يبدو واضحا اليوم لكلّ مُتابع للمسار الديمقراطي في تونس مدى أهمية مشروع مجلّة الجماعات المحليّة في علاقة بتفعيل دستور جانفي 2014 وتحديدا الباب السابع المتعلّق بالسلطة المحليّة، وفي علاقة أيضا بالقطع مع نظام الحكم المركزي السابق الذي ألحق أضرارا هيكلية على المستوى المحلّي. وقد أسفر تشخيص واقع البلديات منذ 2012 عن مشروع جديد تبنّته الإدارة المعنيّة بالجماعات المحليّة وتطلّب منها توفير موارد ضخمة من المانحين الدوليين والضغط داخل أروقة الوزارات لتفعيل مسار اللامركزية رغم تحفّظات وزارة المالية المُتشبّثة بمركزة الموارد.
من المفترض أنّ تعوّض مجلّة الجماعات المحليّة الجديدة -بمقتضى دخولها حيّز النفاذ- القوانين القديمة الجاري العمل بها وعلى رأسها القانون عدد 33 لسنة 1975 المُنظّم لعمل البلديات والذي كرّس تبعية الجماعات المحليّة لسلطة الإشراف ولرقابة الوالي القبلية والبعدية. ولكن الأطراف المؤثّرة في المسار الانتخابي، من ضمنها هيئة الانتخابات ومجلس نوّاب الشعب ووزارة الشؤون المحليّة، تعزمُ تنظيم الانتخابات دون التعجيل بمراجعة الإطار القانوني القديم والمُتعارض مع الدستور. في هذا السياق، عبّر رياض المؤخّر في تصريح صحفي يوم أمس، أنّه:
لا حرج في إجراء الانتخابات البلدية والإبقاء على قانون 75.
تندرج هذه الخطوة ضمن مسار مُعقّد وطويل شهدته مجلّة الجماعات المحليّة التي لم تجد طريقها نحو المُصادقة رغم أهميتها في تثبيت الحكم المحلّي والحدّ من هيمنة المركز على حساب الأطراف.
المسار الزمني لمجلّة الجماعات المحليّة
-
2015
-
أكتوبر 2015
الإدارة العامّة للجماعات المحليّة تٌقدّم نسخة أوّلية لمشروع مجلّة الجماعات المحليّة -
من 10 إلى 24 نوفمبر 2015
الإدارة العامّة للجماعات المحليّة تُنظّم 5 استشارات إقليمية بمشاركة إداريين وبلديات وخبراء وجمعيّات ومواطنين لعرض مشروع المجلّة في نسختها الأولى على العموم2016جوان 2016
خبراء ومنظّمات من المجتمع المدني يقدّمون توصيات على مشروع القانون، نسخة جديدة لمشروع مجلّة الجماعات المحليّة بعد الاستشارة الوطنية2017فيفري 2017
تعديلات أخيرة ووزارة الشؤون المحليّة تُقدّم نسخة جديدة تتضمّن 386 فصلا في 7 أبواب وتتعهّد بإيداعها لدى مجلس نوّاب الشعب خلال شهر مارسمارس 2017
مشروع مجلّة الجماعات المحليّة يُعرض على المجلس الوزاري قبل تمريره لمجلس نوّاب الشعب3 أفريل 2017
الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات تُحدّد موعدا نهائيا للانتخابات البلدية في 17 ديسمبر 2017 وانطلاق السباق الانتخابي بمعزل عن مسار اللامركزية اثر تعطيله على المستوى الحكومي13 أفريل 2017
المجتمع المدني يطالب بتفعيل مسار اللامركزية وإحالة مشروع المجلّة على أنظار مجلس نوّاب الشعب مع اقتراح خطّة عمل لمناقشته صلب اللجان التشريعية28 أفريل 2017
المجلس الوزاري يصادق على مشروع مجلّة الجماعات المحليّة، ووزارة الشؤون المحليّة تعرض المشروع على مجلس نوّاب الشعب مع طلب استعجال النظر8 ماي 2017
مكتب المجلس يحيل مشروع قانون أساسي عدد 48/2017 على أنظار لجنة تنظيم الإدارة وشؤون القوّات الحاملة للسلاح11 ماي 2017
اللجنة المعنية تضبط رزنامة عمل على مشروع القانون وتحدّد جلسات استماع لمختلف المتدخّلين في المسار13 و14 جوان 2017
لجنة تنظيم الإدارة تستمع لجهة المبادرة مُمثّلة في وزير الشؤون المحليّة والبيئة ورئيس هيئة الاستشراف واللامركزيةمن 15 إلى 21 جوان 2017
الاستماع إلى منظّمات المجتمع المدني، 4 جلسات استماع، 13 جمعية تقدّم ملاحظاتها على مشروع القانون29 جويلية 2017
الإعلان عن انتهاء الدورة العادية لمجلس نوّاب الشعب. العطلة البرلمانية توقف أعمال اللجان وتؤجّل مناقشة فصول المجلّة
معنى كل هذا المسار الزمني ، أننا منذ 2012 نعيش على وتر الجماعات المحلية و الانتقال إلى اللامركزية .. ثم حسب علمي ، حدثت تجارب
(expérimentations)
مع بعض البلاديات ، منها بنزرت .. أين التقييم ؟
le bilan ؟
و أعتقد (إذا نحسن الظن) ، أن هذه التجارب أثرت كل هذه الانتاجات ، التي تطرحها الحكومة ، كما المجتمع المدني .. إذا كل هذا لم يدفع الأحزاب (كثير من الأحزاب قالت أنها غير مستعدة ) لتكون مستعدة للإنتخابات البلدية ، ماذا يجب فعله إذا ؟
تونس بعد إنتخابات 2014 ، تعيش مرحلة ردة أو تعطيل للمسارات العالقة ، و تقاعس حكومي في محاربة الفساد و في تعطيل الإصلاحات ؛ مع إستمرار في خط المديونية و خط إضعاف الدولة .. الحالة الاقتصادية الحالية ، وضع المالية العمومية اليوم ، كل هذا يدفع ، لنفهم أن هناك إنقلاب ناعم ، غير خفي للكثير ، لكنه يمر بهدوء و عبر تداول أدوار ، و المعارضة ليست بريئة من ذلك …
بعد الفشل الاقتصادي ، الاجتماعي ، هل سنعيش ردة سياسية ؟ من واجب الأحزاب أن تدفع لتكون مجلة المحليات جاهزة و مصادق عليها و موقعة ، داخلة حيز التنفيذ ، على أقصى حد آواخر أكتوبر .. حتى تتمكن الأحزاب و القائمات من بلورة مشاريعها حسب الصلاحيات الجديدة (رغم كل ما يمكن أن نؤاخذه عليها ).
الأحزاب التي تدعوا لتكون الإنتخابات في مارس 2018 أو بعد ، هي احزاب ستبقى دائما غير مستعدة حتى بعد 2020 … إذا من الأسلم أن لا نعطل المسار الدستوري .. في خلاف ذلك ستذهب البلاد لحكم سلطوي لا يرضاه أحد سوى الانقلابيين .
لسنا في حاجة للعودة لمربع الصفر يوم 14 جانفي و ليلة 15 من نفس الشهر ، 2011 ..
هناك عهد تاريخي ، أخلاقي ، سياسي ، أخذته الأحزاب الحاكمة و التي في المعارضة ، أن لا عودة للوراء . إذا يجب الوفاء بالعهد .
يوم 17 ديسمبر 2017 ، هو يوم إنتخابات بلدية ، مع وجود للمجلة ، يا سادة النواب .
بن علي هرب .