هذه المعطيات الصادمة كشفت، وسط الأسبوع الماضي، بعد تسريب مراسلتين إلى وزارة العدل، الأولى من بشير العكرمي وكيل الجمهورية السابق الذي اتهم زميله الطيب راشد الرئيس الأول لمحكمة التعقيب بأنه متورط في قضايا فساد، وأنه يمتلك ثروة طائلة، كسبها عن طريق التلاعب بقضايا المواطنين، وأن بعض هذه القضايا تعود إلى سنوات خلت، ولذلك يطالب برفع الحصانة عنه. وفي المقابل تضمنت رسالة الطيب راشد إلى وزارة العدل اتهامات خطيرة لوكيل الجمهورية السابق البشير العكرمي بتورطه في التلاعب بملفات تدين أشخاص قريبين من حركة النهضة ومتورطين في ملف اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي. الخطير في الأمر أن الوثائق التي تم تسريبها في الشكايتين، تثبت أن القاضيين على علم بالتجاوزات الخطيرة التي يقوم بها الطرف الآخر أي أن الطرفين تسترا على كثير من المعطيات المهمة منذ مدة.
قضاة في حضن الاحزاب
وتأتي هذه التسريبات لتلقي الضوء على حجم الخراب الذي لحق بالمرفق القضائي، هذا المرفق الذي كان مدجّنا بالكامل زمن الاستبداد، وكان يستعمل مثل سائر أجهزة الدولة في تبرير القمع والقهر ومأسسته، وإسكات الأصوات الناقدة والمخالفة للنظام آنذاك.
وعلى الرغم من الإصلاحات الكثيرة التي تم إدخالها على القضاء بهدف دعم استقلاليته عن السلطة التنفيذية وعن الأحزاب السياسية، إلا أن الواقع يؤكد أن قطاع القضاء مازال مريضا، ليس فقط من خلال ما ورد في رسائل الطيب راشد والبشير العكرمي، وإنما عبر كثير من الوقائع الأخرى، فقد تضمنت حكومة النهضة التي شكلها الحبيب الجملي وفشلت في نيل ثقة البرلمان، ستة قضاة كانوا مقترحين لمناصب وزارية مختلفة في حكومة شكلها ويقودها حزب سياسي. ومباشرة بعد سقوط هذه الحكومة وعدم نيلها ثقة البرلمان، عاد السادة القضاة المستقلون إلى مواقعهم. الواضح أن اختراق القضاء من قبل أحزاب سياسية ومحاولة توظيفه لقهر الخصوم وكسرهم لم يكن اكتشاف بالنسبة للتونسيين، وما ورد في مراسلات البشير العكرمي والطيب راشد ليس سوى غيض من فيض. فالتوظيف السياسي لجهاز القضاء بدأ قبل ذلك بكثير، وتحديدا منذ حكومة الترويكا وتمكّن القيادي النهضاوي نور الدين البحيري من وزارة العدل.
على الرغم من الإصلاحات الكثيرة التي تم إدخالها بغرض رفع أي ضغط سياسي على القضاة، وسحب كثير من الصلاحيات من وزارة العدل وإعطائها للمجلس الأعلى للقضاء، على غرار النقل والترقيات، إلا أن الآثار التي تركها نورالدين البحيري لم تتمكن هذه الإصلاحات من محوها.
ويذكر أن بشير العكرمي، وكيل الجمهورية السابق المقرب من حركة النهضة، كان يشغل خطة قاضي التحقيق عدد 13 حين عهد له بملف الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وقد اتهمته آنذاك هيئة الدفاع عن الشهيدين بعدم الحياد، وعلى الرغم من ذلك تمت ترقيته إلى وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس، دون سحب ملف الاغتيالات منه، برغم الطعن الذي قدمته هيئة الدفاع حينها ضده. علما وأن الهيئة الوقتية للقضاء العدلي هي من أقرت الترقية، وقد توسعت صلاحياته لتشمل القطب القضائي لمكافحة الإرهاب والقطب القضائي المالي.
صمت وافلات من العقاب
وعلى الرغم من خطورة ما ورد في الاتهامات المتبادلة بين الطيب راشد الرئيس الأول لمحكمة التعقيب وبشير العكرمي وكيل الجمهورية بتونس سابقا، إلا أن الصمت كان سيد الموقف، واكتفت نقابة القضاة ببيان عام تحدثت فيه عن مشاكل القضاة، في حين اصطفت الجمعية مع بشير العكرمي التي كانت تدعمه دائما. ولا يزال المجلس الأعلى للقضاء يلازم الصمت، على الرغم من أن تسييس ملفات الإرهاب وتوجيه الأبحاث وغض النظر عن أبحاث أخرى تعتبر من أخطر التهم التي قد توجه لأحد القضاة، مثل تلك التي تعلقت بعامر البلعزي أحد المتهمين الضالعين في قضية الاغتيالات، إضافة إلى قضايا الفساد المالي، إلا أن المجلس الأعلى للقضاء مازال يلازم الصمت.
وتأتي فضيحة القضاء بعد أيام قليلة من نشر تقرير محكمة المحاسبات وما ورد فيه من جرائم انتخابية خطيرة واستعمال المال مجهول المصدر في تمويل الحملات الانتخابية. وعلى الرغم من أن التهم واضحة وصادرة عن هيئة قضائية ضد أشخاص وأحزاب موجودة في السلطة على غرار حركة النهضة ورئيس قلب تونس نبيل القروي إلا أن هناك اتجاه نحو قبر التقرير ومواصلة الإفلات من العقاب.
وحسب الأعراف والقوانين الجاري بها العمل في المجال القضائي، فإن اتهامات بهذه الخطورة تستدعي الإيقاف عن العمل بشكل تحفظي ورفع الحصانة عن القاضيين المعنيين بالاتهامات المتبادلة بالفساد المالي والفساد السياسي والتستر على الإرهاب، إلى حين استكمال التحقيقات. لكن هذا الصمت يزيد من الشكوك حول وجود مساعي لقبر الموضوع كما هو الشأن بالنسبة لتقرير محكمة المحاسبات.
اذا كان نقيبهم على الوهم ناظما …..
اطلعت على هذا المقال بعد نشره بستة أو سبعة أشهر واكتشفت نصا ضعيفا لا معلومات فيه ولا حجج سوى “نقل خام” بلا تثبت ولا تمحيص وتغلب عليه استنتاجات لا يدعمها شيء ذو بال. الخلط وانعدام الدقة يجعلان هذا المقال أقرب إلى الانطباع الخاص أو حتى الحالة النفسية منه إلى الكتابة المنهجية والتحليل العلمي.