يطل علينا 3 ماي هذه السنة ليزرع فينا الأمل ويغذي روح المقاومة الاعلامية رغم قتامة المشهد. صحيح أن تونس تدحرجت في الترتيب السنوي الذي تعده مراسلون بلا حدود ب11 مركزا مقارنة بالسنة الماضية لتستقر في المرتبة 129 من بين 180 دولة يشملها مؤشر حرية الصحافة، وبالمناسبة دعونا نذكّر الجوقة أن لا وجود لترتيب ال 230 الذي روجوه بضحكات غباء سعيد تشفيا في القطاع المنكوب.. صحيح كذلك أن عاما كاملا قد مر على اقتحام البوليس لدار المحامي وإيقاف المعلقة الصحفية الأستاذة سنية الدهماني على المباشر أمام عدسة كاميرا فرانس 24، قبل أن يأتي الدور على مراد الزغيدي وزميله بسيّس والسبب تعاليق وآراء صحفية تردد في كل مكان داخل تونس وخارجها. صحيح أيضا أن الصحفية شذى الحاج مبارك تقبع هي الأخرى في السجن في علاقة بالقضية المعروفة ”بأنستالينغو“ ينهشها المرض وتكاد تفقد سمعها بالكامل ولا حياة لمن تنادي..

لن ننكر البتة أن المرسوم 54 سيء الذكر يواصل التهام أصحاب الرأي صحفيين أو مدونين من قطاعات وشرائح اجتماعية وعمرية مختلفة وأن محاولات إيقاف العمل به أو حتى تنقيحه لم تكن بالجدية المطلوبة وقبرت في أدراج البرلمان قبل أن ترى النور. لن نأتي بجديد إن تحدثنا عن السقوط المدوي لتلفزاتنا واذاعاتنا الوطنية الممولة من جيوب دافعي الضرائب بالعودة الميمونة إلى مربع التطبيل والتسبيح بحمد الرئيس، بعد أن تعسفنا على عقولنا وأنهكنا ضمائرنا في محاولة يائسة للحديث عن إعلام عمومي لا حكومي. الأمر طبعا لا يختلف كثيرا في غالبية وسائل الاعلام الخاصة، فترغيبا وترهيبا انتزعت مخالبها وأسنانها لتتحسس طريقها بثبات في طابور الولاء والطاعة، مع تميز شاهق لبعض المؤسسات التي ارتبط اسمها بمواعيد الكذب والمغالطة والضحك على ذقون المواطنات والمواطنين في أمهات القضايا المتعلقة بالمعيشة والسياسة والهجرة وغيرها.

الصحيح كذلك أن أقلاما صحفية تخلت عن كرامتها الإنسانية وانبرت لبث الأحقاد العنصرية بلا حياء، بعد ان اطمأنت إلى افلاتها من العقاب مهنيا وجزائيا وبدل أن تلعب دورها في التوعية والتعريف بالنصوص والقوانين، خيّرت الانسياق مع تيار الرداءة العنصري الجارف حتى لا تكون عرضة لهرسلة ”كورفا“ الجنون العنصري وتقاد إلى مخافر الشرطة لتستنزفها الأبحاث والتحقيقات البوليسية التي لا تبحث إلا عن طريق لإدانتها ولجم أفواهها، كما هو حال الاعلام الجمعياتي الذي تحول مقياس نجاح مقالاته إلى كمية تعاليق الشتم والتهديد التي ترافق أعماله الصحفية.

كل ذلك صحيح لكنه فشل فشلا ذريعا في تركيع القوى الحية النابضة حرية وحبا للحياة، فهذه التعاسة الاعلامية التي يشرف عليها بعض من شيوخ وشيخات إعلام البروباغندا تلقت درسا لن ينسى وصفعة مدوية من طلبة معهد الصحافة وعلوم الاخبار، طالبات وطلبة الصحافة للسنة الثانية على التوالي يرفضون الظلم والرداءة، بعد اعتصام مخيم شيرين أبو عاقلة السنة الماضية وفرض القطع مع التطبيع الأكاديمي والعلمي، صدر عنهم بيان أثلج الصدور يفرض قطعا مع تطبيع لا يقل خطورة، التطبيع مع الظلم والاستبداد جاء فيه:

إننا، كأبناء هذا الصرح الأكاديمي والإعلامي، نحمل مسؤولية مزدوجة: مهنية وأخلاقية، تحتم علينا عدم الصمت أمام محاولات ضرب حرية التعبير وحرية الصحافة، وتدفعنا إلى الوقوف صفا واحدا في مواجهة كل أشكال القمع والتضييق والانحراف عن المسار الديمقراطي. فالإعلام الحر والمستقل لم يكن يوما ترفا، بل هو ركيزة أساسية لأي مجتمع عادل ودولة قانون.

فشدّوا الهمة يا طلبة الصحافة، يا من زرعتم فينا الامل وأذكيتم شرارة المقاومة الإعلامية لما بدأت تخفت، يا من ستكنسون أذيال الجبن والردة من القطاع، يا من ستقودون ملاحم الانتصارات الإعلامية رغم المكائد والدسائس، يا من تفتحت أزهاركم وأينعت بعد 2011.

كل سنة وأنتن وأنتم حرائر أحرار، كل سنة نمضي معا من انتصار إلى آخر حتى ينكسر هذا العبث وتتبدد غيوم التسلط والهيمنة وتتحرر الألسن والأقلام من جديد بفخر الانتماء إلى السلطة الرابعة، صاحبة الجلالة نصيرة من لا صوت لهم، وسط ضوضاء التحريض والكراهية.