قضية عمر العبيدي، سنوات من الإفلات من العقاب
ملف خاص
قضية عمر العبيدي، سنوات من الإفلات من العقاب
Mahdi Jlassi

مهدي الجلاصي

بدأت أطوار القضية عندما لاحقت عناصر أمنية الشاب عمر العبيدي (18 عاما) من الملعب الأولمبي برادس إلى وادي مليان بعد مواجهات بين جماهير النادي الافريقي وقوات الشرطة. مطاردة انتهت بالزج بعمر في مياه الوادي الجارفة. منذ ذلك اليوم (31 مارس 2018)، انتشرت عبارة “تعلم عوم” بين مجموعات أحباء النادي الافريقي لتتحول هذه العبارة فيما بعد إلى شعار احتجاجي ضد الممارسات الأمنية في حق أبناء الشعب والتي غالبا ما تبقى محصنة من العقاب والتتبع القضائي. قضية عمر العبيدي -التي لم تراوح مكانها في محكمة بن عروس إلى اليوم دون محاسبة المتهمين- تمثل دليلا صارخا على ثقافة الإفلات من العقاب التي تنخر الدولة وتنسف مصداقية العدالة يوما بعد يوم.

انعقدت الخميس  13ديسمبر 2022 أول جلسة علنية في قضية الشاب عمر العبيدي بمحكمة بن عروس، هذه الجلسة الأولى بعد سنوات من النزاع القضائي بين قاضي التحقيق وهيئة الدفاع عن عمر العبيدي في ظل غياب المتهمين “بتعليمات من أحد أعضاء هيئة الدفاع” وبحضور مكثف لعناصر من النقابات الأمنية في محيط المحكمة. وقررت الدائرة الجناحية بالمحكمة تأجيل النظر في القضية إلى موعد لاحق استجابة لطلب الدفاع عن القائمين بالحق الشخصي، وطلبت هيئة الدفاع من هيئة المحكمة اتخاذ التدابير اللازمة لإجبار المتهمين على المثول لدى المحكمة.

خروقات بالجملة وتغييب للأدلة والشهود

قال الأستاذ التومي بن فرحات، عضو هيئة الدفاع في قضية عمر العبيدي، إن القضية “شهدت عديد الخروقات في جميع مراحلها بداية من يوم وفاته يوم 31 مارس 2018 وصولا إلى آخر جلسة يوم 13 جانفي 2022 مما أدى إلى طول المسار القضائي المتواصل منذ أكثر من أربع سنوات”، محذرا من وجود إصرار على تكييف الجريمة وإدراجها في خانة القتل غير العمد وعدم الإنجاد في حين أن كل القرائن والشهادات والتسجيلات تؤكد وجود تهمة القتل العمد حسب تعبيره.

وأوضح بن فرحات في تصريح لموقع نواة أنه “بمجرد انتشال الجثة تحدثت النيابة العمومية على عدم وجود أثار عنف وهو ما فنده التقرير الطبي الذي تحدث عن أثار للعنف بكل وضوح إضافة إلى الضغط على بعض الشهود الذين عاينوا حادثة وفاة عمر العبيدي بهدف تغييب شهاداتهم”. مؤكدا ما اعتبره تغييبا لكل الشهادات التي يمكن أن تساهم في كشف الحقيقة بإرادة من النقابات الأمنية واستكانة الأجهزة القضائية.

وتعود أطوار قضية الشاب عمر العبيدي إلى مارس 2018 حيث غرق المحب عمر العبيدي بأحد الأودية القريبة من الملعب الأولمبي برادس إثر مباراة للنادي الإفريقي وذلك بسبب مطاردة أمنية له مع عدد من جماهير النادي، وتتهم جماهير النادي الإفريقي ومجموعات الأحباء قوات الأمن بالتسبب في مقتل عمر العبيدي وتطالب بتوجيه تهمة القتل العمد للمشتبه بهم.

والدة عمر العبيدي في زيارة لقبر ابنها

وكانت دائرة الاتهام قد قررت في 4 ديسمبر  2021إحالة 14 أمنيا بحالة سراح على أنظار الدائرة الجناحية بالمحكمة الابتدائية ببن عروس لمحاكمتهم بتهم القتل عن غير قصد الواقع عن قصور وعدم احتياط وعدم تنبيه وعدم مراعاة القوانين طبق أحكام الفصل 217 من المجلةالجزائية، وعدم إغاثة شخص في حالة خطر وترتّب عن ذلك هلاكه كانت تفرض عليه قواعد مهنته مساعدة الغير وإغاثته طبق أحكام الفصلين 1 و2 من القانون عدد 48 لسنة 1966.

تواطؤ القضاء وتفشي ثقافة الإفلات من العقاب

من جهته أشار المحامي ونائب رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بسام الطريفي إلى أن عددا من القضاة يتعمدون قبر القضايا التي يُتهم فيها أمنيون خوفا منهم ولم تكن لديهم الجرأة الكافية لإصدار أحكام ضد أمنيين أو حتى إصدار بطاقات الإيداع في حقهم مهما كانت نوعية القضايا التي يُحاكمون فيها حسب قوله. كما أشار إلى أن “تعامل القضاة مع قضايا الأمنيين يتسم بالبطء الشديد الذي يصل حد التواطؤ من أجل قبر ملفات خاصة بقضايا الرأي العام والقضايا الحساسة بهدف تعطيل البت فيها بالإضافة إلى تبرئة عديد الأمنيين المتهمين في قضايا تعذيب”.

وتعمل منظمات حقوقية وحركات شبابية ومجموعات أحباء الفرق الرياضية الكبرى على متابعة قضايا الموت المستراب على غرار قضية عمر العبيدي وعبد السلام زيان، بالإضافة إلى تتبع المتهمين في قضايا التعذيب في مراكز الايقاف في ظل حالة من الإفلات من العقاب ساهمت في انتشار شعور بالظلم لدى الضحايا وذويهم وفقدان الأمل في افتكاك حقوق المتهمين خاصة لما يكون الطرف المتهم من المؤسسة الأمنية.

فيما يلي جرد لما نشرته نواة حول القضية منذ قتل عمر العبيدي :

ماذا عن مستجدات قضية مقتل عمر العبيدي و”تبرئة المتهمين”؟

تداولت صفحات على شبكة فيسبوك خبرا مفاده أن محكمة أصدرت حكما بتوجيه "تهمة القتل العمد لعدد من الأمنيين وتبرئتهم" في قضية الشاب عمر العبيدي، هذا الخبر انتشر نقلاً عن موقع كابيتاليس-أنباء تونس ونقلته صفحات ومنتديات خاصة بجماهير النادي الإفريقي وبروفيلات أهمها إشعاعاً حساب أشرف العوادي، رئيس منظمة أنا يقظ.


نواة في دقيقة: قضية عمر العبيدي، مماطلة قضائية بعد جريمة بوليسية

عقد الأستاذ تومي بن فرحات محامي عائلة عمر العبيدي، الإثنين 28 جانفي 2019، ندوة صحفية بمقر النقابة الوطنية للصحفيين. و ذلك لتقديم أخر مستجدات القضية قبل جلسة المكافحة التي ستعقد يوم 31 جانفي 2019 بمحكمة بن عروس. المحامي تحدث عن الكثير من المشاكل في مسار القضية والتي تعبر عن تواطؤ القضاء من أجل التغطية عن البوليس مرتكب الجريمة. يذكر أن عمر العبيدي، هو شاب من مشجعي النادي الإفريقي، لقي حتفه بعد مطاردة بوليسية، انتهت به قتيلا في واد مليان في رادس، يوم 31 مارس 2018.


نواة في دقيقة: #تعلم_عوم

اثارت حادثة وفاة الشاب عمر العبيدي إثر دفعه من رجل أمن في وادي مليان في رادس نهاية شهر مارس الفارط موجة استهجان واسعة. استنكار الحادثة وإصرار وزارة الداخليّة على نفي مسؤوليتها، أطلق حملة على مواقع التواصل الإجتماعي تحت شعار#تعلم_عوم، للمطالبة بالتتبّع العدلي للجاني وللتنديد بالتعنيف الممنهج الذّي تمارسه أجهزة الأمن ضدّ الجماهير الرياضيّة. وفاة عمر خلقت بدورها حالة تضامنيّة استثنائيّة بين محبّي مختلف الفرق الرياضيّة التّي توعّدت بعدم التفريط في محاسبة الجناة.


نواة في دقيقة: العنف البوليسي ضدّ الجماهير الرياضية، ”حالة عاديّة“

بعد 10 أيّام من انتشال جثّة المشجّع عمر العبيدي من وادي مليان، ماتزال ارتدادات هذه المأساة متواصلة. هذا الشّاب الذّي فقد حياته بعد أن تعمّد شرطيّ دفعه في الوادي، حسب شهادات عدة، كان سببا في إطلاق حملة واسعة في وسائل التواصل الاجتماعيّ تحت شعار #تعلم_عوم للمطالبة بمحاسبة الجناة. هذه الحادثة أعادت طرح قضيّة العنف البوليسيّ ضدّ الجماهير الرياضيّة، والتّي تحوّلت إلى ممارسة دوريّة "وحالة عاديّة" في مدارج الملاعب مخلّفة في كلّ مرّة عددا جديدا من الضحايا.


رسالة مفتوحة من أم عمر العبيدي إلى رئيس الحكومة يوسف الشاهد

سنة مرت، 365 يوما، جلسات مكافحة بين الشهود والمتهمين، 12 شهر من الأبحاث، عشرات الوقفات الإحتجاجية، عشرات الحصص الإعلامية، صفر إيقافات، مقابل سبعة عشر متهم، كلها منذ وفاتي واستشهاد إبني عمر العبيدي.


بعد ”تعلم اجري“ و”تعلم عوم“، لم يبقى لنا إلا ”تعلم تثور“

ما وقع لأيمن العثماني يمكن أن يقع لك ولي، كما حدث لأحلام وخمسي وأماني وعمر وغيرهم. أمام الواقع اليومي المُذل وأمام البلطجة البوليسية، لم يعد للنقد الأكاديمي أو الخبر الصحفي أي قدرة على الدفع بالفعل الثوري أو حتى المقاومة اليومية. بعد "تعلم اجري" و"تعلم عوم"، في إنتظار "تعلم تتنفس"، لم يبقى لنا إلا "تعلم تثور". ليس مُهما أن تكون الثورة الأخيرة فاشلة أو مخيبة للآمال أو سُرقت منا، المهم الآن أن تكون أنت نفسك ثوريا، على المستوى الذاتي وحسب إمكانياتك. ذلك الحل الأخير المتبقي قبل المهانة المقبلة، صفعة أو شتيمة من بوليس، أو رصاصة مُميتة.


من ”أبرياء من دماء الشهداء“ إلى ”تعلّم عوم“: 7 سنوات من الهشاشة الزرقاء

رحل الدكتاتور وبقي البوليس على حاله. السنة السابعة بعد الثورة والحال على ما هي: قمع وتعذيب واستهزاء بأرواح الناس، آخرها عمر العبيدي الذي مات غرقا تحت أعين الأعوان الشامتة. قد سبق عمر شابان آخران مطلع هذه السنة: خمسي اليفرني الذي مات دهسا تحت عجلات سيارة الشرطة وبشير السماتي الذي مات تحت التعذيب. هذه السنة شهدت كذلك وقوع مهزلة بن عروس أين حلّت جحافل البوليس بمعدّات وتجهيزات الدولة لتحاصر المحكمة حتى الإفراج عن زميلهم المتهم بالتعذيب. إن كانت فترة الدكتاتورية هي فترة استعمال النظام لجهاز البوليس لحماية نفسه، فإننا نشهد اليوم فترة استقواء البوليس على البلاد والعباد واستهتاره بمؤسسات الدولة. هذه الأسطر هي محاولة لفهم ما حصل خلال السبع سنوات الماضية حتى وصلت بنا الأمور لهذه الدرجة من الخطورة.


التركينة #3: الدولة البوليسية

في الحلقة الثالثة من التركينة، باش نحكيولكم على النقابات الامنية: كيفاش ووقتاش تعملو، وكيفاش استغلو الغطاء القانوني للعمل النقابي باش يكبّرو نفوذهم ويحميو رواحهم من المحاسبة كل ما يرتكبو تجاوزات ومخالفات. في حلقتنا هاذي باش نرجعو على تاريخ دولة البوليس، وتواصل المنظومة الأمنية في قمع الاحتجاجات والاعتداءات عالمواطنين، دون حسيب أو رقيب، آخرها وقت إلي تطرح قانون زجر الاعتداء على الأمنيين. وكيف هبطو الناس يتظاهرو ضدو تضربو وتم التشهير بيهم وسحلهم سياسيا واتصاليا على صفحات الفايسبوك.

Inscrivez-vous

à notre newsletter

pour ne rien rater de nawaat

iThere are no comments

Add yours

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *