لا يوجد نص قانوني واضح يجبر الصحفي الأجنبي أو مراسل القنوات الإعلامية الأجنبية على أخذ رخصة للتصوير من رئاسة الحكومة، بل إن روح بعض القوانين تختلف مع هذا الإجراء. فقد نص مثلا الفصل 9 من المرسوم عد 115 لسنة 2011 المؤرخ في 2 نوفمبر 2011 على ”تكافؤ الفرص بين مختلف مؤسسات الإعلام في الحصول على المعلومات“ كما ”يمنع فرض أي قيود تعوق حرية تداول المعلومات“. إلا أن الإدارة المتخصصة في منح تراخيص التصوير الصحفي في رئاسة الحكومة وبالرغم من إرسالها الدوري لرخص التصوير لوسائل الإعلام في تونس حسب ما صرح به بعض الصحفيين لنواة، فإنها تعطل تقديم تلك الرخصة وفي أحيان كثيرة لا تعطيها للصحفيين الأجانب غير القارّين بتونس.
ويشير التقرير السنوي الصادر عن مركز تونس لحرية الصحافة لسنة 2017 إلى أن وحدة الرصد التابعة للمركز سجلت منعا من التصوير تضرر منه 14 صحفيا. وقد شمل المنع صحفيين يشتغلون في 3 قنوات تلفزية وهي: التلفزة الوطنية وفرانس 24 وتلفزيون العربي، و3 إذاعات وهي: إذاعة تونس الدولية وإذاعة موزاييك وإذاعة شمس أف ام، وصحفي من وكالة تونس إفريقيا للانباء وصحفي يعمل بصحيفة ديرشبيغل الألمانية وموقع إلكتروني دايلي مايل البريطاني.
وقالت مديرة مكتب منظمة مراسلون بلا حدود في تونس ياسمين كاشا لنواة:
إن الإجراءات المتعلقة بإعطاء تراخيص التصوير للصحفيين الأجانب لا تزال غير واضحة، وبالطبع فمراسلون بلا حدود تحتفظ بدورها الرقابي دائما للحفاظ على هذا المستوى، إلى حين الوصول إلى انشاء جهاز خاص بالصحفيين الأجانب يكون أكثر فعالية للقيام بتلك المهمة.
وأشارت منظمة مراسلون بلا حدود في رسالتها الموجهة إلى رئيس الحكومة يوسف الشاهد يوم 17 مارس الفارط في نقطتها الرابعة إلى أنه من الضروري ”السماح لمراسلي القنوات الإعلامية الأجنبية بممارسة عملهم بكل حرية“. وتأتي هذه الرسالة في سياق ” تراجع واقع الحريات الصحفية في تونس في الأشهر الأخيرة“ حسب المنظمة.
شهادات عن المنع
يقول مراسل صحيفة الدايلي مايل البريطانية في تونس محمد كريت في شهادته على منعه من التصوير ”إن مشكلة التصريح هذه منعتني من مواصلة الكثير من التحقيقات الصحفية في تونس، وهي معضلة حقيقية بالنسبة لي خاصة وأن الإداريين في القصبة يهمسون أحيانا بما يسمونه الخوف على صورة تونس في الخارج“، وأضاف محمد كريت راويا إحدى حكاياته مع الترخيص عندما تحول لمنطقة الوسلاتية بولاية القيروان لتصوير منزل أنيس عمري المشتبه فيه في هجوم برلين الإرهابي الربيع الماضي ”قال لنا أمنيون يومها أنه على الصحفيين الأجانب أن يتحصلوا على ترخيص عمل في التراب التونسي فذهبنا إلى رئاسة الحكومة و كانت سيارتين من الأمن تتابع طريقنا لأجد بعد الخروج من مقر الحكومة أمنيا يسألني عن التصريح“. ويواصل كريت حديثه عن الهرسلة التي تعض لها:
عند وصولي للوسلاتية اتصلت بأحد الأمنيين الذي اتصل بي أكثر من ثلاث مرات يسألني على طريقي و في كل مرة يقول لي أنه يسأل فقط لتأمين تحركاتي في المنطقة. وعند بدء التصوير طلب مني عون الأمن التصريح فاستظهرت ببطاقة الاعتماد و قلت له أن التصريح للأجانب و المراسلين سوف يأخذ وقتا، ليمنعني العون من التصوير.
من جهته، أشار الصحفي الجزائري ماسينيسا بلكحل للصبغة الاعتباطية لبعض التضييقات :
وجدنا صعوبات مثل باقي المراسلين الأجانب عندما تطلب منا الشرطة دائما تراخيص التصوير، سواء في تونس أو في معتمدية الوسلاتية عندما تحولنا إلى هناك بعد عملية أنيس العامري الذي قام بهجوم إرهابي في العاصمة الألمانية برلين في رأس السنة الميلادية الماضية. وقد أصرت السلطات على أن لا تسمح لنا بالعمل إلا بالتراخيص الموقعة من رئاسة الحكومة وليس بطاقات إعتمادنا كمراسلين أجانب، وهو أمر لا معنى له.
ويقول الصحفي في قناة العربي الجديد علاء زعتور إن ”الإشكال الأساسي الذي يواجهنا كصحافيين نعمل مع مؤسسات أجنبية هو التعامل الميداني مع رجال الأمن أو مع بعض المسؤولين الذين يطلبون منا دائما تراخيص وأذون بمهمة لا ينص عليها أي قانون، إذ يفترض أن يتم الاكتفاء بالاستظهار ببطاقة الاعتماد كمراسل أجنبي، لكن ذلك لم يكن كافيا في مناسبات عديدة“.
وبسبب إجراءات الرخصة التي وصفها بأنها ”طويلة وصعبة“ ألغى الصحفي التركي أوزغور توماكين مشروعه الوثائقي حول المعمار وتاريخ البنايات في تونس لأن ”الشرطة قد أوقفته عن التصوير في الشارع وطالبته برخصة تصوير“ وعند اتصاله بإدارة الرخص في رئاسة الحكومة طالبوه بأخذ الترخيص من سفارة تونس في تركيا، وبسبب ذلك ولطول الإجراءات للحصول على الرخصة قرر توماكين إلغاء تصويره لفلمه الوثائقي حول المعمار في تونس.
هاجس صورة تونس
أمام هذه الشهادات، أردنا أن نتثبت مباشرة من المسؤولين في مصلحة اعتماد المراسلين الأجانب في الإدارة التابعة لرئاسة الحكومة بشارع جون جوراس، وقد تم التأكد فعلا من وجود توجس من المراسلين الأجانب اللذين يطلبون ترخيصا للتصوير في تونس بتعلة ”الخوف على صورة تونس في الخارج“. إذ تم التوجه يوم يوم الخميس 29 جوان 2017 إلى مقر الإدارة المذكورة لخوض تجربة طلب ترخيص للتصوير الصحفي لوسيلة إعلام أجنبية حول درجة تأمين الفنادق في موسم الذروة السياحية، حيث تم إرشادي إلى مكتب السيدة سميرة الشواشي المسؤولة عن إعطاء بطاقات اعتماد الصحفيين الأجانب في تونس، سألتها عن كيفية الحصول على ترخيص فأشارت في البداية إلى أن الإدارة المسؤولة عن ذلك توجد في رئاسة الحكومة وليس في المصلحة التي تعمل فيها، لكنها طلبت مني الانتظار قليلا. عادت السيدة سميرة وبدأنا في الحديث عن الصحفيين الأجانب وفي هذا الصدد ذكرت أن ”الكثير من الصحفيين الأجانب يأتون إلى تونس لتشويه صورتها، فالعديد منهم قد اشتغلوا على مواضيع مست من سمعة البلد في الخارج وخاصة أوروبا“، وهنا أعلمتها أن الموضوع الذي سأشتغل عليه هو درجة تأمين الفنادق السياحية في تونس والاجراءات المتخذة لذلك، فهل ينال هذا الموضوع مثلا من صورة تونس؟ أجابت السيدة سميرة بأن ”الأمر قد يحتمل النسبية لكن بشكل عام يأتي صحفيون للعمل على مواضيع حساسة، وقد مست من قطاعات معينة في البلاد من بينها السياحة أو قطاع الصحة“ وأضافت الشواشي:
يأتون لتشويه صورة تونس وللأسف هناك من الصحفيين أو المتعاونين في تونس من يساعدهم على ذلك وهم غير وطنيون ولا يحبون بلادهم لأنهم يساعدون صحفيين أجانب على تصوير جوانب سيئة من تونس، ونحن كحكومة قد نقيّم طلب الترخيص ويمكن أن نرفض الطلب إذا رأى المسؤولون أن الموضوع الذي سيعمل عليه الصحفيون الأجانب قد يضر من صورة تونس.
نقابة الصحفيين: ”تعاط لا يمكن تبريره وهو مرفوض“
وضعت مسألة المراسلين الأجانب وإشكالات التراخيص وحرية ممارسة المهنة الصحفية على طاولة اجتماعات المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين أكثر من مرة، وفي كل مناسبة تقوم النقابة بتوجيه الملاحظة إلى المصالح الحكومية، لكن بعد حادثة تسلل صحفي إسرائيلي إلى تونس ليصور آثار اغتيال المهندس محمد الزواري أمام منزله، أصبحت النقابة ذاتها تناقش الأمر بشكل آخر. وقد صرح عضو المكتب التنفيذي المكلف بالحريات محمد اليوسفي لنواة ”هذا التوجس من قبل السلط الأمنية يمكن تفسيره بالظروف العامة التي تمر بها البلاد جراء العمليات الإرهابية والمخاوف الاستخباراتية فضلا عن حادثة دخول الصحفي الإسرائيلي المثيرة للجدل غداة اغتيال المهندس محمد الزواري بصفاقس في ديسمير 2016. كما يمكن استبطان خلفياتها أيضا في موروث ثقافة الاستبداد للدولة العميقة التي تنظر للإعلام على أنه سلطة شر معادية، ما جعل البعض يشن حملة شيطنة ضد وسائل إعلام أجنبية وبعض الصحفيين العاملين معها“. ويضيف اليوسفي:
لكن ورغم تفهمنا لبعض الأسباب الموضوعية التي قد تتسبب في تأخر إدارة الحدود والأجانب بوزارة الداخلية ورئاسة الحكومة في منح التراخيص الضرورية، فإن مثل هذا التعاطي لا يمكن تبريره وهو مرفوض باعتباره لا يحترم حرية العمل الصحفي وروح المسار الديمقراطي. والجهات المعنية بهذا الملف مطالبة بوضع حد لمثل هذه الحوادث التي تسيء لصورة البلاد وهي تتناقض مع الخطاب السياسي لمسؤولين في الدولة.
هناك إجماع على أن ما تقوم العناصر الأمنية من منع لممارسة الصحفيين الأجانب لمهنتهم بشكل حر هو أمر مناقض لمبادئ حرية الصحافة والإعلام والتعبير، كما لا يستند ترخيص رئاسة الحكومة للتصوير الصحفي على نص قانوني يعطي هذه السلطة للإدارة، الأمر الذي يشوه فعلا صورة تونس لدى الخارج وليست المواضيع التي يشتغل عليها الصحفيين.
فكرة أو نظرية حماية الصورة تنبع من إرادة العجز و الديكتاتورية .. يجب التفكير بنظرية تحسين الصورة ، بناء الصورة ..