ينص الفصل الثالث من القرار عدد 1 لسنة 2014 المتعلق بضبط النظام الداخلي لهيئة الحقيقة والكرامة على أن الهيئة تسلم ”كل وثائق ومستندات الهيئة عند اختتام أعمالها إلى الأرشيف الوطني أو إلى مؤسّسة مختصّة بحفظ الذاكرة الوطنية محدثة للغرض“، دون ذكر أو تفصيل نوع تلك الوثائق، غير أن الهيئة عقدت اتفاقا مع أربع جمعيات من أجل إيداع قرارات جبر الضرر التي لم تتمكن من توزيعها، منها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وجمعية الكرامة للحقوق والحريات، رغم أن الهيئة سبق أن أعلنت قبل يوم من انتهاء مهامها رسميا أنها ستسلم ما بقي لها من قرارات جبر ضرر للمنتفعين بالتعويضات عبر البريد.

صور من أرشيف هيئة الحقيقة والكرامة

يقول شادي الطريفي عضو الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان المكلف بالتكوين ونشر ثقافة حقوق الإنسان، في تصريح لموقع نواة أن هيئة الحقيقة والكرامة عقدت اتفاقا مع الرابطة وثلاث جمعيات أخرى لتسلم مقررات جبر الضرر وبالتالي تسليمها للمنتفعين بها ويضيف الطريفي ”تسلمت الرابطة 120 مقررا وضُمنت ضمن محضر جلسة، وذلك بعد أن انتهت مهام الهيئة رسميا، ولا تتدخل الرابطة في مضمون تلك المقررات بل تكتفي بتسليمها لأصحابها فحسب، كما أن الاتفاق شمل تلك المقررات فحسب دون التسجيلات السمعية والبصرية“. ويضيف شادي الطريفي أن معيار اختيار هيئة الحقيقة والكرامة للجمعيات الأربعة هو التعاون السابق مع تلك الجمعيات التي كانت بعضها بمثابة وسيط تلقى شكاوى متضررين قبل تسليمها إلى الهيئة.

 منتصف سنة 2019، تسلم يوسف السوسي وهو من المفروزين أمنيا مقرر جبر الضرر من مقر جمعية الكرامة للحقوق والحريات بالعاصمة، يقول في تصريح لنواة إنه توجه في مرة أولى إلى مقر الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان من أجل البحث عن المقرر بعد غلق مقر هيئة الحقيقة والكرامة، غير أنه فشل في الحصول عليه. يضيف السوسي ”في البداية توجهت إلى رابطة حقوق الإنسان للاستفسار عن مقرر جبر الضرر، وكان هناك أعوان تابعين للهيئة من المكلفين بتسليم المقررات. ظللت أبحث عن مصير وثيقتي وكانت الإجابة هي أنه لم يصلهم المقرر الخاص بي، قبل أن يعلنوا عن انتهاء مهامهم بالرابطة وطلبوا مني التوجه إلى مقر جمعية الكرامة للحقوق وهي جمعية قريبة من حركة النهضة، تسلمت منهم مقرر جبر الضرر المعنوي رغم أنه وفق نص قانون الهيئة، يحق لي الحصول على جبر مادي بأربعين نقطة، قبل أن يتعهد أحد أعوان الهيئة في الجمعية بإصلاح ما جاء في المقرر وتمكيني من 20 نقطة“.

قدم يوسف السوسي تظلما للمحكمة الإدارية من أجل إضافة 40 نقطة وفقا للقرار الإطاري المتعلق بمعايير جبر الضرر، حيث لم يتمكن من تقديم اعتراض على قرار هيئة الحقيقة والكرامة في الأجال المحددة بما أنه تسلم مقرره بعد انتهاء مهام الهيئة. كما تحصل على الملف الذي قدمه للهيئة من الأرشيف الوطني بعد أن تقدم بمطلب نفاذ للمعلومة. وما يزال السوسي في انتظار قرار المحكمة الإدارية للنظر في ملفه. تقول حياة الورتاني وهي عضو في لجنة جبر الضرر بهيئة الحقيقة والكرامة في تصريح لنواة إن تلك القرارات غير قابلة للطعن وفق قانون العدالة الانتقالية وإن الاعتراض يكون لدى الهيئة خلال العهدة التي عملت بها. تضيف الورتاني إن الفصل الثالث من القرار المتعلق بالنظام الداخلي للهيئة يشمل الأرشيف السمعي والبصري وبقية وثائق الهيئة، لا مقررات جبر الضرر التي يجب أن تسلم لأصحابها حتى يتمكنوا من التمتع بحقهم في التعويض المادي والمعنوي.

ينفي حسين بوشيبة رئيس جمعية الكرامة والحقوق في تصريح لموقع نواة أن تكون الجمعية تسلمت مقررات جبر الضرر ويقول ”مهمتنا هي متابعة ملفات الضحايا لدى الدوائر القضائية المتخصصة، وفي السابق تسلمنا 60 ألف ملف وفحصناها وأحلناها إلى هيئة الحقيقة والكرامة وتحصل أغلبهم على قرارات لجبر الضرر، لكننا لم نتسلم تلك المقررات“.

لقيت مقررات هيئة الحقيقة والكرامة انتقادات من بعض الضحايا، ونشرت بسمة بلعي وهي إحدى ضحايا الانتهاكات في عهد بن علي فيديو في ماي 2019 انتقدت فيه مقرر جبر الضرر لوالدها المتوفى منذ قرابة العشرين عاما، والذي نص المقرر الخاص به على تمتيعه بالتأهيل النفسي والاجتماعي. اتهمت بلعي الهيئة بالمحاباة في إسناد النقاط التي تحدد قيمة جبر الضرر المادي حسب نوعية الانتهاك الذي تعرض له الضحايا.

يقول عماد المنوسي وهو أحد المفروزين أمنيا، في تصريح لنواة إنه تقدم بطعن لدى المحكمة الإدارية من أجل إنصافه، صحبة ثمانية من أصدقائه، حيث لم تسند له هيئة الحقيقة والكرامة قرارا بجبر الضرر المعنوي وفق معايير الانتهاك الذي تعرض له حسب قوله، وينتظر بت المحكمة في طلبه بعد أن تسلم مقرره خلال نهاية عهدة الهيئة، ويقول ”من المفترض أن تسند لي الهيئة 40 نقطة لأن ملفي يستجيب للمعايير التي حددها قرار الهيئة، غير أنها لم تنصفنا ولم يكن هناك مجال للاعتراض لديها لأنني تسلمت القرار في فترة تصفية أعمالها. هناك عدد كبير من الضحايا الذين التجأوا إلى المحكمة، من ضمنهم قرابة 700 شخص لم ترد أسماؤهم في قائمة المرفوضين أو المتخلى عنهم وثبت أن قرارات جبر الضرر الخاصة بهم قد اختفت أو ضاعت“.

يكافح ضحايا الانتهاكات الذين قدموا ملفاتهم إلى هيئة الحقيقة والكرامة من أجل الاعتراف بحقهم في جبر الضرر ومحاسبة المنتهكين، فمنهم من رمت الهيئة بمقرراتهم في مقرات جمعيات وهيئات، من ضمنها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد التي أغلقت أبواها منذ قرابة العامين، وآخرون نجحوا في إيصال ملفاتهم، لكن أصابع الاتهام وُجهت إلى كراسي تخلو من المتهمين، ما جعل بعض الضحايا يقدمون دعاوي قضائية ضد أعوان من الضابطة العدلية بسبب عدم تنفيذهم بطاقات الجلب الصادرة في حق متهمين، خاصة المنتمين إلى أسلاك الشرطة.