في الوقت الذي كان يباشر مَهمة في الخارج حول الأموال المهربة، تلقّى لزهر الجويلي المكلف العام بنزاعات الدولة يوم 29 أفريل 2017 خبَر إعفائه من منصبه. بعض أسباب الإقالة كشف عنها الجويلي اليوم الثلاثاء في ندوة صحفية عقدها بالعاصمة، وقد أشار إلى أنها متعلقة أساسا بخلافات جوهرية حول استقلالية هذه المؤسسة عن السلطة السياسية، علاوة عن ضعف إمكانياتها التقنية والبشرية مقارنة بتراكم الملفات الموكلة إليها.

إقالة القاضي لزهر الجويلي بعد مرور أربع أشهر من تعيينه -بطريقة متسرعة وملتبسة- يقود إلى التساؤل عن الوضع الداخلي الذي آلت إليه مؤسسة المكلف العام بنزاعات الدولة. رغم التعتيم الذي يغمر هذا الجهاز فإن آثار التدخل السياسي تلوح جلية في الكثير من المحطات خاصة أثناء استبدال رؤساء بآخرين. ويتضخم هذا التدخل كلما تعلق الأمر بملفات الفساد المالي والعدالة الانتقالية.

إقالات سياسية

شهدت مؤسسة المكلف العام بنزاعات الدولة منذ الثورة تحويرات متتالية (7 تحويرات)، ولئن اختلفت السياقات السياسية التي أدت إلى هذه الظاهرة فإن الحديث عن التدخل السياسي في عمل هذه المؤسسة برز على السطح عندما لجأ القاضي كمال الهذيلي في جوان 2016 إلى المطالبة بإعفائه من خطة المكلف العام بنزاعات الدولة. هذه الاستقالة  سبقها تقدم الهذيلي بملفات فساد وانتهاكات إلى هيئة الحقيقة والكرامة، وهو ما جعل بعض المصادر من الهيئة تؤكد أن استقالته كانت اضطرارية بسبب ضغوطات مارستها ضده أطراف في السلطة. ومنذ جوان 2016 دخلت هيئة الحقيقة والكرامة في تعارض مع  المكلف العام بنزاعات الدولة بالنيابة، مليكة الناصري، تمثلت في التأجيل المتكرر لجلسات التحكيم والمصالحة وعدم البت في ملفات الفساد والانتهاك.

تعيين القاضي لزهر الجويلي في جانفي 2017 اعتبرته مصادر من هيئة الحقيقة والكرامة تطورا إيجابيا في علاقة الهيئة بمؤسسة المكلف العام بنزاعات الدولة من خلال الجلوس مجددا على طاولة الحوار والشروع في إيجاد حلول لبعض الملفات. من جهته أكد اليوم لزهر الجويلي في معرض حديثه عن العلاقة بهيئة الحقيقة والكرامة “وُفقنا في تجاوز العديد من الإشكالات ونجحنا في وضع خطة عمل لفتح ملفات انتهاكات حقوق الانسان والفساد المالي”.

التدخل السياسي في مؤسسة المكلف العام بنزاعات الدولة وَضعه الجويلي ضمن فكرة الاستقلالية عن مؤسسات الحكم، التي اعتبرها جوهر الخلاف مع كتابة الدولة لأملاك الدولة والشؤون العقارية. وفي هذا السياق أشار إلى أن “مؤسسة المكلف العام بنزاعات الدولة كانت في قلب التوظيف السياسي في سياقات مختلفة لتحقيق بعض المصالح الخاصة”، معتبرا أن إصلاح هذه المؤسسة يمر عبر تكريس استقلاليتها و”التعاطي معها بمنطق الدولة وليس السلطة”.

المكلف العام بنزاعات الدولة: جهاز من ورق

تشعب الملفات التي تُمسك بها مؤسسة المكلف العام لنزاعات الدولة (الأموال المهربة، العدالة الانتقالية، الأموال المصادرة، ملفات الفساد) يصطدم بضعف الإمكانيات البشرية والتقنية الأمر الذي جعل لزهر الجويلي يصفها بأنها “مؤسسة تكاد تكون في حالة تعطل تامة”. وقد ذكر المكلف العام بنزاعات الدولة المُقال بعض مظاهر الضعف التي تشكو منها هذه المؤسسة:

  • المؤسسة تفتقر إلى مقر دائم رغم أنها إدارة مركزية وليس لديها فروع، كما لا تمتلك مكاتب داخل مقرات المحاكم، وفي ظرف 8 أشهر تم نقل مقرها مرتين.
  • نسخ الملفات في المحاكم يكون باللجوء للمحلات الخاصة.
  • نقص في الموارد البشرية مقارنة بالملفات والمهام.
  • التنظيم الهيكلي لا يستجيب لوظائف المؤسسة.
  • الانتداب في إطار المستشارين مُعطل منذ 8 سنوات.
  • أغلب ملفات الفساد المالي المنشورة لدى القطب القضائي أو لدى المحاكم (700 ملف) لم يقع القيام فيها بالحق الشخصي ولم يقع تصويرها. ولعل أخطرها ملف البنك الفرنسي-التونسي.

إن مظاهر الإضعاف التي استعرضها المكلف العام بنزاعات الدولة الُمقال والتي أدت إلى خلق جهاز مشلول عاجز عن إدارة ملفات الفساد المالي والأموال المهربة والمُصادرة، تعكس تشخيصا لحقيقة التعاطي الحكومي مع هذه الملفات. ولعل إنهاك هذه المؤسسة وإخضاعها لمنطق الحسابات السياسية يعد  الوجه الآخر لإجهاض مسار المحاسبة وتعطيل حوكمة الأموال المهربة والمصادرة من أجل المحافظة على شبكات المصالح القديمة. وقد حرصت الحكومة على إعفاء المكلف العام بنزاعات الدولة من منصبه دون ذكر أسباب ذلك مكتفية بالإشارة إلى أن القرار تم اتخاذه في مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 28 أفريل 2017.