لم يظفر محمد التليلي المنصري برئاسة الهيئة بسهولة، فمداولات انتخاب رئيس الهيئة كانت طويلة ومُتواترة وشاقّة صلب مجلس نوّاب الشعب، أسفرت في كلّ جولة تصويت عن نتيجة مغايرة، حتى بدى تحصيل 109 صوت لصالح مترشّح وحيد مهمّة عسيرة. ولم يكن اسم محمد التليلي المنصري الاسم الأوّل الذي يصعد لجولة التصويت الثانية، فقد تحصّل نبيل بفّون على 73 صوت في 26 سبتمبر 2017 وأنيس الجربوعي قبل ذلك على 78 صوت خلال الجلسة العامّة يوم 25 سبتمبر 2017. وقد انتهت اجتماعات التوافقات الأخيرة بين رؤساء الكتل، وبعد أكثر من أربع جلسات عامّة مخصّصة للتصويت، إلى التوافق حول التليلي المنصري، باعتبار أنّ المرشحين الأكثر بروزاً لم ينجحا في الظفر بأغلبية الأصوات، ليُنهي المنصري بفوزه مرحلة من التجاذبات السياسية حول رئاسة الهيئة، جعلت من البرلمان حلبة صراع طوال الأشهر الأخيرة.
من سيدي بوزيد إلى رئاسة الهيئة، رئيس بلا دخّان ولا نار
لم يبرُز محمد التليلي المنصري طوال فترة الانقسامات والتجاذبات داخل الهيئة. فهو الوافد الجديد على مجلسها، وجزء من الأزمة التي أخلّت بموازين القوى داخل الهيئة، لكنّه لازم –حسب مصادر من داخل الهيئة- صفّ شفيق صرصار ونائبه والقاضية العدلية حتّى تقديم استقالتهم. أمّا قبل تقلد عضوية الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات، فقد شارك أصيل سيدي بوزيد، وخرّيج كليّة الحقوق بسوسة والمحامي منذ 1999، في المسار الانتخابي الانتقالي في كلّ من موعده الأوّل كعضو للهيئة الفرعیة للانتخابات بسیدي بوزید مُكلّفا بالشؤون القانونیة خلال انتخابات المجلس الوطني التأسیسي في 2011، ثمّ في الموعد الثاني كعضو بنفس الهيئة الفرعية ومنسّق جهوي لمراقبة أنشطة الحملة الانتخابیة خلال المرحلتين التشريعية والرئاسية لسنة 2014. يصفُه عبد الرحمان الهذيلي، كاتب عامّ الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات والمكلّف بالهيئات الفرعية في 2011، قائلا إنّ “محمد التليلي المنصري لم يكن شخصيّة بارزة”، وواصل مُحدّثنا الذي استحضر المعني بالأمر بصعوبة “التزمنا في 2011 وعلى مستوى الهيئات الفرعية بتعيين شخصيات وطنية ومحليّة تحظى بالإجماع عن كلّ صنف، وكان شرط النزاهة المحدّد الرئيسي لتجنّب كلّ التجاذبات حينذاك، لا سيما في جهات مثل سيدي بوزيد والقصرين”.
دون ضوضاء، تدرّج التليلي المنصري صلب الهيكل الانتخابي ليرث شفيق صرصار في مواجهة تجاذبات متراكمة لم تنتهي برحيل الرئيس السابق. فالرهانات الداخلية لا تبدو أقلّ خطورة، وقد لاحت تهديدات بالاستقالات منذ الأيام الأولى من إعلانه رئيسا جديدا للهيئة من ضمنهم أنور بلحسن عضو بمجلس الهيئة.
هذا وقد سبق أن أبدى التليلي المنصري موقفا واضحا من مسألة التجديد الآلي لثلث الأعضاء قبيل انتخابه، غير أنّه سرعان ما تراجع، يوم الإثنين خلال جلسة استماع صلب مجلس نوّاب الشعب حول ميزانية الهيئة لسنة 2018 عن موقفه السابق المتعلّق بالالتزام بالرأي الاستشاري للمحكمة الإدارية والذي يقرّ بأن يشمل التجديد الأعضاء القدم والأعضاء الجدد. هذا التراجع يعكس تأثير الموقع الجديد للتليلي المنصري على مواقفه، إذ أصبح ينزع نحو تجاهل الرأي الاستشاري للمحكمة الإدارية في إطار خضوعه لموازنات التركيبة الحالية للهيئة.
رجل قانون ثان في مواجهة تحديات عسيرة
في حديثه لنواة لم يُنكر أنور بلحسن، رئيس الهيئة السابق بالنيابة، الرهانات التي يتعرّض لها زميلُه المُنتخب، بل على العكس شدّد أنّ “استئناف المسار أصعب من بداية مسار جديد” باعتبار أنّ عديد الأمور “عالقة” –على حدّ قوله- مشيرا بذلك إلى التسيير الإداري للهيئة وتجاوز التداعيات التي لحقت بها هيكليا وتنظيميا على غرار 663 إطار تمّ تعليق عقودهم، و83 إلحاقات بالهيئات الفرعية قُدّمت لهم وعود بالانتدابات لم تفعّل بعد، بالإضافة إلى كافّة الصفقات العمومية التي تمّ تعليقها. وواصل أنور بلحسن “الأولوية هي تحيين عجلة الانتخابات ثمّ استرجاع مصداقية الهيئة، وهذه مهمّة صعبة” في إشارة إلى رئيس الهيئة، مُواصلا “من سيتقلّد هذه المهمّة يشترط حدّ معقول من الخبرة الانتخابية”.
ليست الخبرة الانتخابية هي فقط ما يعوز رئيس هيئة الانتخابات، ولا الوزن السياسي –كما أشرنا سابقا- لمواجهة التجاذبات العديدة التي تطال الهيئة من الداخل ومن الخارج، بل المضي نحو الانتخابات البلدية ثمّ الجهوية هي ما قد يبدو للرأي العامّ شرطا أساسيا لنجاحه من عدمه. هذا ما أشار له معزّ بوراوي، الرئيس السابق لجمعية عتيد والناشط في مجال الحكم المحلّي والانتخابات البلدية، بقوله “بغضّ النظر عن شخصه، رئيس الهيئة مُطالب بالتمسّك بالانتخابات والنأي بالهيئة عن كلّ الحسابات السياسية التي تحاول ضرب هذا المسار وهذا ما ننتظره من التليلي المنصري”. وأضاف “لرئيس الهيئة صلاحيات محدودة، وأغلب القرارات يتمّ اتخاذها حسب أغلبية أعضاء مجلس الهيئة”.
رجل القانون يُواجه تحدّيات تدخل في مجال اختصاصه، منها -كما ذكرنا سابقا- الالتزام بالرأي الاستشاري للمحكمة الإدارية في مسألة التجديد الآلي، ثمّ تسيير الهيئة وضمان حيادها. أما التحدي الثاني فهو الوصول للانتخابات البلدية والجهوية، خصوصا وأنّ الحكومة لم تنقل الميزانية المخصّصة للانتخابات البلدية ضمن ميزانية 2018 ولم ترصد أي تقديرات إضافية لتنظيم الانتخابات الجهوية ضمن نفس الميزانية، وهو ما يجعل مهمّة الرئيس الجديد أكثر تعقيدا في صورة استمرار التلاعب بالأجندا الانتخابية.
iThere are no comments
Add yours