وسط حضور أمني مكثّف، تجمّع، يوم السبت 9 مارس 2019، عشرات الجزائريّين والتونسيّين أمام المسرح البلدي في تونس العاصمة استجابة للدعوة التّي أطلقتها مجموعة الجزائريين والجزائريات المقيمين في تونس وعدد من الجمعيات والمنظمّات التونسية وعلى رأسها المنتدى التونسي للحقوق الإقتصاديّة والإجتماعيّة، للتضامن مع المظاهرات السلميّة للشعب الجزائريّ المستمرّة منذ أسابيع، ضدّ ما عُرف إعلاميّا بالعهدة الخامسة والتّي تعني ترشّح الرئيس الحالي والغائب عن الأضواء منذ فترة بسبب تدهور حالته الصحيّة، لفترة رئاسيّة جديدة بعد الانتخابات المُقرّر إجراؤها في الجزائر في 18 أفريل من هذه السنة. المحتجّون الذّين تجاوزت أعدادهم 150 فردا من الجزائريّين والتونسيّين، رفعوا الأعلام الجزائريّة والتونسيّة، وشعارات لم تختلف عن تلك التّي رُفعت في أغلب مدن الجزائر طيلة الفترة السابقة، والتّي كان أبرزها؛ “لا للعهدة الخامسة”، “حان وقت الديمقراطيّة في الجزائر”، “تونسيات جزائريات مع الحريّات”.
كسر الحضر عن المسرح البلدي بدعم من التونسيّين
بعد أقّل من عشرة أيّام على محاولتهم الأولى للتجمهر ومساندة المظاهرات التي تشهدها المدن الجزائريّة، استطاع الجزائريّون اليوم كسر الحصار الفروض على تحرّكاتهم الاحتجاجيّة بعد أن تمّ منعهم يوم الجمعة 01 مارس الجاري من تنفيذ وقفة احتجاجيّة ضدّ العهدة الخامسة أمام سفارة الجزائريّة في تونس، ليتمّ لاحقا إغلاق الساحة الأماميّة للمسرح البلدي في العاصمة بالحواجز وتركيز قوّات أمنيّة كبيرة هناك بعد علم السلطات التونسيّة نيّتهم نقل تحرّكهم إلى شارع الحبيب بورقيبة بدعوى “تأمين تظاهرة فنيّة مهمّة”. هذه المرّة، لجأ الجزائريّون إلى التنسيق مع التونسيّين، عبر تدخّل المنتدى التونسي للحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة الذّي تولّى تنظيم الأمور القانونيّة لتحرّك 9 مارس وتقديم إعلام رسميّ بالتحرّك لوزارة الداخليّة. في هذا السياق، يشرح المدير التنفيذي للمنتدى التونسي، علاء الطالبي ملابسات إجهاض الوقفة السابقة قائلا: “استغلّت السلطات التونسيّة عدم دراية الجزائريّين بالقانون التونسيّ لتبرّر تدّخلها ومنع التحرّك السابق بدعوى عدم قانونيّته. بل وحاولوا التمنّع هذه المرّة بدعوى صعوبة تأمين الوقفة الاحتجاجيّة نظرا لتزامنها مع عدّة احتفالات في شارع الحبيب بورقيبة، لكنّنا أبلغناهم أنّنا نتحمّل مسؤوليّة حسن سير وتنظيم التحرّك لقطع الطريق على تكرار الحضر الذّي حصل في بداية شهر مارس.”
هذه الوقفة الإحتجاجيّة التّي استمرّت ساعةً ابتداء من الثانية بعد الظهر، لم تقتصر على الجزائريّين المقيمين أو الزائرين لتونس، بل ضمّت عددا من نشطاء المجتمع المدني من التونسيّين على غرار المنتدى التونسي للحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة، جمعيّة النساء الديمقراطيات، فيدرالية التونسيين من اجل المواطنة بين الضفّتين، الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريّات الأساسية وغيرها من الوجوه الناشطة في هذا المجال. حول المشاركة التونسيّة، علّق علاء الطالبي موضّحا؛ “نحن نحترم مواقف ونضال الجزائرييّن في تونس، وهو ما سنترجمه في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة وغيره من المنظّمات التونسيّة، في وقت لاحق، عبر بيان مشترك سنعلن فيه دوافع مساندتنا لحراك الجزائريّين، والذّي لا ينبع من الخصوصيّة الجزائريّة فحسب بل من قناعتنا بضرورة مساندة تحرّكات كلّ الشعوب. إضافة إلى تاريخ طويل من التضامن بين مختلف المنظّمات المغاربيّة في عدّة محطّات سابقة سواء في انتفاضة الحوض المنجمي في تونس في 2008 وفي الناظور في ريف المغرب خلال نفس السنة، أو خلال الثورة التونسيّة في 2011.”ليؤكّد المدير التنفيذي للمنتدى التونسي في ختام حديثه أنّه ما لم تُحسم المسألة داخليّا في الجزائر، فإنّ المجتمع المدني التونسيّ سيظلّ على موقفه من دعم الجزائريّين.
بوتفليقة لم يعد مشكلتنا الوحيدة
بخلاف الهتافات المحتفية بالتضامن التونسيّ الجزائريّ، والمندّدة بترشّح الرئيس الجزائريّ عبد العزيز بوتفليقة لعهدة جديدة، حضر شعار إسقاط النظام بقوّة خلال هذه الوقفة الاحتجاجيّة، في مؤشّر واضح على التصعيد ورفع سقف مطالب الجزائريّين بعد أكثر من 3 أسابيع من التظاهر اليومي داخل الجزائر. يعلّق الجزائريّ المقيم بتونس، فؤاد بودماغ حول هذا المنعرج في مطالب الجزائريّين قائلا: ‘نحن نسير تبعا لنبض الاحتجاجات داخل الجزائر ونتبنّى شعاراتها ومطالبها، وما رفع سقف المطالب إلا استجابة لتطوّر الأحداث وردّا على تعنّت النظام الذّي يصرّ على تجاهل الرفض الشعبيّ لمهزلة العهدة الخامسة.”موقف يتطابق مع تصريح الشّاب الجزائري أنور الذّي رفض الإفصاح عن كامل هويّته، والذّي اعتبر أنّ بوتفليقة ليس سوى رأس جبل الجليد، ليسترسل موضّحا: “المظاهرات لا تستهدف شخص الرئيس فقط، بل تشمل كامل حاشيته وأركان نظامه وكلّ من استفاد من منظومة الحكم القائمة التّي كرّست الفساد والمحسوبيّة واحتكرت السلطة والثروة.”ليضيف؛ “نحن على اتصال دائم بمحتجّي الداخل وعلى تنسيق متواصل معهم، وستتواصل تحرّكاتنا خارج الجزائر وفي كلّ مكان تضامنا معهم ومساندة لهم، وستكرّر هذه الوقفة في تونس ما دامت المظاهرات في الجزائر مستمرّة”.
مع مشارفة الوقفة على الانتهاء، يعلّق فؤاد أحد الحاضرين ضمن مجموعة “الجزائريين والجزائريات المقيمين في تونس”، قائلا حول حوارات جانبيّة دارت على أطراف ساحة المسرح البلدي وتناولت مسألة التدخّل الأجنبي وإعلان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحّدة مساندتهما لتحرّكات الشعب الجزائريّ أو مخاطر الإنزلاق إلى السيناريو السوريّ أو الليبيّ، قائلا؛ “نحن نعي جيّدا وزن الجزائر وخطورة ما قد تؤول إليه الأحداث، لكنّنا واعون جيّدا وأكثر من غيرنا بمصلحة بلدنا وبقدرة النضال السلمي على إحداث التغيير. خيار تبنّاه والتزم به الجزائريّون منذ أوّل يوم لانطلاق الاحتجاجات وسنتمسّك به إلى النهاية. أمّا بخصوص المساندة الأوروبيّة والأمريكيّة فنقول لهم بلهجتنا “صحّة قوادتكم”، أي لا نحتاج تملّقكم ولا تعنينا مواقفكم. هذا شأن داخليّ جزائري ونحن لن نرضى بأيّ تدخّل أجنبيّ تحت أيّ ظرف وبأي شكل من الأشكال.”
iThere are no comments
Add yours