أدّى الرابور القصريني أشرف دجنكل أغنية “يحبّو يشيلونا”، بإلحاح شديد من الجمهور رغم أنّ مدير مهرجان العبادلة الدولي عمري الزواوي طلب منه قبل العرض عدم تأدية هذه الأغنية بتعلّة أنّها تحتوي على “ألفاظ بذيئة” و”مسيئة” لوزارة الداخليّة. لكنّه اعتمد تقنية السكراتش التي تسمح له بعدم التلفظ ببعض العبارات التي بإمكانها أن تخلق جدلا وبلبلة في صفوف البوليس. أشرف قام بالصنصرة الذاتيّة، وهو أمر شديد الخطورة والحساسية بالنسبة إلى رابور، لكنّ الجمهور غنّى الأغنية كاملة ولم يتحفّظ على ترديد كلّ العبارات والألفاظ التي يعتبرها البعض “مسيئة” بصوت عال.
انسحب البوليس الذي من واجبه تأمين الحفلة وظلّ مرابطا خارج المسرح تاركا أشرف دون حماية ومن بعدها قامت النقابة الوطنيّة لقوّات الأمن الداخلي برفع قضيّة عدليّة ضدّه، تمّ على إثرها إيقاف أشرف ومن ثمّة إطلاق سراحه يوم الثلاثاء لكنّ القضيّة مازالت جارية. اتّصلنا بمحاميه أنور المحمدي وأكّد لنا أنّ “النقابة الأساسيّة لفوج وحدات التدخّل بالقصرين قامت برفع قضيّة عدليّة ضدّ أشرف وقد قامت النيابة العموميّة في ظرف 12 ساعة فقط ودون إعلامه أو استدعائه، وهو ما يعدّ خلالا إجرائيّا خطيرا، بإدراجه في جدول المفتّشين عنهم. وقد أذنت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائيّة بالقصرين لفرقة الأبحاث والتفتيش بسبيطلة بالاحتفاظ بأشرف موجّهة له تهم الاعتداء على الأخلاق الحميدة والاعتداء على موظّف عمومي أثناء أداء وظيفته بالقول والإشارة”. يواصل محامي أشرف قوله: “الراب كنمط فنّي مختلف وخارج عن المألوف أصبح مهدّدا من قبل البوليس. المشكل الحقيقي هو أنّ ما حصل لأشرف وغيره من الرابورات من قبله يعدّ تعديّا على حريّة الإبداع، يعني لماذا يُدفع فنّانو الرّاب للقيام بالرقابة الذاتيّة حتى يتمكّنوا من الصعود على المسارح والمشاركة في المهرجانات المحليّة”.
هذه التهم الجاهزة والمكرّرة اعتاد عليها الرابورات، ففي جويلية 2017 قامت النقابة الوطنيّة لقوات الأمن الداخلي برفع شكاية جزائيّة لدى وكالة الجمهوريّة بالمحكمة الابتدائيّة بالمهديّة ضدّ الرابور كلاي بي بي جي بسبب أدائه لأغنية خلال حفل بالمهديّة اعتبرها البوليس مُسيئة له. لم تكتف النقابة الوطنّية لقوات الأمن الداخلي برفع الشكاية بل واصلت عمليّة التجييش ضدّه حيث طالبت يوم 31 جويلية 2018، في بلاغ لها، جميع منخرطيها بعدم تأمين حفل كلاي بالمتلوي، وذلك بالقول: “تعلم النقابة الجهوية لقوات الأمن الداخلي بالحوض المنجمي جميع منخرطيها بعدم تأمين حفل من شتم حماة الديار بمهرجان المتلوي”. لكلاي تاريخ طويل مع القمع البوليسيّ فقد سبق وأن تمّ إلقاء القبض عليه صحبة ولد الكانز خلال عرض بمهرجان الحمامات الدولي في أوت 2013. جميعنا نذكر أيضا ما حصل مع ولد الكانز سنة 2013 بسبب أغنيته “البوليسيّة كلاب” التي أدخلته السجن وقد وجّهت إليه آنذاك ترسانة من التهم الشبيهة بالتهم التي وجّهت للرابور أشرف دجنكل، مثل “الاعتداء علنا على الأخلاق الحميدة والآداب العامّة” و”التجاهر عمدا بالفحش” و”هضم جانب موظّف عمومي” و”المشاركة في عصيان”.
ما حصل مع هؤلاء الرابورات وغيرهم لا يعدّ استهدافا لشخصهم وإنّما للرّاب الغاضب والمنفلت من كل القيود. يقول أشرف، الناشط صلب الإتحاد العام لطلبة تونس كطالب ماجستير إختصاص إدارة البرامج الثقافية، في اتصال أجريناه معه إثر إطلاق سراحه يوم أمس
الراب فنّ يزعج والبوليس لا همّ له سوى محاصرة الرابورات والتضييق عليهم. ليست مهمّة الراب تمجيد النظام وإنّما نقد الواقع ونقل ما نعيشه كما هو دون مساحيق، نحن نعيش البطالة والفقر وتحت الرقابة الدائمة للسلطة ومن واجبي التكلّم عن ذلك، لست صوفية صادق.أشرف دجنكل
الرّاب إذن، هو نمط موسيقي منحدر من الهيب هوب وهي حركة ثقافية مضادة، وقد ضرب عرض الحائط كلّ المحدّدات السخيفة والمعايير الجاهزة والتعريفات الكلاسيكيّة لما يجب أن تكون عليه الأغنية، أو الفنّ، أو الثقافة عموما. عندما نتحدّث عن الرّاب نتحدّث بالضرورة عن قصديّة الوعي، فكلماتهم تُمسك الموضوع من خناقه مباشرة وتطوّقه من كلّ الجوانب. لا يمتنعون عن الحديث في كل ما يتعلّق بالواقع الموضوعيّ ويتجاوزون في أحيان كثيرة حدود تجربتهم الذاتيّة ليتحدّثوا في كل شيء بحناجر حرّة وبأياد تُلاكم الهواء.
مازلنا في تونس في مرحلة التقيّؤ الكبرى، لم نتجاوزها بعد، لذلك لا يمكن أن نتحدّث عن الراب بمعزل عن السياق السياسي والاجتماعي والثقافي الذي نحت شخصيّة الرابور التونسي. الراب في تونس احتجاجيّ وثائر بطبعه على واقع الأشياء، ولكل رابور استخداماته اللغويّة الخاصّة التي تحكمها مواقفه السياسيّة وظروفه الاقتصاديّة وتجاربه الشخصيّة. مازلنا في مرحلة التصعيد والتداعي الحرّ، نتعامل بغضب وهستيريا وصبيانيّة مع تركة الأنظمة السابقة. لم نصل بعد إلى مرحلة عزل الراب التونسي عن خصوصيّة منشئه.
iThere are no comments
Add yours