-آلو.. مخبر دكتور ب؟

-نعم. نعم تفضلي

-من فضلك أجريت يوم أمس صحبة صديق تحليلا مخبريا “بي سي آر”، تلقى هو الإجابة عبر البريد الإلكتروني منذ ثلث الساعة تقريبا وفي المقابل لم أتلق شيئا رغم أن دوري سبق دوره عند إجراء التحليل.

-انتظري قليلا. سأبحث عن تحليلك وأخبرك بالنتيجة.

تغيب دقيقتين ثم تجيب

لم تجهز النتيجة بعد… انتظري نصف ساعة وستتلقين النتيجة عبر بريدك الإلكتروني، ورجاء لا تتصلي مرة أخرى اصبري قليلا وستتلقين رسالة الكترونية.

بعد حوالي ثلاث دقائق، ينذر إشعار على هاتفك الجوال بتلقي رسالة الكترونية جديدة. في تلك الثواني القليلة، تتّحد الإنترنت ومشغل الهاتف وهاتفك ليصبح كل شيء بطيئا. قبل انقطاع نفسك، تجد رسالة من مخبر التحاليل وكانت النتيجة “إيجابي”. في تلك اللحظة تبدأ جولة ثانية من الحرب، بعد أن خضت طيلة اليومين الماضيين حربا على جبهتين. الأولى الخوف من الإصابة بفيروس كوفيد 19 والثانية البحث عن مخبر تحليل خاص لإجراء تحليل بعد ثبوت إصابة صديقة رفيقة في السكن.

البحث عن مخبر… والمفاوضات !

كان المطلوب أولا هو الانعزال بعد إخبار أصدقاء وزملاء في العمل لم يمر أكثر من يوم على مقابلتهم، وعائلتك التي زرتها في نهاية الأسبوع باحتمال العدوى. وكان التحدي الأكبر هو إيجاد مخبر خاص لإجراء التحليل. في البداية لم يبد أن الأمر سيكون صعبا، فالمخابر التي وضعتها وزارة الصحة تستقبل حرفائها القليلين المستعدين لدفع أكثر من مائتي دينار، بأريحية كبيرة. لكن، بعد أولى مكالمتين لمحاولة الحصول على موعد قريب لإجراء التحليل، تدرك شيئا وهو أن الحصول على موعد قريب هو أمر شبه مستحيل، فإحدى موظفات المخبر الأول قالت إنه لا يمكن توفير موعد قريب بسبب نقص في المادة التفاعلية المستعملة لإظهار وجود الفيروس من عدمه، ولم يرد مخبران آخران على الهاتف.
كانت المفاجأة السيئة الأولى، حين ردت موظفة في مخبر الدكتور (ب) على الهاتف قائلة أنه يجب الاتصال برقم شركة يتعامل معها المخبر وهي التي تقوم برفع العينات في منزل من يريد إجراء تحليل مخبري. أما المفاجأة السيئة الثانية فكانت حين قال أحد ممثلي الشركة الوسيطة إن سعر رفع العينات هو 360 دينارا، أي بفارق يصل إلى قرابة سبعين في المائة من سعر التحليل الذي ألزمت به وزارة الصحة المخابر الخاصة. بعد مفاوضات دامت ثواني قليلة بخصوص السعر، قال ممثل الشركة إنه يمكنه تخفيض السعر قليلا لقرب المسافة بين المخبر والمنزل، لم يكن القرار سهلا بالموافقة أو الرفض. وفي آخر المطاف، قرر المخبر قبول تحديد موعد دون وساطة الشركة.

Crédit photo : Claude TRUONG-NGOC

الطلب يتجاوز العرض

عشية اليوم الموالي، كانت الصدمة الثالثة، طابور طويل لأشخاص أمام المخبر كل له غايته للخضوع إلى التحليل المخبري، أما الطابور الموازي فهو لأشخاص وضعوا على قائمة الانتظار لأنهم يريدون ببساطة قطع الشك وإجراء تحليل، وهو سبب غير وجيه حسب المخبر. هناك في الطابور الموازي يقترب بين اللحظة والأخرى شخص ويهمس متوسلا لموظف أمام الباب يحمل مطبوعات استمارة للحصول على واحدة. والحصول على مطبوعة مرقمة حسب ترتيب الواقفين في الطابور “القانوني” هو بمثابة موافقة المخبر على إجراء تحليل.
يقول أحد الموظفين مبديا تعاطفا مع شخص توسل إليه للحصول على مطبوعة “أنا أعول على صدقكم، من يحمل أعراضا سأمكنه من الاستمارة ليملأها وينتظر دوره، استحلفكم بالله أن تكونوا صادقين لأننا ندخر التحاليل للحالات المستعجلة”.
في يوم واحد، يمكن أن تحصي أكثر من مائتي شخص يقفون أما المخبر لإجراء التحليل إما لغاية الحصول على وثيقة من أجل السفر أو من أجل قتل الشكوك بالعدوى. ويبذل كل طرف، كل حسب غايته، جهدا إما بوضع علامات في أكثر من خانة للأعراض لتعزيز الحظوظ بقبول المخبر القيام بتحليل، أو العكس ربما خوفا من الحصول على نتيجة إيجابية وبالتالي إلغاء السفر.
منذ شهر سبتمبر الماضي، يعتبر كل شخص تمكن من اقتلاع موعد لإجراء تحليل مخبري صاحب حظ وفير. وتكفي تجربة صغيرة لاختبار صعوبة الحصول على موعد لإثبات ذلك. فضمن قائمة بأكثر من ثلاثين مخبرا خاصا في تونس العاصمة وولايات أخرى منحتها وزارة الصحة رخصة إجراء تحاليل كوفيد 19، كانت النتيجة كالآتي: لم يجب 14 مخبر على الهاتف رغم المكالمات المتكررة، وهي بالأساس مخابر متركزة في تونس الكبرى، في حين كانت إجابة مخبرين في العاصمة وفي باجة بأنه من غير الممكن الحصول على موعد بسبب انتهاء مخزون المادة التفاعلية التي تظهر وجود الفيروس، وأنه لا يمكن التنبؤ بتاريخ الحصول على كمية جديدة، والذي يتجاوز الأسبوع في كل الأحوال. ويبدو أن الضغط على المخابر الخاصة أقل وطأة في بقية الجهات حتى أن بعضها لا تشترط الحصول على موعد مسبق للقيام بالتحاليل.

تجارب مختلفة، المعضلة واحدة

تجربة البحث عن مخبر خاص يقبل بإجراء تحليل كوفيد 19، عاشتها “ش.م” موظفة بمركز شركة نداء بالشرقية، بعد ثبوت إصابة شقيقتها الممرضة بالفيروس، وبعض زملائها في العمل. تقول لـنواة: “أعيش حالة من الرعب وأحس ببعض الأعراض ولست أدري إن كنت أتوهم الإصابة بالفيروس أم أنه رشح عادي. أنا أعاني من مرض مزمن لذلك علي التأكد من إصابتي من عدمها حتى أتمكن من العودة إلى العمل. وجدت صعوبة كبيرة في إيجاد مخبر يقبل بتحديد موعد لي”.
بعد نجاحها في الحصول على موعد في مخبر خاص، تخشى “ش.م” من أن تكون النتيجة إيجابية وتقول “منذ ثبوت إصابة أختي منذ أكثر من أسبوع، طلبت من شركة النداء التي أعمل بها البقاء في المنزل وإذا ثبت أنني أصبت بالعدوى فعلي أن أبقى في المنزل عشرة أيام أخرى، علما أن كل تلك الأيام غير خالصة الأجر، مما يعني أن قيمة أجري ستساوي النصف، لذلك أعول على استرجاع ثمن التحليل في مخبر خاص”.
تعيش “ش.م” حالة من الخوف على أمها المقيمة في ولاية أخرى والتي ظهرت عليها بعض أعراض الإصابة بالفيروس، وحاولت تحديد موعد لها في مخبر خاص بالجهة، لكن المخبر المذكور اشترط التعامل عبر شركة وسيطة، وهو ما رفضته أمها التي اعتبرت الأمر ابتزازا.


بدورها، تخشى “ه.س” وهي رفيقة “ش.م” في السكن إصابتها بالعدوى خاصة أنها تعاني من ضيق تنفس مزمن، وتقول ل”نواة” “في الحقيقة أجد نفسي بين خيارين مرين. الأول دفع مائتي دينار وهو مبلغ ليس بالهين خاصة أن أجري ضعيف، وثانيهما هو الشك والخوف من إصابتي. حين أصاب برشح أو زكام يتطلب الأمر أحيانا نقلي إلى المستشفى بسبب نقص الأكسجين، وإذا تلقيت العدوى بهذا الفيروس، فسيكون الأمر قاتلا. حقيقة لا أدري لم لا توفر الدولة تحاليل بأسعار منخفضة حتى نتخلص من الحيرة والخوف”.
تنتظر “ه.س” نتيجة تحليل صديقتها بالدرجة نفسها من التوتر الذي تعيشه “ش.م”، فنتيجة سلبية تعني أنها لا بد أن توفر مائتي دينار لإجراء تحليل أو العزلة والعيش في خوف من تعكر حالتها.
تجربة أخرى في البحث عن مخبر خاص خاضها ثلاثة إخوة ثبتت إصابة أختهم بالفيروس، تقول “ب.س” لنواة “حين أخبرتني أختي بنتيجة تحليلها، تجندت صحبة إخوتي للحصول على موعد، كان الأمر شاقا ولم نتمكن من الحصول على موعد، كان القلق كبيرا لم نعلم من هو المصاب ومن هو السليم، وحاولنا القيام بكل احتياطاتنا إلى غاية الحصول على موعد لإجراء التحليل. تمكنا من إجراء تحليل في مخبر خاص بعد أن توسط طبيب لدى المخبر، وتوسلنا موظف هناك رغم وساطة الطبيب لإجراء تحاليل لثلاثتنا بعد أن حاول الموظف إقصاء أخي بحجة أنه لا يبدو من هيئته أنه يعاني من أعراض”.
تعي وزارة الصحة الصعوبات التي يواجهها التونسيون، إضافة إلى الخوف من العدوى بالفيروس، من أجل الحصول على موعد في مخبر خاص. وقال وزير الصحة في تصريح خلال ندوة صحفية، يوم 5 أكتوبر، إن الوزارة زادت في عدد مخابر فحص كوفيد-19 إلى 19 مخبرا عموميا، و33 مخبرا خاصا، والتي مكنت من إجراء 5000 تحليل يوميا، مشيرا إلى أن أسباب تأخر نتائج اختبارات كوفيد-19 تعود إلى نقص في المادة التفاعلية، إضافة إلى ارتفاع عدد المقبلين على إجراء تحاليل بأعداد تفوق طاقة المخابر. وكان قرار الوزارة حسب الوزير هو إجراء تحليل بالنسبة إلى الأشخاص الحاملين للأعراض فحسب، ولدائرة الأشخاص المحيطين بهم الضيقة.
التونسيون على علم بحقيقة البنية التحتية الصحية، لذلك أصبح هاجس الكثير منهم هو الوقاية وتلقي العدوى المحتومة بأخف الأضرار. كما يعي أغلبهم أن الغموض الذي يلف صفقات التحاليل السريعة التي قالت وزارة الصحة سابقا أنها ستقتنيها، وتعارضها مع الواقع، يجعلهم يتسابقون لإجراء التحاليل المخبرية قبل أن تتخلى عنها الدولة نهائيا.