أعلنت تونس انضمامها بشكل رسمي إلى السوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا (كوميسا) يوم الأربعاء 18 جويلية 2018، خلال اجتماع قمة رؤساء دول وحكومات البلدان الأعضاء والذي احتضنه العاصمة الزمبية لوزاكا. وتأتي هذه الخطوة الجديدة -المتأخّرة نسبيّا- نحو تعزيز العلاقات التجاريّة والاقتصاديّة مع دول شرق وجنوب إفريقيا، كختام مسار تفاوضي انطلق منذ جانفي 2016 وترجمةً لمساع حثيثة انتهجتها الدبلوماسيّة التونسيّة خلال السنتين الأخيرتين لإيجاد موطئ قدم في هذه التجمّعات الاقتصاديّة، والتّي كان آخرها منح تونس صفة عضو ملاحظ في 04 جوان 2017 صلب المجموعة الاقتصاديّة لدول غرب أفريقيا.
وتمثّل السوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا (COMESA) التّي تحتلّ المرتبة الثانية بعد تجمع دول الساحل والصحراء(CEN-SAD) من حيث عدد الدول الأعضاء وإجماليّ الناتج الخام، انعكاسا لاستراتيجيّة متكاملة انتهجتها معظم الدول الإفريقيّة منذ منتصف سبعينات القرن الماضي، نحو إنشاء تكتلات اقتصادية على مستويات إقليمية فرعية، كمحاولة لتحقيق الوحدة الاقتصادية بين الدول الأعضاء على نطاق إقليمي ضيق توطئةً لتحقيق الوحدة الاقتصادية على المستوى القاري. من بين 8 تكتّلات اقتصاديّة معترف بها من قبل الإتحاد الإفريقي، ظلّت تونس حتّى سنة 2017 حاضرة بشكل رمزيّ في منظّمتين هما اتحاد المغرب العربي وتجمّع دول الساحل والصحراء.
تونس الإفريقيّة على هامش القارّة
مثّل انضمام تونس لمنظمة التجارة الدوليّة سنة 1995 نقطة البداية لسياسة اقتصاديّة جديدة تعطي للمبادلات التجاريّة أهميّة أكبر في دفع جهود التنمية. وكان من أبرز ملامح هذا التوجه الجديد تطوّر حجم الصادرات التونسيّة من 5.8 مليار دولار سنة 1995 إلى 15.3 مليار دولار نهاية سنة 2016. في المقابل ارتفع تدفّق السلع والخدمات إلى السوق التونسيّة بنسق متسارع خلال العقدين المنصرمين من 7.7 مليار دولار إلى 19.5 مليار دولار. وقد تشكّلت خلال تلك الفترة الخريطة التقليديّة للمبادلات التجاريّة التونسيّة لتكون انعكاسا للخيارات السياسيّة وطبيعة التموقع الإقليميّ والدوليّ للحكومات المتعاقبة. إذ تشير إحصائيات المعهد الوطني للإحصاء سنة 2016، إلى تصدّر الاتحاد الأوروبي قائمة الشركاء التجاريّين لتونس، إذ استأثرت دول الإتحاد الأوروبي بنسبة 75 % من مجمل صادرات البلاد، ليكون النصيب الأكبر للسوق الفرنسيّة بنسبة 30%، تليها السوق الإيطاليّة بنسبة 17% وألمانيا بنسبة 12%. هذا الارتباط لم ينحصر على استيراد السلع والمنتجات التونسيّة، فقد استطاع الاتحاد الأوروبي بدوره أن يهيمن على السوق التونسيّة ليبلغ نصيبه من إجماليّ واردات البلاد 66%. ومثلما هو الحال بالنسبة للصادرات، تصدّرت فرنسا قائمة المورّدين لتونس بنسبة 17% لتليها إيطاليا بنسبة 15% ومن ثمّ ألمانيا بنسبة 7.9%، إضافة إلى الصين التّي استحوذت على نصيب مهمّ من السوق المحليّة بنسبة 9.7% من إجمالي الواردات التونسيّة بقيمة جمليّة ناهزت 1.82 مليار دولار سنة 2016. إفريقيّا، ظلّت تونس على هامش الحركة التجاريّة في القارة، إذ لم تتجاوز الصادرات التونسيّة إلى الدول الإفريقيّة سنة 2017 ما قيمته 1.41 مليار دولار وهو ما يمثّل 10.26% من إجمالي صادراتها إلى مختلف شركائها التجاريّين، في حين لم تتجاوز نسبة واردات البلاد عتبة 6.5% بقيمة جمليّة ناهزت 1.3 مليار دولار.
تونس في كوميسا: حضور الرمزي
انتظرت تونس مرور 24 سنة على تأسيس السوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا حتّى تنظمّ إلى هذا التكتّل الاقتصادي الذّي يمثّل ثاني أهمّ تجمّع تجاري قاريّ بعد تجمع دول الساحل والصحراء. إذ يبلغ الناتج المحليّ الإجماليّ للدول التسع عشر المكوّنة لهذه السوق 1.6 ترليون دولار بنسبة نموّ بلغت 5.2% سنة 2017. وقد تأسّست السوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا سنة 1994 لتحقيق حزمة من الأهداف على رأسها خلق فضاء للتبادل التجاريّ الحرّ بين الدول الأعضاء عبر تأسيس منطقة تجارة تفاضلية قائمة على تطبيق إعفاءات جمركية على السلع المُتبادلة على أساس مبدأ المعاملة بالمثل والتي تُصاحبها شهادة منشأ معتمدة من الجهات المعنية بكل دولة. هذه الآليّات مكّنت من خلق ديناميّة تجاريّة كبيرة، حيث بلغت الصادرات البينيّة بين الدول الأعضاء 8.03 مليار دولار سنة 2016 حسب التقرير السنويّ الصادر عن “كوميسا” لسنة 2017.
هذا التجمّع الاقتصاديّ الضخم الذّي يضمّ ثلث الدول الأفريقيّة وسوقا استهلاكيّة بأكثر من 406 ملايين نسمة وبحجم مبادلات تجاريّة سنويّة فاقت 235 مليار دولار سنة 2016، لم يكن طوال الربع قرن المنصرم ضمن حسابات السياسة التجاريّة للحكومات التونسيّة المتعاقبة. إذ تفيد الإحصائيّات الصادرة عن منظّمة التجارة الدوليّة وقاعدة البيانات التابعة للسوق المشتركة لدول شرق وجنوب أفريقيا، أنّ الحضور التونسيّ ظلّ باهتا طوال السنوات الفارطة. حيث لم تتجاوز الصادرات التونسيّة إلى دول الأعضاء في هذا التكتّل الاقتصاديّ 606.94 مليون دولار سنة 2016، وهو ما يمثّل 1.76% من إجمالي الصادرات التونسيّة إلى مختلف دول العالم والبالغة 15.3 مليار دولار. أمّا الواردات، فلا تتجاوز 244.9 مليون دولار أي 0.48 من إجماليّ واردات البلاد من مختلف الشركاء التجاريّين. رقم يعكس حجم الغياب التونسيّ عن الأسواق الإفريقيّة التّي تشهد بالمقابل نهما مطّردا للاستهلاك وتسابقا بين مختلف القوى الدوليّة نحو استغلال ثروات القارة الخصبة.
ازدحام على السواحل الإفريقيّة للمحيط الهنديّ
على الرغم من أهميّة حجم المعاملات التجاريّة بين تونس ودول كوميسا مقارنة بإجماليّ المبادلات على الصعيد القارّي، حيث تمثّل صادرات البلاد إلى دول السوق المشتركة 43.04% من إجمالي الصادرات إلى الدول الإفريقيّة، إلاّ أنّ هذا الرقم لا يعكس حقيقة اختلال توزيع الشركاء التجاريّين صلب “الكوميسا”، حيث تستأثر ليبيا ومصر والسودان بـ91.7% من إجمالي الصادرات التونسيّة إلى السوق المشتركة لدول شرق وجنوب إفريقيا، بينما تقتصر معاملاتنا مع الدول الستّة عشر الباقية على 8.3% من حجم تلك الصادرات بقيمة لا تتجاوز 50 مليون دولار.
في المقابل، ورغم الوعود الكبيرة التّي بشّر بها المسؤولون التونسيّون عقب توقيع اتفاقيّة الانضمام إلى السوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا في 18 جويليّة الفارط، إلاّ أنّ المناخ التنافسيّ على أسواق هذا التكتّل الاقتصاديّ يبدو على أشدّه ويمثّل أحد أهمّ العقبات أمام مستقبل التجارة البينيّة. فبينما انتظرت تونس 24 عاما حتّى تلتحق بهذه السوق، استطاعت قوى اقتصاديّة إقليميّة ودوليّة أن تثبّت تواجدها التجاريّ في شرق القارة وجنوبها. إذ يكشف التقرير السنويّ الصادر عن “كوميسا” سنة 2017 عن قائمة أكبر الشركاء التجاريّين للسوق المشتركة لدول شرق وجنوب إفريقيا والتّي يتصدّرها الإتحاد الأوروبي استيرادا وتصديرا بنسبة 24% من إجماليّ المعاملات التجاريّة للكوميسا مع دول العالم. الشريك الثاني الأقوى على صعيد الصادرات هي الإمارات العربيّة المتحّدة التّي تستأثر بـ15 % من إجماليّ صادرات السوق المشتركة وبـ4% من وارداتها. هذا وتستورد الإمارات العربيّة المتحّدة بالأساس خام الذهب وهو ما رفع قيمة وارداتها إلى 9 مليار دولار سنة 2016. أما باقي أهمّ الشركاء التجاريّين فيتوزّعون بين الصين التّي تستحوذ على 16.6% من واردات الكوميسا و8% من صادراتها وجنوب إفريقيا بمعدّل مبادلات تجاريّة يناهز 6% والولايات المتحّدة الأمريكيّة بنسبة 4% إضافة إلى حضور تركيّ يناهز 3 مليار دولار سنة 2016.
هذه القائمة التّي استعرضها التقرير الصادر عن السوق المشتركة لدول شرق وجنوب إفريقيا، لم تقتصر على تعداد أهمّ شركائها التجاريّين، بل عكست حجم التنافس الدوليّ على اقتحام هذا التكتّل الاقتصاديّ بقوى دوليّة تعمل على تدعيم حضورها التجاريّ أكثر فأكثر على غرار روسيا وسويسرا والمملكة العربيّة السعوديّة والهند. ممّا يعني أنّ الطريق إلى ضفاف المحيط الهنديّ لن تكون مفروشة بالورود أمام السلع التونسيّة.
iThere are no comments
Add yours