من الممكن عن طريق هيئة قارة للحوار الإستراتيجي أو عن طريق توسيع دائرة القرار الحكومي أو أي آلية أخرى أن تطرح المعارضة على نفسها في الوقت الحاضر مشاركة واقعية وفعالة تستطيع أن تبني عليها في المستقبل على أساس فكرة المعارضة الرقابية.
ويمكن ترجمة ذلك عمليا بفكرتين و على أساسيين. الأساس الأول دستوري والأساس الثاني سياسي. على الأساس الأول يمكن أن تتحول المعارضة إلى هيئة تعديل دستوري وليس الى هيئة تعديلية دستورية أي تتحول إلى مرصد تنفيذي ورقابي لآليات انفاذ الدستور واستكمال تأسيس الهيئات الدستورية والاستحقاقات الدستورية المرتقبة على اساس سليم وصحيح طبقا للدستور بطبيعة الحال.
ويمكنها على الأساس الثاني أي على الأساس السياسي أن تتحول إلى مجلس مراقبة وتنفيذ السياسات التي يتم الاتفاق عليها أو مراقبة وتعديل السياسات التي لا يتم الاتفاق عليها في الحد الادنى.
وترجمة لذلك على المستويين الأمني والاقتصادي على سبيل الأولوية، يمكن أن تدفع بلجنة من حقوقييها بشكل عام مهما كان اختصاصهم الخبري أو البحثي أو المهني في مجال الأمن إلى تشكيل فريق تشاور ومراقبة وسهر على تنفيذ السياسات لدى لجنة وزارية مشتركة في شؤون الأمن ولدى المجلس الأعلى للأمن القومي. وتهدف إلى تحقيق نتيجتين هما حسم موضوع الإرهاب وحسم موضوع الإصلاح. وبالطبع تبقى مهمات قابلة للتفريع.
واما على المستوى الاقتصادي فتكوين لجنة خبراء من مختلف الاختصاصات ذات الشأن لدى لجنة وزارية اقتصادية ومالية مشتركة تعتني بحسم ملفى الفساد و الكساد. ويمكن بالطبع ان تتفرع إلى عدة محاور تفصيلية حسب البرامج.
يقتضي ذلك فيما يقتضي فلسفة حكم جديدة تتقدم بالتعديل والإصلاح وتفويض الصلاحيات لهذه الهيئات لتنسجم مع البرلمان والحكومة والرءاسة. ويقتضي ذلك ضرورة الاقتضاء: الاعتماد على حكومة غرف تنفيذية أربع هي الأمن والاقتصاد والعدالة بما فيها الاجتماعية والتخطيط إلى جانب المصالح الوزارية العادية الأخرى. و بالضرورة ينصرف عمل المعارضة مع الحكومة في الغرف الأربع بالأساس وتسعى إلى تنفيذ سياسات أخرى تعنى بها الوزرات المتبقية وفي كل القطاعات.
بهذه الطريقة تتسهل الملائمة بين اختيار رئيس الحكومة واختيار الأعضاء واختيار البرنامج واختيار اليات التنفيذ وبغير هذه الطبقة سنظل في المستحيلات الأربعة في القبول برئيس الحكومة والقبول باعضائها والاتفاق على البرنامج والاتفاق على التنفيذ.
دور “المعارضة الرسمية” (وهكذا تسمّى في أغلب الدول الانغلوساكسونية الراسخة في الديمقراطية منذ قرون) هي تكوين حكومة ظلّ (*) تراقب وتقترح وتقود لجان التحقيق عبر ممثليها في البرلمان. والمعارضة الرسمية تتكون من الحزب أو الإئتلاف الذي حلّ في المركز الثاني، يعني حسابيا تتمتّع على الأقل بثلث ثقة الناخبين. لكنني لم أر في حياتي معارضة لا تتجاوز العشر في المائة في أحسن الأحول وأكثر من ذلك فإنها مفرّقة، ممزقة وأغلبها يصفق للحاكم لأسباب ايديولجية بحتة، ولا يحدث سوى عند العربان الجرذان أن يكون الحاكم حائزا على 87% من مقاعد البرلمان وأكثر (وهي النسبة التي يسيطر بها الرباعي التجمّعونهضورياحوفرنسي على مجلس دوابّ الشعب). وبالتالي، يجب تحديد المفاهيم منذ البداية: لا يصحّ الحديث عن ديمقراطية في تونس (ولو كان النظام وليد إجراءات انتخابية بالكاد حرّة، لكنها غير نزيهة وغير شفافة). ما نحن بصدده الآن في هذا البلد/المبغى هو مافيوكراسية (**) أو حكم المافيات والعصابات (بعدما كان في عهد بن علي حكم أوليغارشيا كليبتوقراطية). وفي هذه الظروف، فإنّ مجرّد الحديث عن “المعارضة الرسمية” ودورها الرئيسي في تقويم الديمقراطية والدفاع عن الدستور والجمهورية أمام التغوّل المحتمل للأغلبية الحاكمة يعدّ هذيانا لا معنى له
(*) shadow cabinet
(**) mafiocratie