صادقت الجلسة العامّة يوم الاثنين 27 نوفمبر 2017 على كلّ من ميزانية وزارة شؤون الشباب والرياضة ووزارة تكنولوجيات الاتصال والاقتصاد الرقمي ووزارة الاستثمار والتنمية والتعاون الدولي، وقد سبق أن صادقت يوم السبت 25 نوفمبر 2017 على ميزانية وزارة التكوين المهني والتشغيل، وقدّرت ميزانيات هذه الوزارات مجتمعة بأكثر من ملياري دينار، تضمّ أكثر من 15 برنامج وفق منظومة التصرّف في الميزانية حسب الأهداف التي تخضع لها برمجة السياسات العامّة ضمن الميزانية. إلقاء نظرة سريعة على حصيلة البرامج الوزارية في السنة السابقة والبرامج الجديدة المُدرجة ضمن مشروع الميزانية ثمّ تناوُل النقاش العامّ والمداولات صلب مجلس نوّاب الشعب، يكشفان غياب احتياجات الشباب داخل قانون المالية وضمن السياسات العامّة.

وزارة شؤون الشباب، ميزانية ضعيفة وبرامج مُسقطة

صادق مجلس نوّاب الشعب، يوم الاثنين 27 نوفمبر 2017، على مشروع ميزانية وزارة شؤون الشباب والرياضة لسنة 2018. وقد قُدّرت ميزانية الوزارة لهذا العام بـ663.839 مليون دينار، 19 بالمائة منها فقط للشباب، أي ما يعادل 127.817 مليون دينار. وتعتبر الميزانية ضعيفة، وهو ما أقرّت به الوزيرة نفسها ماجدولين الشارني، خلال الجلسة العامّة للمصادقة على الميزانية قائلة “الاعتمادات المُخصّصة للوزارة غير كافية مقارنة بالمهام المطروحة عليها”. كما تطرقّت الوزيرة خلال نفس الجلسة إلى برامج وزارة الشباب، مُخصّصة بالذكر برنامج “تونس دارنا” للسياحة الشبابية باعتباره “برنامج يقوم على الترفيه والتمكين الاقتصادي للشباب”، على حدّ تعبيرها.

هذا وتُقدّم برامج الوزارة دليلا قاطعا على أنّ التقسيم القطاعي للبرامج المتعلّقة بالشباب هو أوّل المؤاخذات وأكبرها. فإدراج الشباب في أعلى السلّم الوظيفي المركزي ضمن وزارة تعنى بـ”شؤون الشباب”، بالإضافة إلى إلحاقها بـ”الرياضة” هو تقسيم خاطئ منذ البداية. كما يُترجم هذا التقسيم طبيعة العلاقة التي تقيمها الدولة مع الشباب من خلال سياساتها العامّة، كفئة معزولة معنيّة أساسا بالرياضة والتنشيط والترفيه، حيث تُصرف موارد الوزارة المخصّصة للشباب إلى جانب نفقات التصرّف في أربع برامج هي: التنشيط التربوي، الترفيه والسياحة الشبابية، والعمل التطوّعي، والبنية التحتية الخاصّة بدور الشباب والرياضة.

هذا ولم تنسى الوزيرة الإشارة إلى المؤتمر الوطني للشباب، مُصرّحة أنّ “الاستراتيجيات التي صاغتها الوزارة للشباب قامت على مُخرجات المؤتمر”. بنفس هذا المنوال، تُواصل الوزارة وبالتوازي مع مناقشة مشروع الميزانية والمصادقة عليه داخل المجلس، عقد اجتماعاتها المضيّقة مع عدد محدود جدّا من الفاعلين المعنيّين، حيث عقدت يوم السبت 25 نوفمبر 2017 وبحضور مستشار الوزارة للشباب شكري التارزي “مائدة مستديرة حول إحداث الهيئة الوطنية للشباب”. هذا الاجتماع، كغيره من الاجتماعات المتكرّرة لا يعدو أن يندرج في إطار البروباغاندا الوزارية للإعلان عن مؤتمر آخر من المؤتمرات واستراتيجيا أخرى من الاستراتيجيات التي ستمرّ دون إحداث أثر يُذكر. في ردّهم على استنكار منظّمات المجتمع المدني الحاضرة خلال اللقاء برّر مستشار الوزارة للشباب موقفه بالقول “علينا أن نفكّر بعقل الدولة”.

برامج وزارية متفرّقة غير قادرة على الإدماج

لم تغفل وزيرة الشباب والرياضة، وبعد تدخّلات النوّاب المُندّدة بضعف قدرة الوزارة على التغطية والإدماج، عن التأكيد على وجود ثغرات مرتبطة أساسا بالبنية التحتية، التي لا تستجيب لتطلّعات الشباب. هذا ويمثّل التفاوت الجهوي في تنزيل السياسات العامّة الخاصّة بالشباب بعدا آخر -لا يقلّ أهمية- أنتج على امتداد السنوات فروقات متراكمة كما ساهم في تعميق عزلة العديد من الفئات. في نفس السياق، مثّل هاجس التنمية العادلة للشباب أحد المؤاخذات التي طُرحت على وزارة التعاون الدولي والتنمية والاستثمار، والتي تصل ميزانيتها إلى حدود 569 مليون دينار. حيث لم تسلم الوزارة من انتقادات عبّر عنها النوّاب خلال المداولات في المجلس، مُشيرين إلى ضعف دور الوزارة في دفع الاستثمار والتنمية الجهوية وتقصيرها البيّن فيما يخصّ الشباب. وهو ما عبّر عنه هيكل بلقاسم عن كتلة الجبهة الشعبية، بقوله “عن أي استثمار تتحدثون والدولة تقلّص من التزاماتها تجاه المستثمرين الشبان؟” أمّا محمد أنور العذار عن كتلة آفاق تونس، فقد أشار خلال نفس الجلسة إلى هجرة الكفاءات وغياب أي سياسة من قبل الدولة للحد من هذه الظاهرة قائلا “نحن شبابنا يرحل إلى الخارج لإيجاد مستقبل أفضل”.

هذا وقد طُرِحت مسألة إدماج الشباب في عمليات الاستثمار والتنمية أيضا ضمن مداولات الميزانية الخاصّة بوزارة تكنولوجيات الاتصال والاقتصاد الرقمي، حيث أشار أنور معروف مُجيبا عن تساؤلات بعض النوّاب حول قدرة برامج الوزارة على إدماج الشباب وفق مشروع ميزانية الوزارة لسنة 2018، إلى دعم الشركات الناشئة من خلال برنامج Smart tunisia محدّدا أنّ “البرنامج ساهم في خلق 6000 موطن شغل في 2017 في انتظار 5000 موطن شغل آخر خلال سنة 2018”. لكنّه لم ينكر ضعف دور الوزارة في تعميم الخدمات الرقمية وتفعيل النفاذ على مستوى هياكل الدولة والمواطنين مشيرا في إجابته إلى عدم توفّر صلاحيات أفقية ومندمجة للوزارة مع القطاعات والهياكل الأخرى، وضعف التنسيق الشديد بين الوزارات ممّا لا يضمن تحقيق الأهداف المرصودة على مستوى الخدمات التكنولوجية ورقمنة الاقتصاد.

هاجس التشغيل الذي تقابله أكبر قضايا الشباب وأكثرها إلحاحا مثّل محور مداولات ميزانية وزارة التكوين المهني والتشغيل، حيث تعرّض الوزير خلال الجلسة العامّة يوم السبت 25 نوفمبر 2017 إلى تقييم البرامج التشغيلية ضمن ميزانية الوزارة السابقة ببعض الأرقام الخاصّة بكلّ من برامج “عقد الكرامة” و”فرصتي” وبرنامج الخدمة المدنية التطوعية وبرنامج التربصات لإعداد الحياة، بالإضافة إلى برنامج جديد ضمن ميزانية 2018 لتشجيع المبادرة الخاصّة بكلفة 250 مليون دينار. غير أنّ البرامج التشغيلية للوزارة لم تكن، رغم تعدّدها، بالنجاعة المرجوّة، في ظلّ وجود 620 ألف عاطل عن العمل، من بينهم حوالي 190 ألف فقط مسجّلين بمكاتب التشغيل، في حين قُدّرت ميزانية سنة 2018 بـ 672.303 مليون دينار مقابل 702.536 مليون دينار سنة 2017. وقد طغت على ميزانية وزارة التكوين المهني والتشغيل تقديرات نفقات التصرّف التي بلغت 322.302 مليون دينار بنسبة تطوّر تقدر بـ 7.2 %، أما نفقات التنمية فقد بلغت 25.000 مليون دينار مُتراجعة بذلك بنسبة 28.6 %. ورغم أهمية ميزانية 2017 مقارنة بالميزانية المصادق عليها لسنة 2018، فإنّ برامج الوزارة السابقة لم تحقق أي نتائج إيجابية ملموسة، بل على العكس، حصيلة مُتردية لم تحرّك نسبة البطالة التي بقيت مرتفعة في حدود 15،3 بالمائة. الوزير نفسه، فوزي عبد الرحمان، لم ينكر هذه الحصيلة، مُستشهدا بفشل برنامج “فرصتي” الذي رُصدت له اعتمادات بـ80 مليون دينار ولم يساهم سوى في إبرام 76 عقد بعث مشروع وتوقيع 58 عقد شغل منذ سنة 2015، “وهي نتائج هزيلة جدّا وتسجّل في خانة هدر المال العامّ”، على حدّ تعبير الوزير الذي أضاف، “ولهذا، تقرّر إيقاف العمل به نهائيا”. في نفس السياق، تحدّث الوزير عن انتشار العمل الهشّ وغير المهيكل وضعف قدرة منظومة التكوين على استقطاب الشباب رغم أنها تفوق 50 % في قدرتها على التشغيل.

تواصل التضييقات ضمن مشروع قانون المالية الجديد

هذا وتتمّ مناقشة فصول مشروع قانون المالية ضمن اللجان المختصّة وتعديلها قبل إحالتها إلى الجلسة العامّة النهائية، حيث توصّلت لجنة المالية والتخطيط والتنمية وإلى حدود الاثنين 27 نوفمبر 2017، إلى الموافقة على 25 فصل وإلغاء 7 فصول من إجمالي 67 فصل منهم الفصلين 26 و27 المتعلقين بإرساء نظام جبائي لفائدة المؤسسات الصغرى. ورافق مناقشة هذه الفصول تنديد واسع بغياب آليات ضمن التصوّر العامّ للميزانية لتشجيع الشباب على الاستثمار وبعث المشاريع، بل -على العكس- أحالت مختلف ملاحظات النوّاب والمتدخّلين في جلسات الاستماع على ميل مشروع الميزانية نحو التضييق على الباعثين الشبّان وفرض إجراءات ومعاليم مجحفة في حقّ الباعثين الشبّان والمشاريع الجديدة وهو ما ينضاف إلى المناخ المتردّي الذي يعاني منه الشباب في تونس.

كما شهدت نفس اللجنة نقاش حادّ ومطوّل يوم الاثنين 27 نوفمبر 2017 حول الفصل 51 من مشروع قانون المالية والمتعلّق بمراجعة تعريفة معاليم التسجيل القارة ومعاليم الطابع الجبائي الموظفة على خدمات الهاتف وبعض الكتابات والوثائق. حيث اعتبر رئيس اللجنة منجي الرحوي، أنّ “التوجّه العامّ هو توفير الانترنات لكل مواطن لا التقليص في الرّبط” مضيفا أنّ “هذا الإجراء سيمسّ المبادرة والمؤسسات الصغرى والباعثين الشبّان”. أمّا ريم محجوب رئيسة كتلة آفاق تونس، فقد اعتبرت أنّ “هذا الإجراء لا يتماشى مع توجّه الدولة نحو الرقمنة وتسهيل الرّبط بالانترنات لجميع الجهات والفئات”، الهادي بن براهم عن كتلة حركة النهضة أشار بدوره إلى الزيادة التي “تصل إلى 5000% في الفصل 8 مكرّر في ما يخصّ الفواتير التي رُفّع معلوم طابعها الجبائي من 500 مليم إلى 25 دينار”. ومن جهته، اكتفى الوزير بالتبرير قائلا أنّه “إجراء لا يحمل فلسفة كبرى، وهدفه هو تعبئة الموارد”.

لا تنفكّ الدولة تنخرط عبر مختلف هياكلها في برامج واستراتيجيات محافظة على نفس المنوال ونفس خطّ الإنفاق، وذلك دون أي ضامن لنجاعة هذه البرامج والاستراتيجيات أو لقدرة الدولة على تفعيلها من الأساس. ففي ظلّ موازنات مالية عاجزة بالضرورة، تبقى البرامج الحكومية المتفرّقة مُسقطة، ترقيعية وضعيفة، لا تتلاءم من جهة مع قضايا الشباب كالحقّ في الشغل وبعث المشاريع ووسائل الاتصال ومنظومة المعلومات الرقمية، كما لا تشهد من جهة أخرى، أي تطوّر من سنة إلى أخرى، مع تواصل غياب سياسات نوعية تُخطّط على المدى المتوسط والبعيد، بل على العكس تَتَابع البرامج الحكومية وفق نفس حجم الموارد المُتاح الذي لا يواكب تنامي الاحتياجات.