يجوب قياديو هذا الحزب أحياء ولاية أريانة ويطوفون بالأسواق ويطرقون أبواب المسؤولين، غايتهم الترويج لطرد المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء والذين يسمونهم اختصارا “بالأجصيين”، معتبرين أن مراقبتهم وترحيلهم هي أوكد مهام السلطة الآن من أجل حماية تونس من خطر ما يسمونه باستيطان المهاجرين أفارقة جنوب الصحراء.
بارانويا الاستعلاء الأبيض وسط أذهان تونسية
“العنصريّة هي جريمة مقيتة مُجرَّمة بالقانون، والأكيد أنّ ذلك الخطاب فيه تحريض على الكراهية وهو خطاب عنصري يخالف أحكام الفصل عدد 9 من قانون مناهضة الميز العنصري. “، تقول حنان بن حسّانة المستشارة القانونية لجمعيّة منامتي، تعليقًا على الحزب القومي التونسي والخطاب الّذي يتبنّاه.
يحيل خطاب هذا التنظيم على سرديّة تروّج لها الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا التي لا تخفي عنصريتها، أساسها أربع نقاط وهي على التوالي ربط انعدام الأمن بوجود المهاجرين، تشكيلهم خطرا على هوية البلاد بنية طمسها، وشيطنة المنظمات الحقوقية واتهامها بفرض سياسات الهجرة على الحكومات. أما النقطة الأخيرة فهي ما يُسمّى بالأولوية الوطنية، وهي أن تكون أولوية التشغيل على أساس الجنسية المحلية.
يقول حسام طوبان، عضو المكتب السياسي للحزب القومي في تصريح لموقع نواة إن أولوية حزبه هي حماية تونس ممّا سمّاه “بالاستيطان الأجصي”، مضيفا أنّه “يمتلك أدلّة على وجود مشروع استيطاني لهؤلاء، وأنّ أوروبا ترصد أموالا طائلة لإبقاء المهاجرين أصيلي أفريقيا جنوب الصحراء في تونس”، ولا يخفي المتحدّث مخاوفه من “إمكانيّة حدوث مواجهات دمويّة” معهم.
من جهتها، تفنّد الأستاذة حنان بن حسانة بالقول إنّ: “تونس أرض عبور، وهي لا تدعم وجود مهاجري أفريقيا جنوب الصحراء في إطار تكوين دولة داخل الدولة، أو بهدف الاستيطان، ولكن باعتبارها أرض عبور. وفي الأخير هناك اتفاقيات دولية تنظّم وجود المهاجرين”.
يقول طوبان إن حزبه قدم ملفات إلى وزارة الداخلية ورئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية، إضافة إلى ولاة الجهات التي يتركز فيها عدد كبير من أفارقة جنوب الصحراء، تضمنت معطيات جمعها أعضاء الحزب، مصدرها الأنترنت وشهادات بعض سكان الأحياء حسب قوله، من بينها توعد أفارقة سكان جنوب الصحراء للتونسيين بطردهم، باعتبار أنّ تونس هي أرضهم وأرض أجدادهم حسب قوله.
يرتكز هذا التنظيم في حملته على الأحداث التي شهدتها صفاقس من مواجهات في حي البحري بين مهاجرين وأبناء الحي. غير أن الهاجس الآخر هو ما سمّوه بانتشار الكنائس الخاصة بهم. يقول حسام طوبان لنواة: “المطلوب من الدولة أن تراقب نشاطهم الديني الكثيف، فكنائسهم انتشرت في أماكن كثيرة. قبل أن يثير مشروعهم الاستيطاني انتباهنا وقرارنا محاربته، كنا قد طالبنا بحل آخر وهو قبول أفارقة من دول تقدّس العمل. كما طالبنا بأولوية قبول المهاجرين المسلمين وتعليمهم اللغة العربية حتى يتمكنوا من الاندماج بسهولة مع التونسيين”.
يروي حسام طوبان بحماس وغضب تفاصيل ما أسماه بالاستيطان الأجصي لتونس، زاعمًا أنّ هدف مهاجري أفارقة جنوب الصحراء هو طرد التونسيين من أرضهم واستيطانها وسرقة تاريخها بالادّعاء بأنّ حنبعل كان أسود البشرة وأن الإسلام ظهر عندهم.
وسرد شقيق رئيس الحزب سفيان بن الصغير وأحد أنصار الحزب لنواة، رواية أخرى تكشف “النوايا الاستيطانية” للمهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء، معبّرا عن استغرابه من رؤية امرأة مهاجرة حامل: “هم يقيمون في تونس، يحصلون على فرص العمل في المطاعم وعلى الإعانات التي من الأولى أن يحصل عليها التونسيون، وينجبون من أجل التكاثر. الأمر بدأ هكذا في فلسطين قبل احتلالها وقد يحصل الأمر في تونس لتحتلها دولة أجصائيل”.
يحث هذا التنظيم التونسيين على الامتناع عن كراء شقق لأفارقة جنوب الصحراء أو تشغيلهم، مطالبا الشرطة بمراقبة المحلات التي تشغلهم والمنازل التي يقيمون بها. في المقابل يعتقد حسام طوبان أن اتهامهم بالعنصرية هو تجن على الحزب، ويقول لنواة “نحن لسنا ضد ذوي البشرة السوداء ولكننا مع تطبيق القانون الذي يمنع كراء منزل لأجنبي دون الإبلاغ عن وجوده، والمطالبة بترحيل من هم في وضعية غير قانونية هي دعوة لتطبيق القانون التونسي”، رغم أن خطاب الحزب واضح فهو لا يستهدف المهاجرين غير النظاميين فحسب، بل يطالب بفرض تأشيرة على دول جنوب الصحراء.
يدفع حسام طوبان تهمة العنصرية عن الحزب القومي مذكرا بأنه ينشط في إطار القانون، مؤكدا علم السلطات بكل أنشطة الحزب، من ذلك استقبالهم من طرف والي أريانة يوم 29 ديسمبر الماضي في أوج حملتهم ضد أفارقة جنوب الصحراء، مفيدا أن الوالي تبنى موقفهم بخصوص الجرائم والتجاوزات التي يرتكبونها حسب قوله. كان طوبان قد كتب تدوينة عقب لقائه بالوالي يقول فيها “للمجالس أماناتها التي تمنعني من نشر تفاصيل الاجتماع وكذلك لخطورة الموضوع. أنا سعيد جدا لأنه يوجد مسؤولون واعون بالخطر ويحتاجون مساندة شعبية من كل التونسيين. هناك مؤشرات تبشّر بحل المشكل قبل سيطرتهم على البلاد”.
عين الدولة تحرس الحزب القومي
قبل أكثر من عامين، تحديدا في أوج حملة رئاسيات 2019، لم يخف طوبان حماسه الشديد لقيس سعيد آنذاك، إذ كان أحد أعضاء حملته الانتخابية في عدد من أحياء ولاية أريانة، وهو دعم لم يخفه طوبان منذ سنة 2011، ليواصل مساندته للرئيس في تجميد البرلمان والإجراءات التي اتخذها يوم 25 جويلية 2021. يقول رمضان بن عمر، المسؤول عن قضايا الهجرة في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تصريح لنواة، إن خطاب أعضاء هذا التنظيم نتيجة طبيعية لوضع سياسي واقتصادي واجتماعي تمييزي ضد المهاجرين. ويضيف:
هو أيضا وجه آخر من الشعبوية وامتداد للخطاب السياسي الشعبوي السائد بالبلاد الآن. النيابة العمومية لم تتحرك من تلقاء نفسها لمقاضاة الحزب وأعضائه، فهم يشنون الحملات ضد المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء، إضافة إلى لقائهم مسؤولين جهويين واستقبالهم والاستماع إليهم.
يصف رمضان بن عمر خطاب الحزب بأنه يروج لمنظومة فصل عنصري بوجه آخر، مفسرا بأن مهاجري أفريقيا جنوب الصحراء موجودون في تونس نتيجة اتفاقات دولية وقوانين تمييزية تبقيهم في وضعية غير نظامية، ويقول “إضافة إلى الأفارقة جنوب الصحراء، يوجد عشرات المهاجرين من أوروبا في وضعية غير قانونية في تونس بسبب تلك التشريعات”.
يبلغ عدد المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء قرابة 57 ألف مهاجر حسب الأمم المتحدة، ويعمل البعض على تضخيم ذلك العدد لترويج خطاب عنصري، حسب رمضان بن عمر الذي يفسّر ذلك بقوله:
“هم بشر لديهم من الحقوق ما لنا، غير أن خطابا مماثلا لخطاب هذا الحزب يعتمد على مقاربة أمنية ضدهم، والأخطر أن هذه القوى يمكن أن تتطور وتقترب من الحكم لأنها نتيجة طبيعية لامتداد اليمين المتطرف في العالم”.
تتبنى صفحات وحسابات على فايسبوك وتويتر، تقول إنها متخصصة في مجال الأمن والدفاع، مقاربة هذا التنظيم تجاه المهاجرين أفارقة جنوب الصحراء وتروج لها. يقول زياد روين، عضو جمعية منامتي المدافعة عن الحقوق والمناهضة للتمييز العنصري، لموقع نواة إن هذا الخطاب العنصري يؤججه خطاب الشرطة ونقاباتها تجاه المهاجرين غير النظاميين بتقديمهم كخطر على التونسيين.
تدرس جمعية منامتي رفع دعوى قضائية ضد الحزب القومي التونسي بتهمة مخالفة قانون الأحزاب وعلى معنى القانون عدد 50 لسنة 2018 المتعلّق بالقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، إلى جانب قضية أخرى رفعتها منظمة متخصصة في الدفاع عن المهاجرين، في انتظار رد من السلطات الرسمية بخصوص موقفها من خطاب هذا التنظيم واستقبال قياداته، في الوقت الذي يتهم فيه نشطاء الحزب المنظمات والمدافعين عن حقوق الإنسان بالخيانة وبخدمة أجندا دول أجنبية. يقول زياد روين: “التصنيفات التي تقسم التونسيين بين خونة ووطنيين هو خطاب مشابه للخطاب الرسمي وبالتحديد رئيس الجمهورية ووزارة الداخلية”.
ينشط الحزب القومي التونسي ذو الخطاب العنصري المخالف للقوانين المحلّية والاتفاقيّات الدّولية على مرأى ومسمع من الدّولة، ويلتقي مؤسّسوه وأعضاؤه مع ممثّلي السّلطة في تجاهل تامّ لخلفيّة هذا التنظيم الّذي يبني فكره على أساس عرقي، وهو ما يتناقض مع أحكام مرسوم الأحزاب الذي يمنع في فصله الرابع على الأحزاب السياسيّة الدعوة إلى العنف والكراهية والتعصب والتمييز على أسس دينية أو فئوية أو جنسية أو جهوية. فهل تتبنّى الدّولة هذا الخطاب وتستبطنه، أم أنّها تراقب وتغض الطرف في انتظار التعفن؟
في الأثناء بدأ هذا الخطاب العنصري المقيت يتسلل إلى وسائل الإعلام، كاشفا قصورا لدى عدد من الصحفيين ومقدمي البرامج، في التعامل مع الخطاب العنصري ونشر الكراهية نيابة عن مجموعات عنصرية، ما يقدم خدمات مجانية لهذه التنظيمات، التي تنتعش من رواج الشعبوية والفكر المؤامراتي الذي يكاد يطبق على البلاد.
غايتهم طرد المهاجرين الأفارقة جنوب صحراويين لي اقامتهم غير قانونية أو لي عملو جرايم