اقترنت كلمة الإصلاح بعهد خير الدين في 1873 ورغم طول المدة التي فاقت قرن ونصف، فإن القائمين على الملف الإداري لم يستوعبوا المفهوم الحديث للإصلاح والذي أصبح بمثابة عملية ديناميكية مستمرة، تتجه نحو التطوير أكثر منه إلى إصلاح حالات مرضية تستوجب العلاج. وبما أننا لا زلنا نسمع نفس الأفكار والتصورات والاستراتيجيات الوهمية والكسيحة ونُعاين الفشل تلو الآخر وكأن الزمن واقف مكانه، ونظرا لطول هاته المدة الزمنية واعتبارات أخرى سنأتي عليها لاحقا، نقول للمتصدرين الجدد للمشهد السياسي ومن ورائهم كبار القوم في الإدارة والماسكين بملفات الإصلاح ومكافحة الفساد… كفى كذبا، مع التذكير أن هاته الإدارة كانت ولا تزال جزءا من المشكل وليس جزءا من الحل وعبء يصعُب تحمله حتى في المستقبل القريب.
ما هي الاعتبارات الأخرى التي تُحتم الكف عن الكذب؟
أول هذه الاعتبارات هو أن الرأي العام، لم تعُد له قابلية لسياسة المساحيق والحلول “الترقيعية” أو سياسة “الحرث في الماء”، لم تعد له قابلية لمنطق “الحاكم والرعية” الموروث والذي كرّس ولا يزال، إدارة التعليمات والتقدير والاجتهاد الشخصي بدلا من إدارة التنظيم والضوابط والشروط، لم تعُد له قابلية لخطابات سطحية وضعيفة المصداقية ولا تتضمن توجُه فيه انحراف بمائة وثمانين درجة وتكون مُخرجاته، إجراءات تمس معنويات المواطن وترفعها، اجراءات استثنائية وغير معهودة فيما يتعلق بالقواعد والطُرق والأساليب الفعالة والضامنة لحسن إدارة الشأن العام.
ثاني هذه الاعتبارات أنه لم يعد مقبولا، التمادي في التهويل والمماطلة والتسويف وخصوصا الإصرار على مواصلة في نفس النهج المتطابق مع ما سبق والذي ينطلق من فرضيات وتحاليل خاطئة، معلوم أنها ستُؤدي إلى استنتاجات غير صحيحة وتصورات خاطئة للإصلاح المنشود وفي ظل منظومات قانونية سواء للتصرف والتسيير أو الرقابة هي مصمّمة، للإبقاء على حالة الغُموض ومعطلة ذاتيا وعاجزة أمام كل المظاهر السلبية والفساد في الأجهزة التنفيذية، وفي ذلك مواصلة لحماية الفاسدين سواء سياسيين أو إداريين أو أصحاب نفوذ مالي.
آخر الاعتبارات، هو جهل البعض وتجاهل البعض الآخر من السياسيين وكبار القوم في الإدارة بأهمية النشاط الإداري المنضبط والمنظّم. هذا الجهل والتجاهل هو ما جعل الأبواب مفتوحة على مصراعيها للرشوة والمحسوبية ونهب وإهدار المال العام… ويمكن أن نتبين ذلك في برامج الجهات الرسمية الموجهة نحو مزيد من التشريعات والقوانين وتخمة نصوصها التي وصلت حد التعارض في كثير من الأحيان بالإضافة إلى تلك الهيئات المسماة مستقلة وهي ليست كذلك. كما يمكن أن نتبين ذلك من خلال الاستراتيجيات والتي يتم إخراجها في شكل جيد في حين يطرح محتواها عديد نقاط الاستفهام من الناحية العملية، وخصوصا عندما تقترن بتصريحات وتدخلات الوزراء في وسائل الإعلام وبعض الكوادر العليا في الوزارة المكلفة بالوظيفة والإدارة والتي تدعو لا فقط إلى الشفقة، بل تُعتبر تصريحات مضحكة ومدعاة للسخرية.
وعلى سبيل الذكر لا الحصر، تصريحات السيد المدير العام المكلف بالإصلاح الاداري وما قدمه في وسائل الاعلام من حلول، اختزلها في توفير إدارة متنقلة تذهب إلى الأسواق الأسبوعية لإسداء خدمات التعريف بالإمضاء أو خدمة النسخة المطابقة للأصل، وزير سابق في حكومة الترويكا لا يفرق فيها بين “نُظم المعلومات” و “النُظم المعلوماتية”، آخر هذه التصريحات كانت حول الإدارة الرقمية وتُعطي صورة وانطباع وكأنك في بلد مُشابه للولايات المتحدة الأمريكية أو ألمانيا أو اليابان، بينما الادارة الورقية عندنا كانت ولا تزال في حالة كارثية. وفي نقطة الرقمنه هذه، يتعين التأكيد على أن رقمنة الإدارة يمر بمرحلة حتمية وهي التنظيم الجيد والدقيق للإدارة الورقية، لذلك يُعتبر كل حديث دون إنجاز هاته المرحلة، هو لا فقط استبلاه بل هو كذب مفضوح لأننا لا زلنا في إدارة “أرجع غدوة… والسيستام مسكر”.
ما هو المطلوب عاجلا وآجلا وأين العنوان الرئيسي للإصلاح؟
انطلاقا من الوضعية الحالية والتي بلغت درجة من التعقيد والضبابية يستحيل معها مواصلة نفس التوجُه والبرامج، ولتجاوز التعطيل في سير دواليب الدولة ومؤسساتها، ولضمان حسن التصرف في المرفق العام مستقبلا وتحسين الخدمات الادارية ودعم الثّقة في الهياكل الادارية، فإنه ليس أمامنا اليوم من خيار لبلوغ الأهداف سوى الانتقال من مفهوم “الاتجاه العلاجي” إلى “الاتجاه المؤسسي”. وهذا يستوجب إرساء نُظم تحكُم العلاقات بين الأطراف الأساسية التي تُؤثر في الأداء، نُظم تقضي على امكانيات التشكيك والطعن في النشاط والاجراءات والقرارات.
عمليا هذا الانتقال ممكن تحقيقه أولا، من خلال الشروع في صياغة نُظم جديدة واضحة وخصوصا معلومة، نُظم تحتوي بالخُصوص على تحديد دقيق للمهام والصلاحيات والمسؤوليات وأيضا تحديد دقيق للعلاقات بين كافة الأطراف داخل الإدارة وكذلك مع المتعاملين معها من الخارج. ثانيا، الذهاب مباشرة إلى مواطن الخلل أي الميدان الإداري نفسه وفتح حظائر يساهم فيها من هم مُكلفون بالتنفيذ في عمليات إعداد وصياغة الطرُق والأساليب والآليات الجديدة… وفي ذلك ضمان للالتزام بها.
هذا الانتقال ممكن أيضا عندما نستند إلى المبادئ الأساسية للإدارة الحديثة، نذكر منها بالخصوص مبدأ “أسلوب ذاتية التنظيم” نظرا للفارق في الخصوصيات ما بين المؤسسات والقطاعات ومبدأ “قطع العلاقة مع المواطن”«Eviter le contact avec le citoyen» وهي مبادئ عند تكريسها، يمكن بلوغ الأهداف المنشودة على غرار الشفافية والحوكمة والمساءلة والمحاسبة… من جهة ومن أخرى، يمكن البدء في القضاء عل المظاهر السلبية وتلك كلمات التي مللنا سماعها مثل “أرجع غدوة وفلان في كونجي أو اللجنة لم تجتمع”.
الحل هو أيضا ممكن ومعمول به دوليا منذ ثمانينات القرن الماضي ويتمثل في خروج الجهات المكلفة بالإدارة من مكاتبها الوثيرة والذهاب على عين المكان أي المؤسسة الإدارية ذاتها بواسطة فرق من الخبراء والمختصين والإشراف على الحظائر وإعادة بناء نظام عمل ونشاط إداري من الأساس. فيما بعد يتم تضمين مخرجات الأعمال في أدلة تنظيمية حديثة لاستخدامها كمراجع للمستويات الإدارية المختلفة لتفادي التعطيل أو التداخل في إنجاز الأعمال واتخاذ القرارات الملائمة والسريعة وإكساب النشاط الإداري النجاعة الضرورية. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأدلة اعتمدها عديد التجارب الدولية الناجحة، ويتم إعدادها وصياغتها مرة واحدة وتحيينها كلما اقتضت الحاجة وهي بمثابة دساتير صغيرة في كل مؤسسة إدارية.
تمتد فترة الحظائر قرابة ثلاثة سنوات، لكن يمكن البدء بالمؤسسات التي علقت بها صورة وانطباع سيء، مثل الوزارات ودواوينها ومصالح المشتريات والمستودعات وبعض المؤسسات ذات المردودية المالية العالية مثل ميناء رادس والصيدلية المركزية أو الخطوط الجوية التونسية ثم يتم تعميم الحظائر تدريجيا. وتتكون المهمة التي سيُشرف عليها الخبراء والمختصين من ثلاثة محاور تغطي المراحل المختلفة لمعالجة المعلومات والملفات والمشاريع… وهي، محور أول يتعلق بمصالح الاستقبال واستلام البريد، محور ثان خاص بمعالجة الملفات بعد توجيهات المسؤول الأول عن المؤسسة الإدارية ومحور ثالث منعدم تماما في الأجهزة التنفيذية ويتعلق بالمتابعة اليومية للنشاط الإداري وهي من أهم الوظائف الرئيسية لنُظم المعلومات أو نُظم التصرف الإداري والمالي الحديث.
ben ali baba et les 4 millions de voleurs.
la corruption doit se resoudre par la guillotine.
c’est une peste incrustée dans les genes des truands.
beji et chahed ont fait rejaillir le systeme du tyran ben ali
et protegent les vermines.