لا أعرف كيف يمكن تسمية بلاد يجهل شعبها الواقع والتاريخ بلاداً حرةجين فوندا
انطلاقا من مقولة جين فوندا فإنّ تونس الحرّة اليوم، لا يمكن ان تتجسّد حريّتها دون تسليط الضوء على احدى مدنها العريقة عمقا في الحضارة القديمة. فمن المناطق الأثرية المنتمية للتاريخ القديم المتواجدة على الشريط الساحل التونسي، مدينة ”أكولا“ و تسمّى حاليّا بطرية و هي تابعة إداريا لمعتمدية جبنيانة و على بعد 45 كلم شمال شرق مدينة صفاقس، و تبلغ مساحتها حوالي 200 هكتار.
1- اكتشاف ”أكولا“
مدينة أكولا معروفة جيدا في مختلف المؤلفات التاريخية و الجغرافية خاصة في خرائط بطليموس foi de Ptolémée كذلك وجدت على لوحة بيتنغر la table de Peutinger و هي خريطة قديمة تصورّ أهم الطرق و المدن الرئيسية للإمبراطورية الرومانية قديما و لكن تحديد موضعها كان محلّ جدل و نقاش بين مختلف الباحثين إذ اعتقد بعضهم أن مدينة أكولا هي مدينة الشابة أو العالية الواقعيتين في الشمال حسب الخرائط القديمة إلى حين كشفت الحفريات التي أنجزت بقرية بطرية عن حجر أثري نقشت عليه كتابة تحمل شعب أكولا Populus Achollitanas.
2- تأسيس اكولا
حسب المؤرخ Stéphane de Byzance ”أكولا“ مدينة أسسها المستوطنون المالطيون، حوالي القرن الرابع ق.م بتأييد من القرطاجيين و خلال العهد البوني اعتمد سكانها على اللغة والعادات والتقاليد الفينيقية حيث شهدت المدينة صك العملة المأخوذة عن القرطاجيين، وهو ما تؤكده القطع النقدية التي كشفتها الحفريات التي تحمل صورة رأس الإله القرطاجي بعل حمون يحمل تاجا من الريش، إلى جانب العثور على نصب تذكارية للآلهة الفينيقية تانيت هي إلهة قرطاجية، فينيقية الأصل، وتعتبر حامية مدينة قرطاج. “وتعتبر تانيت رمزاً للأمومة والخصب و الحياة.
3- أكولا في العصر الروماني
خلال الحرب البونية الثالثة التي امتدت بين عامي 149 و 146 قبل الميلاد، انضمت أكولا إلى روما في حملتها العسكرية للقضاء نهائيا على قرطاج. و بعد سقوط قرطاج أصبحت أكولا مستقلة و صكت عملة خاصة بها، لما اندلعت الحرب بين يوبا الأول و خصمه القيصر سنة 48 ق.م تحالفت أكولا مع الأخير و لا ريب إن التحالف مع القيصر لم يكن عفويا، فأكولا لديها ميناء من اكبر الموانئ التجارية البحرية في البحر الأبيض المتوسط و تعاني من منافسة تجارية شديدة من قبل المدن المجاورة لها مثل حضر موت (سوسة) و لبتيس مينوس (لمطة) و ثابسوس (رأس ديماس/ البقالطة) و سبب ثان قد يفسر سبب تحالف ”اكولا“ مع القيصر هو الحصار الذي أقيم علىها من قبل جيش بونباي بثابسوس بأمر من كاتون المقيم آن ذاك بالعتيقة (أوتيكا) و الذي تحالف مع بونباي لمحاربة قيصر. إذ أن قواته حاصرت العدو شمال ثابسوس (رأس ديماس/ البقالطة) بحضرموت (سوسة) و جنوبا بأكولا التي كانت قد انضمت إليه.
كان لفوز القيصر انعكاسا مباشرا على أكولا حيث أنها تخلصت من منافسة المدن الساحلية التجارية المجاورة و الحفاظ على مكانتها الأولى في التجارة البحرية و فك الحصار الذي فرضه عليها أنصار بونباي.
عرفت أكولا عصرها الذهبي خلال القرنين الأول و الثاني بعد الميلاد بفضل مينائها الذي يعتبر من اكبر الموانئ التجارية البحرية و لزال بقايا أرصفته إلى يومنا هذا شاهدا على عمق المدينة التاريخي و الحضاري و الاقتصادي.
كما شهدت المدينة صك العملة خلال العهد الروماني بداية من القرن الأول ميلاديا في عهد الإمبراطور اغسطوس الذي حكم من سنة 29 ق.م إلى سنة 14 ميلاديا. وارتقت في التنظيم الإداري إلى مرتبة المدينة ـ البلدية حيث يتمتع سكانها بحق المواطنة الرومانية ويحكمها الدستور الروماني ويدير شؤونها المجلس البلدي المتكون من الحكام البلديين من صنف القناصلة.
3- الحفريات كشفت عن أثار عظيمة
لقد بدأت الحفريات في منطقة أكولا سنة 1947 و تواصلت سنة 1956، 1964، 1967 و 1979 و 1994 كانت الاكتشافات في غاية الأهمية حيث تأكد لعلماء الحفريات أنها كانت لهذه المدينة الأثرية القديمة المفقودة و التي تدعى أكولا في العهد الروماني و أثناء الحفريات التي واكب أعظم رجالات و نساء التاريخ منهم السيد جلبار بيكارد Gilbert Picard و السيدة سوزان قوزلان Suzanne Gozlan وقد وقع العثور على كثير من المعابد و المنازل و الحمامات و الكنائس و التحف و الفسيفساء و الخزف
فمن الاكتشافات الهامة منزل القنصل أسينيس ريفينيس Asinius Rufinus و هو عضو مجلس الشيوخ بروما تم تعيينه قنصلا سنة 184 ميلاديا ليدير شؤون المدينة وهو ما تبرزه الكتابة الموجودة على النصب التذكاري بساحة الفوروم و يمسح المنزل حوالي 835 مترا مربعا.
وفي مدخل المدينة الأثرية توجد حمامات الإمبراطور الروماني تراجانيوس والتي تحتوي على عدة قاعات أبرزها قاعة مستطيلة الشكل إلى جانب ثلاثة أحواض سباحة، أما الفوروم فهو ساحة مبلطة تتوسط المدينة تنتهي بجدران.
في الجهة الشمالية توجد بقايا آثار معبد الكابتول الذي يضم تماثيل الثالوث الرسمي للديانة الرومانية وهي الآلهة: يوبيتار ويونو ومينروا.
وفي الجهات الغربية مازالت آثار المسرح الدائري واضحة المعالم حيث يحتوي على حلبة صراع ومدارج محيطة بها هذا النمط من العمارة يعكس مستوى الازدهار الاقتصادي و الثقافي الذي بلغته مدينة أكولا .
ولقد تم جمع العديد من الأعمال الفنية و ففي القاعة المخصصة لأكولا بالمتحف الوطني بباردو نجد:
كما تزخر ”اكولا“ باللوحات الفسيفسائية التي تم العثور عليها لعلها من أعظم و أقدم اللوحات الموجودة في إفريقيا، و هي لوحات تروي المعيش اليومي لشعب أكولا و عاداتهم و تقاليدهم و معتقداتهم و وجدت خاصة لدى الطبقة الأرستقراطية من الأهالي إذ تزين الفسيفساء جدران وأرضية منازلهم. ومن أهمها لوحة الإله ديونوزيوس وقوس النصر للإله نبتون ولوحة جراد البحر وهو ما يقيم الدليل على الأهمية البالغة لهذه اللوحات الفسيفسائية.
4-أكولا في العهد البيزنطي
خلال العهد البيزنطي خضعت مدينة أكولا للديانة المسيحية وهو ما تبرزه الكتابات الموجودة بمجلس المدينة كما ان بعض اساقفة المدينة نالوا شهرة واسعة بشمال افريقيا مثل: ريستتيس سنة 484 ميلاديا وقينتيس سنة 641 ميلاديا، كما كشفت الحفريات وجود آثار لبيت العماد وبها حوضي سباحة وعدة قبور مسيحية احداها مغطاة بلوحة فسيفسائية.
و لقد اتفق علماء الآثار أن موقع بطرية الآن ما زال يحتوي على البقايا الأثرية الآتية :
- بقايا مدرج
- بقايا مسرح
- حجرتان خاصة بتعميد الأطفال خارج الكنيسة
- محلان شيد ت في عهد الأمبراطور هدريان ( بين سنة 120 و 130 بعد الميلاد)
- بقايا ثلاثة بيوت أشهرها بيت “أسينوس روفينوس” ..
- منزل مخصص لانتصار نبتون و آخر لرأس أوسيان.
- مجموعة غنية من الفسيفساء تعود إلى القرن الثاني بعد الميلاد والتي تعتبر من أقدم الإكتشافات الأثرية الرومانية على أرض تونس.
5- اختفاء المدينة
في نهاية العهد البيزنطي انعدم الأمن وو كثرت القلاقل و عانت أكولا من حملات النهب و السلب و السرقة من شعب الماواريين فهجرها أهلها قبل الغزو العربي الإسلامي لتقوم العوامل الطبيعية بدفن مدينة أكولا.
خاتمة
توقفت الحفريات بالموقع الاثري ”أكولا“ سنة 1994، رغم انها لم تبح بأسرارها كاملة فحسب تأكيد الباحثين فانها لزالت تزخر بكنوز اكثر من التي اكتشفت، علما أنّه تم آن ذاك رفع أعظم و أحسن التحف إلى المتحف الوطني بباردو فان لذلك حقيقة يبعث على الحيرة و الاستغراب، فكيف لهذه المدينة العظيمة أن تجابه وحدها عسف عوامل الطبيعة و تهميش الدولة رغم المكانة الكبيرة التي أولاها اعتي الباحثين الفرنسيين لها منهما السيد جلبار بيكارد و السيدة سوزان قوزلان، كما لزالت أراضي الموقع الأثري ”اكولا“ تحت تصرف إدارة التراث لعقود.
بطرية اليوم ( أكولا قديما ) تطالب بحق الاعتبار، و هذا الكنز الأثري الذي للأسف لا يعرفه الكثيرون من المناطق المجاورة، كي تسترجع إشعاعها الحضاري و السياحي و البحري و تستفيد المنطقة عبر دمجها اقتصاديا.
Bonsoir Si Soufiane,
Merci pour cet article qui résume encore le passé de Botria, l’ancienne ville romaine rayonnante, parmi les plus grandes villes commerciales du Royaume de Rome. Cependant, malgrè les destructions de la ville par les fouilles de 1949 et le transfert des mosaïque vers le Bardo, Acholla, comme je l’ai vécu moi-même pendant mon enfance, était détruite fin des années soixante, premier moitié des années soixante-dix par une partie des ses propres habitants. Comme enfants j’ai vécu les murs complets de la zone centrale, le palais. Pendant les années ’70, certains habitants et ils sont connus et dont la plus grande partie est décédée actuellement ont déchiqueté des pierres rectangulaires de 1 mètre carré en petites pierres et les ont vendu aux marins de Douar Louata pour servir à la pêche aux pouples.
Je pourrais dire alors que Acholla a été pillé et jeté dans les profondeurs de la mer par ses propres habitants. Il y a du travail pour réclamer certains tapis qui ont été enlevés en 1979 et je suis témoins car j’ai travaillé comme traducteur pour Madame Souzanne Gozlan. Ces tapis sont en principe à la Kasba de Sfax, mais je ne suis pas sûre.
Dr. Youssef Ben Abdeljelil
Originaire de Botria – Acholla
Belgique
Merci cher Docteur Youssef , vraiment cet article c’est grace à votre effort , j’ai basé sur tes encouragement pour publier l’arcticle sur ACHOLLA
رمى في مزبلة الإهمال. يبقى السؤال قائما هل هو نسيان حميد أم نسيان خبيث؟؟ شكرا على هذا المقال الذي ينبش في حقريات الذاكرة المنسية أو بالأحرى المتناسية . ذاكرة شعب تدفن في طيات النسان وت