيد للوطن بنشرها و تعميمها، و العمل على التوعية بها لبدء تنفيذها. للأسف، لازلنا في استحالة السبيل لهذا الوطن المنشود. للأسف لازال المال العام المجترح من الجميع، سارقا و مسروقا، يُبَعزق في غير محله. لازالت ”المسؤولية“ شارة للفخر و التباهي و التسلط، أكثر منها مسؤولية. هذا على الصعيد الرسمي.
في الختام أتوجه بالشكر للمواطن سامي بن عاشور لمساهمته في التمحيص الإحصائي. قراءة كافة منشوراتهم جهد لا يستهان به.
iThere are no comments
Add yours