يُعتبر حقّ المؤلّف جزءًا من الملكيّة الفكريّة الّتي تُعرّفها المنظّمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو) على أنّها إبداعات الفكر البشري بصورة عامّة. وتنقسم هذه الإبداعات إلى صنفَين: الملكيّة الصناعية مثل براءات الاختراع والعلامات التجاريّة والتصاميم الصناعيّة، وحقوق التّأليف التي تشمل الإبداعات الأدبيّة والفنيّة مثل الكتب والموسيقى واللّوحات والأعمال السينمائيّة والبرمجيّات وقواعد البيانات والإعلانات والخرائط الجغرافية والرسوم التقنية وغيرها. وقد صادقت تونس على عديد الاتّفاقيّات الدوليّة المتعلّقة بحماية حقوق المؤلّف لعلّ أبرزها الاتفاقية العالمية لحق المؤلف سنة 1963، وانضمام تونس إلى المنظمة العالمية للملكية الفكرية سنة 1975 واتفاقية بارن لحماية المصنفات الأدبية والفنية المؤرخة سنة 1986 والمصادقة على القانون الأساسي للمنظمة الافريقية للملكية الفكرية في مارس 2020، بالإضافة إلى سنّها للقانون عدد 36 لسنة 1994 المتعلق بالملكية الأدبية والفنية كما تم تنقيحه بالقانون عدد 33 لسنة 2009.
المحتوى الموسيقي بين حرية انترنت والضوابط القانونية
يُعرّف قانون الملكيّة الأدبيّة والفنية حقّ التأليف على أنّه “الحقّ الذي ينفرد به صاحب المُصنّف دون سواه في استغلال مُصنّفه أو الترخيص للغير في استغلاله”. والمُصنّف هو العمل الفنّي في صيغته الأصلية (كلمات، لحن، نصّ…) أو المشتقّة (أغنية، مسرحيّة، سيناريو،…). ومن بين طرق الاستغلال المنصوص عليها بالقانون عرض العمل الفنّي على العموم في أماكن عمومية مثل النُّزل والمطاعم سواءً عبر آلات البثّ الإذاعي والتلفزي أو عبر آلات تسجيل أو من خلال استخدام الأقمار الاصطناعيّة واللاقطات. ويُفهَم من هذا الفصل أنّ الموسيقى الّتي يتمّ بثّها في الإذاعات والّتي توضع في الخلفيّة في المحلات التّجارية والمساحات الكبرى والمقاهي وغيرها من الفضاءات العموميّة التي لم يتطرّق إليها القانون يجب أن تخضع إلى ترخيص مُسبق من صاحب العمل الفنّي، وفق الفصل 9 من قانون الملكيّة الأدبية والفنية، يكون في شكل عقد مكتوب ينصّ على المسؤول عن الاستغلال وطرق الاستغلال التي تُحدّد فيها صنف العمل الفنّي المُراد عرضه ومكان استغلاله، إلى جانب تحديد مدّة الاستغلال والمقابل المادّي المخوّل لصاحب الحقّ.
فالقانون يضمن جملة من الحقوق ومن الإجراءات الّتي يجب إتباعها لضمان حقّ المبدع في حماية عمله الفنّي طيلة حياته وحتّى بعد وفاته، حيث حدّد المدّة الزمنيّة الّتي يكون فيها المُصنّف الفني خاضعا لحقوق التّأليف بخمسين سنة بعد وفاة صاحب العمل، وإذا كان العمل الفنّي جماعيّا فإنّ حقوق التأليف تبقى سارية بعد مرور 50 سنة من وفاة آخر مُساهم في إنجاز العمل الفنّي.
ومع تطوّر المحامل الالكترونيّة أصبح من الصّعب حصر كيفيّة استخدام الأعمال الفنيّة وإعادة إنتاجها. ولكنّ بعض المواقع والتطبيقات مثل يوتيوب تفرض شروطا في استخدام الموسيقى تتحدّد من خلال دليل سياسات الموسيقى، حيث يتلقّى المستخدم إشعارا من يوتيوب من خلال علامة Content ID أنّه بصدد استخدام محتوى موسيقيّ خاضع لحقوق التّأليف والطباعة والنّشر. ويخوَّل لأصحاب حقوق التّأليف منع الآخرين من استخدام المحتوى الأصلي الخاصّ بهم من خلال حظر الفيديو إمّا عن طريق حجبه تماما أو حجبه عن بعض المستخدمين أو بعض الدّول.
ولكنّ هذه السياسات تخضع من ناحية أخرى إلى بعض التسهيلات من ذلك مثلا سماح أصحاب المحتوى بإعادة استخدام الموسيقى واشتراط عرض إعلانات في مقابل ذلك بهدف جني أرباح من هذه الموسيقى. ويتمّ عرض هذه الإعلانات إمّا في بداية الفيديو أو خلاله إذا كان المقطع يتجاوز العشر دقائق. كما يتمّ السماح لمستخدمين آخرين بإعادة استخدام المحتوى الموسيقي من خلال منح ترخيص Creative Commons ،وتوضع علامة CC BY أمام الفيديو المراد إعادة استعماله.
كما أنّ بعض المحتويات تخضع إلى ما يُعرف بالاستخدام العادل وهو استخدام موادّ محمية بموجب حق التأليف في حالات معيّنة دون الحصول على إذن من صانع المحتوى. وتختلف هذه الآليّة من بلد لآخر.
حقوق المؤلّف في التشريع الوطني
تنقسم حقوق المؤلّف إلى صنفين، الحقوق الماديّة أو الاقتصاديّة وهي أن يتلقّى صاحب العمل الفنّي مقابلا مادّيا في كلّ مرة يتمّ فيها إعادة استخدام عمله الفني، والحقوق المعنويّة للمؤلّف التي تشمل حقّ النسبة أو حقّ الأبوّة، أي أن يقترن اسم المؤلّف بعمله الفنّي في كلّ مرة يتمّ فيها استغلال المُصنَّف، وله الحقّ أن يمتنع عن هذا الحقّ أو أن ينشر عمله تحت اسم مستعار. كما تتيح الحقوق المعنويّة للمؤلّف حقّ حفظ المُصنّف من كلّ تحوير أو تغيير أو تشويه. وينصّ القانون المتعلق بالملكية الأدبية والفنيّة على ضرورة “ذكر اسم المؤلّف عند كلّ عرض لمُصنّفه على العموم وعلى كلّ نسخة تتضمّن نقل محتوى المُصنَّف كُلّما أُعدّ للعموم”. كما تشمل حقوق المؤلف الحقوق المجاورة، وهي الحقوق التي يتمتّع بها فنانو الأداء ومنتجو التسجيلات السمعية البصرية وكلّ من تربطه علاقة بنشر العمل الفنّي المُنجَز.
وتُعْتبر الأعمال الفنيّة محميّة منذ نشأتها. ولكنّ القانون ينظّم هذه الحماية من خلال التنصيص على المؤسسة التونسيّة لحقوق المؤلّفين الّتي بدأت نشاطها الفعلي سنة 1997 وحلّت محلّها المؤسّسة التونسية لحقوق التّأليف والحقوق المجاورة الّتي أُحدثت سنة 2013 بمقتضى الأمر الحكومي عدد 2860 لسنة 2013 المتعلّق بإحداث المؤسسة التونسية لحقوق المؤلّف والحقوق المجاورة وضبط تنظيمها الإداري والمالي. وهي مؤسسة تابعة لوزارة الثقافة تُعنى بـ”رعاية حقوق المؤلف والحقوق المجاورة والدفاع عن المصالح المادية والمعنوية لأصحاب تلك الحقوق” من خلال تلقّي المصنّفات إمّا عن طريق الإيداع أو التصريح وضبط الشروط الماديّة لاستغلال المصنّفات واستخلاص العائدات الماليّة وتوزيعها لصالح أصحاب العمل الفنّي أو لمن يستحقّ. ويبلغ عدد المنخرطين في هذه المؤسسة 3431 فقط، في حين أنّ نظيرتها الفرنسية تعدّ 168.000 ألف.
تقدّم هذه المؤسّسة خدمات تتعلّق بالانخراط وإيداع المصنّفات. وبمقتضى الانخراط يُسند للمؤسّسة الحقّ المطلق في التصرّف في المصنّفات سواء من خلال المنع أو الإتاحة. أمّا الإيداع فيعني أن يُثبت المؤلّف صفته كمُبتكر للمصنّف الفنّي. ويمكّن هذا الإجراء من منح قرينة للمؤلّف على أنّه صاحب المحتوى الفنّي في حال حدوث نزاع قضائي. ويعاقب القانون كلّ من يستغلّ مصنّفا فنيّا محميّا دون الحصول على ترخيص بخطيّة تتراوح بين ألف وخمسين ألف دينار، وفي صورة العَود يتمّ تشديد العقوبة بالسّجن لمدّة تتراوح بين شهر وعام.
كما ينصّ كرّاس الشروط المتعلّق بالحصول على إجازة إحداث واستغلال قناة تلفزيّة خاصّة على جملة من الالتزامات المتعلّقة بالملكيّة الأدبيّة والفكرية، تتضمّن بالخصوص اتفاقيّة مع المؤسسة التونسية لحماية حقوق التأليف والحقوق المجاورة يتمّ بمقتضاها إيفاء حق المؤلّف وتحديد مدّة بثّ المصنفات وأسماء الملحّنين والمؤلفين والمنتجين حتّى يتسنّى للمؤسسة توزيع العائدات الماليّة على أصحاب الأعمال الفنّية. ويُلزم كرّاس الشروط كلّ قناة تلفزيّة تبثّ موسيقى تونسية ذكر اسم الشاعر والمغنّي والملحّن والمُوزّع، وضرورة ذكر مصدر كلّ فقرة إذاعية أو تلفزيّة يتمّ إعادة استخدامها. إلا أن أغلبية هذه القوانين والإجراءات لا يتم احترامها أو العمل بها سواء من طرف المؤسسات أو الأشخاص. كما يصعب تفعيلها على أرض الواقع. العراقيل مختلفة. وطبيعتها أيضاً. لنا عودة للتمحيص فيها من خلال مقال آخر.
“منذ انطلاق بثّ سلسلة “تونس 2050” وتنزيلها على يوتيوب”: ce n’est pas exact, car cette méthode existe depuis longtemps sur les publications Youtube des chaînes privées tunisiennes, notamment avec des émissions comme “Dimanche tout est permis” sur Al Hiwar.