مثَلت أمس الأربعاء صفقة شراء المشغل الإيطالي Go Maltaمن قبل شركة اتصالات تونس محور مساءلة لوزير تكنولوجيات الاتصال نعمان الفهري بمجلس نواب الشعب. وقد توجّه عدد من النواب بأسئلة شفاهية للوزير حول خفايا عملية الشراء ومدى نجاعتها الاقتصادية خصوصا في ظل الشّبهات التي تحوم حول هذه الصفقة.
إجابات وزير تكنولوجيات الاتصال تميّزت بالاقتضاب والتعميم، إذ وصف عملية الشراء بـ”النقلة النوعية في أعمال شركة اتصالات تونس“، نافيا وجود آثار سلبية لهذه الصفقة على الأوضاع المالية لشركة اتصالات تونس. هذا وقد دعى الوزير الإعلاميين والسياسيين إلى ”عدم نشر معلومات عشوائية وزائفة للرأي العام“.
سبق لموقع نواة أن نشر تحقيقات متتالية حول مضمون الصفقة والجهات التي دفعت إلى إبرامها، وقد تطرقت التحقيقات للوضعية الاقتصادية لشركة Go Malta، مبيّنة حجم الآثار الاقتصادية لهذه الصفقة على المالية العمومية. وإزاء استراتيجيا التعتيم التي سلكتها وزارة تكنولوجيات الاتصال نعيد نشر أهم المعطيات التي حفّت بعملية الشراء، وذلك استجابة لنصائح السيد الوزير الداعية لعدم إثارة الرأي العام.
ماهي الوضعية الاقتصادية لشركة Go Malta
تلوح الوضعية الاقتصادية للشركة المالطية الأكثر شدّا للانتباه في عملية الشراء. وعكس ما ذهب إليه وزير تكنولوجيات الاتصال بأن ”حجم Go Malta كبير جداً وأكبر من بعض المشغلين في تونس“، فإن الشركة المالطية التي تستثمر في قطاعات الهاتف الجوال والقار وخدمات الأنترنات تتعرض إلى إزاحة تنافسية من طرف مشغّلين آخرين على غرار Vodafone وMelita Mobile، وتعد رائدة فقط في قطاع الهاتف القار، الذي أصبح يصنّف ضمن الخدمات التي يجري تجاوزها في ظل التدفق الكبير لخدمات التواصل عبر الأنترنات. هذا ويُشار إلى أن تغطية خدمة الهاتف الجوال في جزيرة مالطا بلغت أقصاها بنسبة 130 بالمائة.
تشكو الشركة المالطية أيضا من عجز مالي بلغت قيمته 6 مليون أورو، ومتخلدة بذمتها ديون تُقدر بـ40 مليون أورو، ولديها التزام باستثمار 60 مليون أورو لتطوير شبكة الألياف البصرية. هذا وتُقدر نسبة معاملاتها السنوية بـ110 مليون أورو، ولا تتجاوز نسبة مرابيحها الـ8 مليون أورو سنويا. إزاء هذا التقييم الاقتصادي لـ Go Malta فإن مبلغ شراءها الذي قُدر بـ300 مليون أورو -خلافا لما ذهب إليه نعمان الفهري الذي قدره بـ200 مليون أورو- يكشف عن تضخم في حجم الصفقة، وقع الإعداد له من قبل العديد من الأطراف من أبرزها الشريك الإماراتي لشركة اتصالات تونس ، ومدراء ومسيرين في اتصالات تونس، وفي نهاية المطاف صادقت وزارة تكنولوجيات الاتصال على هذه الصفقة. وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى أن مكتب الاستشارة المالية ”ديلويت تونس“ هو الذي تكفّل بتقييم الصفقة، ويديره محمد الوزير قيادي بآفاق تونس، حزب وزير تكنولوجيات الاتصال.
صفقة على مقاس الشريك الإماراتي
يبرز دور الشريك الإماراتي الذي يملك 35 بالمائة من أسهم شركة اتصالات تونس في نسج خيوط هذه الصفقة في عدة مستويات:
- الشريك الإماراتي يملك 60 بالمائة من رأس مال الشركة المالطية، وقد عجل بعملية البيع تحت ضغط البحث عن السيولة.
- عكس ما يدعيه وزير تكنولوجيات الاتصال بأن عملية الشراء كانت بقرار تونسي محض، فإن بعض مسيري اتصالات تونس هم في نفس الوقت موظفين في الشركة الإماراتية، وساهموا في اتخاذ قرار الشراء. من بينهم Olivier Contagrelالذي تم تعيينه مدير عام مساعد في شركة اتصالات تونس في 30 ديسمبر 2015، وهو الذي تزعّم وفد التفاوض حول الصفقة. ويظهر أيضا في العملية المدير المالي لشركة اتصالات تونس Philippe Montourcier الذي شغل نفس الخطة في شركة الاتصالات الإماراتية إلى حدود مارس 2016. وأيضا Deepak Padmanabhan مدير مجلس إدارة شركة Go Malta والمدير العام لشركة الاتصالات الإماراتية وممثلها في مجلس إدارة اتصالات تونس.
- الشريك الإماراتي لاتصالات تونس عمد إلى تزيين الأوضاع المالية لشركة Go Malta والترفيع في قيمة أسهمها بالبورصة، وذلك من خلال آلية الـSpin Off والتي تتمثل في توزيع أنشطة الشركة الأم على شركات متعددة، وفي هذا السياق تم إضافة نشاط الاستثمار في العقارات علاوة على الاستثمار في الاتصالات. وهذه الآلية ساهمت في ارتفاع سعر سهم شركة Go Malta من 2,90 دولار في ديسمبر 2015 إلى 3,45 دولار في جوان 2016 تزامنا مع الإعلان الرسمي لشركة اتصالات تونس شراء الشركة المالطية.
الآثار المالية للصفقة
جل المعطيات تدل أن الصفقة الأخيرة تحمل في طياتها انعكاسات سلبية على التوازنات المالية لشركة اتصالات تونس وعلى المالية العمومية. إذ أن عملية الشراء تم تمويلها بقرض من مجمّع بنكي يقوده Crédit swisse بنسبة فائدة مرتفعة تفوق المعمول بها في السوق المالية. وهنا يُطرح سؤال مهم حول قدرة اتصالات تونس على تسديد هذا القرض خصوصا في ظل اختلال التوازن بين قيمة الشراء التي بلغت 300 مليون أورو وبين الوضعية الاقتصادية للشركة المالطية التي أشرنا إليها سابقا والتي تحمل عدة مؤشرات خسارة مالية.
وفي هذا السياق أشارت وثيقة أصدرها قسم الدراسات والتوثيق بالاتحاد العام التونسي للشغل إلى أن القرض المذكور ”سيتم سداده على فترة 5 سنوات بكلفة جملية قدرها 75 مليون أورو سنويا على الأقل. وبالنظر إلى مرابيح الشركة المالطية التي لا تتجاوز 8 مليون أورو سنويا فإن سداد بقية القرض سيتم على حساب السيولة المتوفرة لدى اتصالات تونس. ومن المفروض أن اتصالات تونس ليس لديها القدرة حاليا على توفير الموارد اللازمة لتسديد هذه القروض إذ تكبدت في سنة 2015 خسارة قدرها 80 مليون دينار وستجد الدولة نفسها مجبرة على تسديد الديون“.
رغم التداعيات السلبية التي تحملها صفقة الشركة المالطية فإن وزير الاتصالات نعمان الفهري عبر أمس في جلسة المساءلة عن اعتزازه بإبرام الصفقة، واصفا المعطيات المذكورة بـ”المسمومة“. ولكن لم يفلح الوزير في تقديم حجج وبراهين دامغة تفند الآثار المالية الوخيمة لعملية الشراء. مكتفيا بتكرار بعض الجمل الجاهزة من قبيل ”الحوكمة الرشيدة“.
iThere are no comments
Add yours