لا يمكن مشاهدة عرض “أنا برشا” دون التفكير في تجربة “كلام شارع” التي بدأت بعد الثورة مع مجد مستورة وأمين غربي لتتوسّع وتشمل عشرات الكاتبات والكتّاب الذين هدّموا ميراث الغمّ والوجيعة الذي خلّفه النظام السابق، ليكتبوا دون خوف وقيود. “كلام شارع” الذي كان يتجوّل في الساحات والحدائق العموميّة دخل إلى الفضاءات المغلقة ليصبح “أنا برشا_كلام فوق الركح”، ولا يمكن اعتبار ذلك ارتدادا أو نكوصا أو حتى نضجا في التجربة. بدأ مجد مستورة يفكّر في استنساخ “كلام شارع” وتحويل التجربة إلى عرض حيّ مع مجموعة من رفاقه بعد أن اتّصلت به مديرة أيّام قرطاج الشعريّة جميلة الماجري لتطلب منه أن يؤمّن عرض اختتام هذه التظاهرة التي أثارت جدلا واسعا بسبب ارتباط مديرتها بالنظام السابق واعتبارها أحد أذرعه. وافق مجد على الطلب بعد أن وعدته المديرة بتأمين كل حاجيات العرض دون أن تفي بذلك. وفّر مهرجان المحرس لفن الشارع إقامة لمجد وفريقه مدّة أسبوع تمكنّوا خلاله من تحضير جزء مهمّ من العرض على أمل أن يُكملوا البروفة في مدينة الثقافة التي يقول وزيرها أنها مفتوحة لكلّ الشباب. لم يتمكن فريق “أنا برشا” من استكمال تحضيرات العرض في مدينة الثقافة ففتح لهم الفاضل الجعايبي بمعيّة ابنته آسية الجعايبي المسؤولة عن إضاءة العرض باب المسرح الوطني. وإلى اليوم لم تدفع جميلة الماجري لفريق “أنا برشا” مستحقاتهم المادية ولم توفّر لهم الحدّ الأدنى من المتطلّبات حسب ما حدثتنا به سهى بختة، ليتأكد بذلك أن مشروع مدينة الثقافة هو مشروع سلطوي يحصر الثقافة في جنودها القدامى ولا يعترف بهذا الجيل الغاضب.
ليو فيري ينبعث من جديد
تكمن قوّة عرض “أنا برشا” إلى جانب الإضاءة (آسية الجعايبي) والصوت (أسامة قايدي ) في النصوص المنفلتة من القيود والتي لا تعترف بالإسقاطات الوهمية للكتابة الكلاسيكية. بدت نصوص مجد مستورة وسهى بختة وحمدي مجدوب وليليا بن رمضان، رغم تأثّر بعضها بنصّ مسرحية “غسّالة النوادر”، صاخبة، موغلة في الواقعيّة، مُسبّحة باسم الفوضى، كافرة بالمحرّمات ولا تسير فوق الصراط المستقيم. قد لا يعرف الكثيرون من هم هؤلاء الذين يلقون نصوصهم، بشغف شديد، فوق ركح قاعة الفنّ الرابع، ولكن كتابتهم تخبرنا عنهم الكثير. ليليا بن رمضان تخطو فوق الركح بكامل ثقتها وأنوثتها وتقول: “سامحني أمّي باش نهجّ، سامحني بابا في ها الكلمتين، باش نحي اسمك من اسمي ونبدّل لقبي ومنين جيت. سامحني بدني ضيعتك ونسيتك. سامحني شعري غطيتك وعريتك وحففت فيك. سامحني روحي لبستك ها البدن خليتو دار وضاقت عليك. سامحني روحي لوّحتك في البحر حبيت نعيش ونبدل لون السماء والشجر”. كان حضور ليليا ساحرا وبدت نصوصها واضحة خالية من كل تعقيد، ولكن المتمعّن فيها يفهم أنّ فكّ شيفرتها يتطلّب التحرّر من كل الأحكام المسبقة والتصوّرات النكوصيّة.
حمدي مجدوب، شاب يكتب باستمرار ولا يريد أن يُخضع كتاباته إلى أي تصنيف، ربّما يفضلّ “الشعر المحكيّ” على “السلام”، لا يهمّ، ولكنّنا نرى في جسده النحيف وعينيه الضاحكتين ليو فيري عملاقا حزينا يُفرغ ما في جعبته ويقول: “ما تخمّمش…شطر المِيّة.. دينار مسروق في السوق.. عينيك عندها ما تذوق، أما لسانك جوّعو خلّيه يصوم ولحمك سَنّسو في عرقو يعوم، وتبرّد في حرارة الروح كي تشوف القاتل يروح وتسمع النواح ليل وصباح من كلّ قلب محروق”. تَعرّف جمهور السينما على مجد مستورة في فيلم “نحبّك هادي” والذي حاز بفضله على جائزة الدب الفضي لأفضل ممثل في مهرجان برلين السينمائي، ولكن مجد كاتب بالأساس بدأ تجربته مع “كلام شارع” واليوم نراه فوق الركح في “أنا برشا”.
نصوص تكسر نمطية الشعر النخبوي
نصوص مجد مستورة صادمة، حماسيّة، صبيانيّة، متهوّرة، رصينة، حالمة وثائرة على السائد والمألوف. مجد مستورة في حالة سكر أبديّة، يذكّرنا بجاك برال عندما يلقي نصوصه. الكتابة عنده تبوّل إراديّ على النظام والأصنام المقدّسة. يقتبس مجد من القرآن ويقول “إنّا للشارع وإنّا إليه راجعون ومن وجد نظاما عميلا فليسقطه بلسانه وإن لم يستطع فبحجارة وإن لم يستطع فعليه بالمولوتوف وذلك أضعف العصيان، ذلك أضعف العصيان”. أمّا سهى بختة فلن نجد أحسن ممّا كتبه حبيبها فهمي بلطي، وهو شاعر صعلوك، عنها :”أنا لا أفهم ما تكتبه سهى بختة، أقصد، أنا لا أفهمه منذ الوهلة الأولى، فأنا كسول ولا أحبّذ إعادة قراءة النّصوص، على الأقلّ إعادة قراءتها على الفور. لكن حين أعيد قراءتها بعد مدّة، أصاب بنوع من الذّهول. سهى تكتب بأصابع نحيفة جدّا، وحين تضع يديها على لوحة مفاتيح الحاسوب فإنّه عليك أن تقول: “يا نهار اسْوِد”، إنّها تبدأ في الاسترسال المكثّف دون توقّف منذ الكلمة الأولى وكأنّها تكتب دون فواصل (…) أظنّ أنّ سهى تنسى نفسها وهي تكتب وتهب نفسها دون تكلّف للمعاني التّي تضطرم داخل رأسها. البعض من أقاصيص سهى بختة تشبه مقطوعات من أفلام دافيد لينش، ليس في أحداثها فحسب بل في العوالم الداخليّة للشخصيّة، في نزواتها أو نزقها أو الأحاسيس الفجئيّة التّي تبوح بها، لكنّ المدهش دائما يكون هو الاسترسال (…)”.
كسرت نصوص سهى وحمدي وليليا ومجد النمطيّة في الشعر النخبويّ في عرض يدور في فلك التساؤلات حول الأنا والآخر في سياق الثورة. أسئلة ملحة حول تصوّرات الفرد لذاته العائمة وللآخر البعيد القريب. هذه الأسئلة التي تحكم وعينا ورؤيتنا للعالم لم يجب عنها فريق “أنا برشا” لأنّ الأنا مجرّد دورة في حقل عالمنا الكبير ولأنّ الأنا صيرورة زمنية تتجاوز نفسها باستمرار وتعود إليها في كل مرّة تحتكّ فيها بالآخر. الأنا في “أنا برشا” تتفكّك وتنفجر وتتحوّل إلى شظايا، الأنا هي “الماء كي يتحرق والحوت في وسط البحر كي يتخنق”، الأنا هي “نسمة الصيف كي توشوش، ورقة الخريف كي تخشخش، تزعبين طفلة صبيّة، سيقارو الصباح وفوق السطح قهوة العشية” كما يقول مجد مستورة.
صدر مقال بعنوان “عرض “أنا برشا” عندما تكفَرُ الكتابة بالمحرّمات” للصّحفية ريم بن رجب بتاريخ 18 أفريل 2018، و يهمّنا، المشاركون في عرض “أنا برشا” الممضون أسفله، أن نوضّح بعض النّقاط المتعلّقة بحيثيات إنتاج هذا العرض:
سهى بختة ككاتبة نصوص و مؤدّية في عرض “أنا برشا” غير ملمّة بكلّ التّفاصيل المتعلّقة بالإنتاج بما في ذلك المؤسّسات الّتي تمّ التّعامل معها (إدارة أيّام قرطاج الشّعرية، مدينة الثّقافة، دار الثّقافة بالمحرس، جمعية البديل للثّقافة و الفنون، المسرح الوطني و المؤسّسة الوطنية لتنمية المهرجانات و التّظاهرات الثّقافية و الفنّية)، و عليه فهي غير مخوّلة للخوض في هذه التّفاصيل.
مجد مستورة هو الّذي كُلِّفَ بالتّنسيق مع الهياكل المذكورة أعلاه و هو الملمّ بكلّ هذه التّفاصيل.
كلّ المؤسّسات و الإدارات المذكورة أعلاه قد أوفت بإلتزاماتها المادّية و اللّوجستية تجاهنا.
ننوّه على أنّه من الضّروري التّثبت من المهامّ الّتي تضطلع بها كلّ إدارة، ذلك أنّ المقال وقع في الخلط بين إدارة المهرجانات أوّلا، مدينة الثّقافة ثانيا، و إدارة أيّام قرطاج الشّعرية ثالثا.
ورد بالمقال أنّ “…ففتح لهم الفاضل الجعايبي بمعيّة ابنته آسية الجعايبي المسؤولة عن إضاءة العرض باب المسرح الوطني.” و للتّوضيح فإنّه نظرًا لعدم جهوزيّة قاعات التّمارين بمدينة الثّقافة، قمنا بالبحث عن بديل بالعديد من المؤسّسات الأخرى من بينها المسرح الوطني الّذي استقبلنا و وفّر لنا الظّروف الملائمة للعمل بصفته مؤسّسة عمومية تعتمد القيمة الفنّية في التّعامل مع الأعمال المقترحة.
الممضون
- مجد مستورة
- ليليا بن رمضان
- حمدي مجدوب
- آسية الجعايبي
- أسامة قايدي
Réveiller les sens de l’ ‘’insensé’’ ! Oui peut-être ! Tout ce qui n’est pas admis par l’ordre social établi, ou/et l’héréditaire majoritairement commun et fortement partagé, en langage, en pratique sociale, chants, … rentre dans la banque des jugements de valeur, interdit, dégueu, bassesse morale, … peut être ou est considérés comme de l’insensé, et même comme INHIRAF. à mon sens, les écrits courageux qui les mettent en scène et sur la scène, aux théâtres et cinémas,… méritent d’être valorisés.. Car toute société un certain moment (pour moi à tout moment), a besoin de se questionner au sujet de ses propres codes dis ‘’solides’’ ou irréversibles … Ces raretés ‘’mécréantes’’ ‘’infidèles’’,… viennent faire aussi ce travail de questionnement, mais compréhension. Découvrir et comprendre sa propre société n’est pas chose simple. Les codes fortement partagés cachent beaucoup des choses. Les sociétés ne se composent pas que du rationnel, est heureusement (dans un sens), (si non l’ennui, les VIOLENCES, et les suicides seront assurés). L’’’irrationnel’’ (si on peut dire ainsi) joue un grand rôle dans la cohésion, dans l’évolution, dans la survie de la société. C’est un rôle peu détectable dans son côté positif, pour l’immense majorité des personnes, mais il existe bel et bien ce rôle.
Un certain moment il faut oser renverser les codes du rationnel, et même écrire le SENS autrement avec un n à l’envers, SEИS.
@ : Toujours si courageuse pour mettre l’OSER, le peu commun, … en situation de visibilité pour plus de personnes.
Bon courage !